“زوجوه يعقل”. مقولة يمنية دفعت بحياة كثير من الفتيات نحو الهاوية. هكذا يقع بعض اليمنين في خطأ تزويج أبنائهم المصابين باضطرابات نفسية أو اختلال عقلي، إذ يلجؤون إلى تزويجهم بشريكة حياة تتولى الاهتمام بهم، لتنزاح عن عاتق الأسرة مسؤولية رعاية ابنها المختل، وتنتقل مسؤولية متابعته إلى عاتق زوجته التي تجد نفسها في دائرة معاناة لا تنتهي.
لم تكن الفتاة العشرينية أسماء (اسم مستعار) تدرك أن حلم زواجها وتكوينها أسرةً سعيدة سينتهي بزواج فاشل عجزت عن الفكاك منه. لقد وقعت ضحية فخّ نصب لها بالزواج من رجل ثلاثيني مختلٍّ عقلياً، لم تعرف بحقيقة مرضه إلا يوم زفافها، فقد أغدق أهل العريس على أهلها المال، غير مكترثين لعواقب هذا الزواج وما سيلحق بابنتهم من أضرار نفسية، فكانت صدمتها حين اكتشفت أن من تزوجته مريض عقلياً لا يستطيع أن يعي شيئاً، هذا سوى الأذى الجسدي والنفسي الذي نالها منه، حين لا تنفذ طلباته، أو حين يتغير مزاجه.
وبالرغم من كل المعاناة التي تتكبدها أسماء في منزل أهل زوجها، الذين أرغموها على الانصياع لرغبات زوجها دون إبداء أي شكوى، فإنها أيضاً تواجه ضغطاً أكبر من أهلها حين يضيق بها الحال وتذهب إليهم شاكيةً حالها، فتُجبر على العودة إلى بيت زوجها مجدداً، منكسرةً ومحملة بالإهانات واللعن والشتم، حسبما تقول لـ”خيوط”.
تتجاهل عائلات المختلين عقلياً حقيقة كون هذا الزواج باطل شرعاً؛ وهذا ما يؤكده الشيخ جبري إبراهيم حسن، مدير عام الوعظ والإرشاد في ديوان عام وزارة الأوقاف والإرشاد. وفي حديثه لـ”خيوط”، يؤكد أن هذا النوع من الزواج “باطل”،” كون المختل فاقد للأهلية غير مكلّف، ولا يستطيع تقديم أي منفعة أو مصلحة في زواجه”. ولفت حسن إلى أن الزواج “تُبنى عليه مسؤوليات لا تقل أهمية عن أداء الفروض الدينية، وبالتالي فزواج المختل قد يؤدي إلى الإيذاء النفسي والجسدي للطرف الآخر وهو ما حرّمه الشرع، وفق نصوص واضحة وصريحة، منها حديث النبي: “رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل”.
تواجه المرأة التي تتزوج برجل “مختل عقلياً” ضغوطات نفسية قد تصل بها إلى الانتحار، وأحياناً تتوحد الزوجة مع حالة زوجها فتشاركه الوهم الذي يعاني منه
بين القانون والعرف
على الرغم من أن هذا النوع من الزواج يعدّ باطلاً شرعاً، إلا أن القانون اليمني لا يجرّمه، بل يقنّنه. تنص المادة (11) من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1992، على أنه لا يعقد زواج المجنون أو المعتوه إلا من وليِّه بعد صدور إذن من القاضي بذلك.
لكن القانون لم يترك الباب موارباً للمتضررات اللواتي يتزوجن برجل “مختل” أو “معتوه”، بدون موافقتهن أو علمهن بهذه العيوب، إذ يمنحهن قانون الأحوال الشخصية، بتعديل المادة (47) لسنة 2003، الحق في فسخ هذا الزواج في المحكمة.
يؤكد ذلك الدكتور محمد المحبشي، أستاذ الشريعة والقانون بجامعة صنعاء، في حديثه لـ”خيوط”، أن “لزوجات المختلين عقلياً والمعتوهين الأحقية بالفسخ من المحكمة إن تم غشّهن في هذا الزواج، ومعاقبة المتسببين في ذلك”. إلا أن الكثير من الأسر اليمنية تخشى ذلك بدافع “العيب” وتعتبر ذلك “فضيحة”، فتجبر بناتهن على التعايش مع حياتهن، مهما بلغت مرارتها، وتحثّهن على الصبر.
وتواجه بعض النساء اللواتي يتزوجن برجل “مختل” أو “معتوه”، ضغوطات نفسية قد تصل ببعضهن إلى الانتحار.
الدكتورة نورة خالد، أخصائية نفسية بمستشفى الأمراض النفسية والعصبية بصنعاء، تشير في حديثها لـ”خيوط”، إلى حجم المعاناة والضغوط النفسية والجسدية الكبيرة التي تتعرض لها هؤلاء الزوجات، وأبرزها: “الحزن والقلق واليأس”. وتقول الدكتورة نورة إن هؤلاء الزوجات “يصلن إلى حالة من الاكتئاب وعدم الشعور بالأمان وفقدان قدرتهن على اتخاذ قرار، والخوف الدائم، خاصة إذا كنّ يتعرضن للتعنيف الجسدي”. وتضيف أن هناك حالات تتوحّد فيها الزوجة مع زوجها فتشاركه الوهم الذي يعاني منه، بينما “تتجه بعض الحالات إلى الخيانة لتعويض النقص والحرمان الذي مررن به، بسبب فقدانهن للتفاهم، والأخطر أن هناك من يصل بهن الحال إلى الانتحار” .
فحوصات ما قبل الزواج
مع كل هذه الأضرار التي تتعرض لها المرأة جراء هذا النوع من الزواج، فإن هناك عائلات ترى أن الزواج بالنسبة لابنها “المختل” يحميه من الوقوع في الخطيئة، والحصول على احتياجاته خارج إطار الزواج، كما تعتقد بأن هذا الزواج يساعد ابنها على التعافي .
خديجة (اسم مستعار) تحدثت لـ”خيوط” عن تجربتها في الزواج من “مختل عقلياً”، وهي التجربة التي لم تستمر أكثر من شهر. غير أنها تجزم بأن “المختل عقلياً” لا يتعافى بعد زواجه، بل إن “الزواج لا يزيده إلا تسلطاً”. ولذلك، يقع العبء كله على الزوجة التي تكون مجبرة على التحمل، وتزداد معاناتها حين تنجب أطفالاً.
وتقول لـ”خيوط”، ليلى ناصر، أخصائية مختبرات، أن فحوصات ما قبل الزواج تقلل من “الكوارث الاجتماعية” الناجمة عن الزواج، وتكسر حلقة المعاناة المتسلسلة لهذه الزيجات. وتشير ليلى إلى أن “على الحكومة ومنظمات المجتمع المدني المساهمة في هذا الشأن، من خلال فرض وتأييد فرض فحوصات ما قبل الزواج لإتاحة الفرصة للطرفين من أجل اتخاذ القرار الصحيح، خاصة في حال انتقلت الصفات الوراثية إلى الجنين”.
تحرير “خيوط”