في الوقت الذي كانت البلاد ترزح تحت ظلام الجهل قبل قيام الثورة في شمال اليمن عام 1962، كان هو يهرّب الأطفال من قريته في منطقة العود محافظة إب، إلى مدرسة الأحمدية في تعز. وصف ذلك في إحدى مقابلاته بأنه أعظم سرقة، وهي سرقة الطفولة من الجهل. كان يجلس إلى فتيان القرية ليقنعهم بأهمية الدراسة والتعلم، ثم يأخذهم معه إلى المدرسة. كانت تلك المبادرة الأولى للأستاذ الدكتور حمود العودي، الذي بدأ حياته بالمواقف والرؤى الوطنية المبكرة، ثم أكاديمياً وباحثاً وناشطاً مدنياً وسياسياً دافع عن الثورة والجمهورية، محاولاً رفع سقف الوعي وإصلاح المجتمع وتنميته.
ولد حمود العودي عام 1946، في منطقة العود من محافظة إب اليمنية، غادر قريته وحيداً حين كان طفلاً في الثانية عشرة، ليلتحق بالمدرسة الأحمدية في تعز. وبعد ثورة سبتمبر 1962، وتغيير نظام التعليم كان بين طلاب أول دفعة تحصل على الثانوية العامة عام 1966. ابتعث بعدها إلى مصر للدراسة الجامعية، حيث حصل على الليسانس في الآداب في قسم الدراسات الاجتماعية من جامعة القاهرة عام 1970. عاد بعدها إلى اليمن ليعمل في مجال الشباب والشؤون الاجتماعية من عام 1971 إلى 1974، وشغل منصب وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والشباب خلال عامي 1975 و1976. ثم استقال من هذا المنصب والتحق بهيئة التدريس بجامعة صنعاء عام 1977، وحصل بعدها على درجة الماجستير في علم الاجتماع عن رسالته (التراث الشعبي وعلاقته بالتنمية) عام 1979 من جامعة القاهرة، ثم الدكتوراه من نفس الجامعة عن رسالته (برامج التنمية وعلاقتها بالواقع الثقافي الاجتماعي في اليمن) عام 1983.
واجه عام 1985 تهمة "الردة" وتم تكفيره بسبب كتابه "المدخل الاجتماعي في دراسة التاريخ والتراث العربي"، فيما اعتبر نشطاء حينها أن أسباباً سياسية كانت وراء هذه التهمة التي وصلت إلى القضاء. عندها غادر صنعاء إلى عدن حيث أمضى خمس سنوات. ترأس في جامعة عدن قسم الفلسفة لثلاث سنوات، وأسس فيها قسم الاجتماع لأول مرة قبل قيام الوحدة، ثم عاد إلى صنعاء عام 1990، بعد أن تمت تبرئته من تهمة "الردة عن الإسلام"، وقد وثق ما تعرض له في تلك الفترة في كتابيه: "متهم بالكفر يبحث عن محكمة"- 1988، و"التهمة والدفاع من محكمة الصمت إلى محكمة التاريخ"- 1989).
هناك من يرى أن العمل الوطني يحتاج إلى بيئة سياسية، وهذا ما جعل العودي يعايش عن قرب وفاعلية العمل السياسي والوطني بأطيافه المختلفة، بدءاً بحركة القوميين العرب، والجبهة القومية، فالحزب الديمقراطي الثوري، ثم الحزب الاشتراكي اليمني حتى عام 1979، انقطع بعدها عن النشاط الحزبي ليتفرغ لدراساته وأبحاثه الأكاديمية.
إلى جانب عمله الأكاديمي في الجامعة كأستاذ ومحاضر ومشرف على بعض رسائل الماجستير والدكتوراه، أسهم في العديد من الأنظمة والبرامج العلمية الأكاديمية في جامعة صنعاء، وعمل على تطوير مساقات البكالوريوس والدراسات العليا ودراسات المرأة والبحوث الاجتماعية والدراسات السكانية في قسم الاجتماع بجامعة صنعاء، وكان له الدور الرئيس في تأسيس قسم الخدمة الاجتماعية في جامعة صنعاء وتولى رئاسته.
وللدكتور حمود العودي دراسات وأبحاث ومؤلفات حول التنمية والثقافة والتراث والتاريخ والعمل التعاوني ووضع المرأة والنوع الاجتماعي والديمقراطية وغيرها من المواضيع، وأهم هذه المؤلفات "نظرية الفائض في جدلية التطور الاجتماعي لتشكيلات ما بعد المشاعة" الذي صدر عام 1999، وكتاب "المنظور العلمي للثقافة" عام 1973.
شارك العودي في تأسيس المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل (منارات)، كما شارك في تأسيس أول مجلس لتنسيق منظمات المجتمع المدني خارج نطاق تبعية السلطة والمعارضة، وهو مؤسس "التحالف المدني للسلم والمصالحة الوطنية"، الذي يضم أهم منظمات المجتمع المدني في اليمن، كما يضم شخصيات وطنية عامة وقضاة وقادة رأي مستقلين، تأسس عقب اندلاع الحرب في اليمن عام 2015.
كان للعودي دور في العمل المدني، والمساعدة في معالجة تداعيات الحرب، ويقول عنه عبدالباري طاهر في مقال له بعنوان "حمود العودي.. رحلة كفاح": "تحرك الدكتور وفريقه إلى أكثر من منطقة مشتعلة لإصلاح الكهرباء في مأرب، وصرف المرتبات في عدن، وفك الحصار عن تعز، وكان ولا يزال الصوت المدوي لوقف الحرب، وتحقيق المصالحة الوطنية".