خمسة أعمالٍ دراميةٍ تم بثُّها على القنوات المحلية اليمنية في شهر رمضان، هذا العام، وتوزعت على النحو التالي:
على قناة "يمن شباب"، كان هناك عملان: مسلسل "جمهورية كورونا" ومسلسل "دار ما دار"، وعملٌ واحدٌ لقناة "السعيدة"، وهو مسلسل "غربة البن". أما "سد الغريب"، فكان عملاً مشتركاً لقناتي "يمن شباب" و"المهرية"؛ بينما بثت قناة "اليمن" الفضائية من صنعاء مسلسل "بعد الغياب".
لفتت هذه الأعمال الخمسة انتباه المشاهدين إلى حدٍّ ما، بالإضافة إلى أعمالٍ أخرى، توزعتْ على بعض القنوات؛ لكنها في المجمل لم تُحدثْ ضجةً، ولم يتحدث عنها الجمهور. ومن هذه الأعمال، مسلسل "على أيش" على قناة "السعيدة"، مثلاً، ومسلسل "عايش بورطة" على قناة "عدن" المستقلة .
طبيعة المسلسلات الخمسة
اعتمدت كل هذه الأعمال على الكوميديا، بشكلٍ أساسيٍّ؛ باستثناء "سد الغريب" الذي كان طابعه درامياً بشكلٍ مكثف. وهذه الأعمال تأتي عادةً لإرضاء الجمهور اليمني، الذي يذهب نحو الكوميديا بشكلٍ أكبر، خاصةً وقت الإفطار، وتأخير الدراما إلى أوقاتٍ لاحقةٍ تبدأ من الساعة التاسعة مساءً حتى منتصف الليل؛ ما يقلل من الاهتمام بالدراما لصالح الكوميديا. ولا نغفل الإشارة هنا إلى أن "دار ما دار" هو من فئة "السيد كوم"؛ أي الأعمال التي تصوَّر في مكانٍ واحدٍ، كشُقّةٍ أو بيتٍ، وهو أقرب إلى البرامج الكبيرة من الدراما، حسب رأي العديد من المخرجين.
إشكالية هذه الأعمال
لم يستطع أيُّ عملٍ من هذه الأعمال نيلَ رضا المشاهدين بشكلٍ كامل، وكان الانطباع العام أن أفضلية مسلسلٍ ما هي نتاجٌ لسوء منافِسِه ليس أكثر .
في "غربة البن" مثلاً، كان العمل أقلَّ من المتوقع، وأقلَّ حتى من الجزء الأول: افتقر للسيناريو والحوار، وظهر للمُشاهد الكثيرُ من الأخطاء الفنية والموضوعية، وهفواتٌ من الممثلين التي لاحظها المتابع العادي؛ لكنّ أكثرَها فداحةً هو حضورُ مَشاهدَ كثيرةٍ أُعدتْ لإرضاء الراعي المالي، فظهرت الدعاية بشكلٍ مباشرٍ ومستفزٍّ للمتابع، وأثّرتْ على الأداء الدرامي، وأثارت ردودَ فعلٍ كبيرةً؛ كما حصل في مشهد محاولة سرقة شقة "مسعود" في الهند، من قِبَل "صابر"، واكتشافه من قبل "ثريا".
وتحوَّل هذا المشهد إلى مادةٍ للسخرية، بسبب توظيف بطاقة الـ"فيزا كارد" لبنك "الكريمي". فنياً، أيضاً هناك فرقٌ في الجودة من مشهدٍ إلى آخر، وعدم انسجامٍ لونيٍّ في الصورة بين لقطةٍ وأخرى في المشهد الواحد، إلى جانب مشاكلَ فنيةٍ أخرى.
أما "جمهورية كورونا"، فكانت الأخطاء الفنية، خاصةً في الصوت والإضاءة، واضحةً جداً. والعيب الأبرز كان في الصورة؛ حيث تم تصوير العديد من المشاهد بلقطةٍ عامةٍ، ولم ينوِّع المخرج في اللقطات، رغم طول بعض تلك المشاهد.
وموضوعياً، برز الفنان فهد القرني، وهو بطل المسلسل، غيرَ مُقْنِعٍ، وهو يعود بعد فترة غيابٍ عن جمهوره. كما أن دور العديد من الممثلين في المسلسل كان مجردَ تكملة عددٍ، ولم يكن هنالك قصةٌ تستحق عناء المشاهدة. وفي النهاية، لم يستطع الكاتب الاستمرار، فتوقف عند الحلقة الـ15، مُنهياً العمل. وقد تكون الظروفُ التي حالتْ دون تصوير العمل الأصلي "ليالي الجحملية" في الأردن، وعدم توفر الوقت، مبرراً لإنتاج عملٍ ظهر بهذا المستوى غير المقنع.
يتفق كثيرون على أن ثقافة المنتجين اليمنيين في الشروع بإنتاج أعمالهم، قبل شهر رمضان مباشرةً، هي أكبر المشاكل التي تعطل الإنتاج، واستبعدوا أن تكون لجائحة كورونا يدٌ في رداءة الدراما اليمنية
بالنسبة لمسلسل "سد الغريب"، فقد اهتمّ بالصورة والإنتاج الفني بشكلٍ أكبر، واستخدم كاتبة السيناريو، "الميلو دراما" بشكلٍ مبالغٍ فيه في الصراع، ومن ثم تشتيت القارئ. ولم يفهم الكثير من المشاهدين القصة إلا بعد الحلقة العاشرة. لكنه، في المجمل، أقلُّ أخطاءً من بين كل تلك الأعمال.
العمل "دار ما دار"، الذي تم إنتاجه العام الماضي، اهتم بجمع النجوم فقط، دون وجود قصةٍ حقيقية. بل ويذهب البعض إلى اعتباره مستنسخاً من عملٍ قديمٍ، وهو "بيت المداليز". وفي المجمل، يعتبر عملاً عادياً وخفيفاً جداً، لاسيما إن عرفنا أنه أُنتج قبل عامٍ كاملٍ، ولم يواجه أي صعوباتٍ، كما حصل لأعمالِ هذا العام.
مسلسل "بعد الغياب"، هو الآخر، حاول المخرج الاهتمام بالصورة فيه إلى حدٍّ كبيرٍ؛ لكن عيوب المونتاج كانت كبيرةً وكثيرة. غير أن العيبَ الأبرز تجسّد بضم العمل عدداً من النجوم الذين حوّلهم الكاتب والمخرج إلى مُعاقِين؛ وهو شيءٌ مبتذلٌ وغيرُ محبّبٍ للجمهور.
مبررات
وفيما يرى الناشط في مواقع التواصل الاجتماعي، جمال طه، أن عمل "سد الغريب" مشتتٌ وغيرُ متماسكٍ، وذاهبٌ للاستعراض أكثر في البنية الدرامية، رأى الفنان ونجم المسلسل عبدالله يحيى إبراهيم أن عملهم كان الأول "بين الأعمال التي عرضت في رمضان" (هذا العام)، وأن ما يراه البعض تشتيتاً للجمهور هو ارتقاءٌ بالذائقة الفنية للجمهور، وخروجٌ عن المألوف.
من جانبه، أكد لـ"خيوط" الفنان حسن الجماعي، أحد نجوم وكُتاب "غربة البن"، على أحقية ما ذهب إليه الجمهور من سخطٍ على المسلسل، وشاطرهم الرأي أنه أقلُّ بكثيرٍ من الجزء الأول، رغم عدم رضاه الكامل على الجزء الأول أصلاً.
ويقول حسن إن ما سماها حرباً تمّتْ قبل البدء بالتصوير، حاولتْ منع العمل؛ وهو ما أجّل بدء التصوير إلى ما قبل رمضان بعشرة أيامٍ فقط، وقد تم تغيير السيناريو أكثر من مرةٍ استجابةً للظروف الطارئة. وقلّل من تأثير غياب بعض نجوم الجزء الأول، متحدثاً عن أن كل الأعمال الدرامية تهتم بالقصة قبل النجم؛ وهو الأمر الذي خالفه فيه الفنان صالح الأسمر، والذي قال لـ"خيوط" إن غياب بعض النجوم هو أبرزُ أسبابِ ما وصل إليه الجزء الثاني من "غربة البن".
همومٌ مشتركة
في المجمل، تعتبر هذه الأعمال، والتي عرضت في رمضان 1441هـ، قليلةً جداً، بالنظر لعدد القنوات اليمنية، وضعيفةً جداً بالنظر لاهتمام الجمهور وولعه بالأعمال التلفزيونية أكثر من أي وقت.
أما أسباب عدم الرضا عن هذه الأعمال، فهي كثيرةٌ. إذ يعتقد جمال طه أن الخطأ هو في عدم سخاء المُنتجين، وذهابهم إلى التأليف رغم محدودية إمكانياتهم الفكرية، بدلاً من البحث عن الكُتاب المحترفين، ويوافق في ذلك عبدالله يحيى إبراهيم بأن سخاء المنتجين غير موجود، بالنظر إلى قوة السيناريو عند أغلب المنتجين.
ويذهب صالح الأسمر إلى اعتبار المجاملات المؤثرَ الأول على الأداء دائماً، ويقول إن الكثير من المنتجين يَعمَدون إلى استجلاب أصدقاءَ أو أسماءٍ معروفةٍ، عوضاً عن البحث عن المواهب الحقيقية.
ويتفق الجميع على أن ثقافة المنتجين اليمنيين في الشروع بإنتاج أعمالهم، قبل شهر رمضان مباشرةً، هي أكبر المشاكل التي تعطل الإنتاج، واستبعدوا أن تكون لجائحة كورونا يدٌ في رداءة الدراما اليمنية، هذا العام.
غياب مؤثر
تجدر الإشارةُ هنا إلى فقدان الجمهور لواحدٍ من أبرز المخرجين الذين قدموا نماذجَ مختلفةً جَمَعتْ بين البساطة والارتقاء بالذائقة العامة، هو المخرج عمرو جمال. قدم عمرو عمليْن مختلفين اعتُبرا من أهم الأعمال الدرامية اليمنية؛ وهما: "أصحاب"، و"فرصة أخيرة".
وهنا يسأل الجمهور عن سبب اختفاء عمرو. والحقيقة أن شحة المنتجين كانت أبرزَ أسباب هذا الاختفاء، ليقرر البقاء في إخراج الأفلام، خاصةً بعد النجاح الكبير في فيلم "١٠ أيام قبل الزفة"، من حيث الوصول والربح.