في أبريل/ نيسان 2020، ترك هزاع (اسم مستعار) صنعاء، بعد أن أغلق المطعم الذي يعمل فيه أبوابه أمام الزبائن ضمن الإجراءات الاحترازية من وباء كورونا. كان هذا العمل مصدر دخله الوحيد منذ أكثر من 10 سنوات، وقد انتهى به الحال عائداً إلى مسقط رأسه في إحدى مديريات محافظة تعز.
جاء هذا الإغلاق المفاجئ بعد إعلان تفشي فيروس كورونا، وتراجع العمل في المطعم الذي يقدم وجبتي “الفحسة” و”السلتة” الشعبية.
قبل “كورونا” كان هزاع (40 سنة) يخطط للعودة إلى قريته، لقضاء شهر رمضان وسط أطفاله وعائلته، وكان ذلك يتطلب منه توفير “كسوة العيد” للعائلة، ونفقات إجازته طيلة الشهر الكريم، كما يفعل كل سنة. لكن لا شيء من ذلك تحقق هذا العام. اصطدمت خطط هزاع البسيطة بقرار إغلاق المطعم الذي يعمل فيه، فسافر إلى عائلته خالي الوفاض، ومثقلاً بالقلق من استمرار كورونا في سلب الناس فرص أعمالهم كما يسلب أرواحهم.
الوضع البائس الذي يعيشه هزاع، نموذج لحال آلاف العمال اليمنيين الذين خسروا أعمالهم بسبب تفشي جائحة كورونا والإجراءات الاحترازية منها، وما أعقب ذلك من تداعيات أثرت على كل مناحي الحياة في اليمن، وتأثرت بها شرائح عدة من المجتمع، خاصة عمال الأجر اليومي.
94 % من عمال العالم يعيشون في بلدان تعاني من إغلاق أماكن العمل بسبب جائحة كورونا، وهناك تقديرات بأن العالم سيخسر ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل، 5 ملايين منها في بلدان عربية
تقول منظمة العمل الدولية إن 94%، من عمال العالم يعيشون في بلدان تعاني من إغلاق أماكن العمل بسبب جائحة كورونا، وقدرت أن العالم سيخسر ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل، 5 ملايين منها في بلدان عربية.
يقول هزاع لـ”خيوط”: “كان عملي في المطعم هو المصدر الوحيد لإعالة أسرتي، لكنني بسبب كورونا أصبحت عاطلاً”. كما يعبر عن مخاوفه في حال استمرت الجائحة، كونه لا يتقن عملاً آخر لتوفير لقمة عيش له ولأسرته.
خطر الإفلاس
عمال الأجر اليومي هم الأكثر تضرراً من جائحة كورونا، إذ اضطر أرباب العمل إلى تقليص عدد العاملين، خاصة بعد تشديد الإجراءات الاحترازية في صنعاء بمنع استقبال الزبائن في المطاعم. إجراءات أدّت بدورها إلى تسريح آلاف العمال، وتراجع كبير في إيرادات مرافق العمل.
أحد ملاك المطاعم في صنعاء قال لـ”خيوط” إنه اضطر إلى تسريح ما يقارب 90% من العمال، خاصة بعد صدور قرار اللجنة الفنية لمواجهة فيروس كورونا نهاية مايو/ أيار 2020، إذ أغلقت صالات الطعام والاقتصار فقط على تقديم خدمة “السفري”.
يتعرض قطاع المطاعم لضغوط أخرى متعلقة بالضرائب والتحصيلات المختلفة، وهي أعباء قال عدد من ملاك المطاعم إنهم يأملون بأن تستوعبها “الجهات المعنية” في سلطة أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء. وقد حاولت “خيوط” التواصل مع بعض هذه الجهات إلا أنها امتنعت عن الإدلاء بأي تعليق حول الموضوع.
تواجه الكثير من منشآت قطاع المطاعم والبوفيهات خطر الافلاس، خاصة في ظل عدم وجود خطط حكومية لحمايتها من الآثار الناجمة عن أزمة كورونا، وفي ظل غياب خطة حكومية لتعزيز هذه المنشآت من أضرار الإغلاق الجزئي الذي تعانيه.
تراجعت التحويلات الخارجية إلى اليمن بنسبة 80%، وكان يعتمد عليها حوالي 23% من السكان، وهو ما يعني أن 35% من السكان تراجع نصيب الفرد الواحد فيهم إلى أقل من 150 دولار شهرياً
تدابير فاقمت الأزمة
إجراءات عدة اتخذتها السلطات في صنعاء لمنع انتشار فيروس كورونا قال عنها مدير صحة البيئة في أمانة العاصمة، الدكتور محمد الأصبحي، إنها ساهمت في التخفيف من انتشار المرض. وأضاف الأصبحي في حديث لـ”خيوط”: “فرضنا إجراءاتنا على جميع المطاعم والبوفيهات، معظمها التزم، وبعضها لم تلتزم، واتخذنا اللازم معها”، مشيراً إلى أن عدد المطاعم والبوفيهات التي أغلقت منذ صدور القرار حتى نهاية يونيو/ حزيران 2020، بلغ 720 مطعماً وبوفيه.
كما لفت الأصبحي إلى أن حكومة صنعاء “بدأت مؤخراً العمل بقرار عودة الحياة بشكل تدريجي، ضماناً لعدم انتقال العدوى”.
وكلفت مثل هذه التدابير الوقائية، القطاع التجاري في اليمن، الذي يعاني تداعيات الحرب منذ أكثر من خمس سنوات، خسائر بنسبة 30%، وفقاً لتقديرات خبراء في الاقتصاد. وتوزعت هذه الخسائر على “تراجع الأرباح، ونفقات إيجار، ومساعدات للموظفين والعاملين، الذين تم تسريحهم إما مؤقتاً أو تم منحهم إجازة بدون راتب، ناهيك عن الموظفين الذين منحوا إجازة براتب”.
دفعت القوى العاملة في اليمن ثمناً كبيراً، حسب الباحث الاقتصادي نبيل الشرعبي، في حديثه لـ”خيوط”. وتذهب تقديراته إلى أن نسبة من فقدوا أعمالهم في المطاعم والمقاهي ومحلات الإنترنت، تتراوح بين 17-24%، وأن هذه الأيدي العاملة كانت تعيل ما نسبته 12% من السكان على الأقل.
الجهل بالتسويق الإلكتروني
خلال الأشهر الأولى من العام الجاري 2020، أي الأشهر التي بدأ فيها الإغلاق جراء فيروس كورونا، تراجعت التحويلات الخارجية بنسبة 80%، بحسب منظمة أوكسفام. وأكد الباحث الشرعبي أن “هذه التحويلات كان يعتمد عليها حوالي 23% من السكان، وهو ما يعني أن 35% من السكان تراجع نصيب الفرد الواحد فيهم إلى أقل من 150 دولار شهرياً”.
ويرى الشرعبي أن ندرة التسويق الإلكتروني في اليمن، وتقديم الخدمات عبر الطلب الإلكتروني، إضافة إلى جهل الغالبية حول كيفية التعامل مع هذا النوع من العمل، ضاعف الخسائر على مستوى الفرد، وعلى مستوى السوق التجاري بكل أشكاله.
ويكشف موجز سياسات جديد ، أصدرته الأمم المتحدة في 19 يونيو/ حزيران 2020، عن الأثر غير المتناسب والمدمّر على الشباب، ما يزيد من احتمال ظهور ما يسمى “جيل الإغلاق”، والذي من المرجح أن يظهر بمهارات أقل وأجور أدنى.
ولفت الموجز إلى معاناة عمال الاقتصاد غير الرسميين، الذين يفتقرون في كثير من الأحيان إلى الحماية الاجتماعية، من انخفاض في الأرباح بنسبة 60% في الشهر الأول فقط من الأزمة.