أولاً، يُشرّفني جداً أن أنضمّ لكُتّاب "خيوط"، الذي تكرّم باستكتابي في موقعه. وأنا لا أملك إلا أن أشكرَه جزيلَ الشكر، وعسى ألا أخيب ظنّه.
ثانياً، أودُّ أن أشكر –حتى وإن جاء شكري هذا متأخراً قليلاً– كلَّ من ساهمَ في إطلاق سراحي من حبس الأربع والعشرين ساعةً، والذي كان بإمكانه أن يمتد إلى ما شاء الله! نعم.. إلى ما شاء الله! والسبب هو –حسب ما أبلغني العسكريُّ المناوب في حراسة حبس المحكمة– أن المطلوب مني أن أوفر "ضمانةً حضوريةً" من عاقل الحارة، والذي بدوره أبلغ أحدَ أولادي أنه لا يعطي "ضمانةً حضوريةً" إلا لمُلّاك المساكن، وليس للمستأجرين. وهكذا تُقفل دائرة استمرار حبسي لأنني مستأجر.
والسؤال: هل القضاة كلهم، أو من مثَلْتُ أمامه فقط، لا يعرفُ أن عقال الحارات لا يعطون وثيقة "ضمانة حضورية" للمستأجر؟! أم أن عاقل الحارة، على وجه التحديد، هو من يرفض التوجيهات –إن كان ثمة توجيهاتٌ– بإعطاء "ضمانةٍ حضورية"؟! ما رأيكم أيها المعنيون بالأمر؟! نريد حلاً! أتذكرون فيلم "أريد حلاً"، الذي تُمثل فيه الممثلة القديرة فاتن حمامة؟
وعلى كلٍّ، ثمة حلولٌ: منها أن يُطلَب من الموظف في الحكومة أو في القطاع الخاص وثيقةُ "ضمانةٍ حضورية" من جهةِ عمله. المقصود أن تُصاغ بدائلُ لتأمين "الوثيقة الحضورية"، عوضاً عن حصْرها في عاقل الحارة فقط.
هذا، مع العلم أنه لم تَجْرِ محاكمةٌ، والوقوف أمام القاضي لم يستمر إلا بضعَ دقائق، أستطيع القول إنها لم تتجاوز الأربع دقائق، ولم يُبْلغني من مَثَلْتُ أمامه بأيّ قرار؛ وإذا بهِ يُبلغ العسكري الذي كان يرافقنا بقوله: "خذْه"! وها أنا أمام حبس المحكمة، الذي فَتَحَهُ العسكريُّ لأدخله، بين حوالي خمسة وعشرين محبوساً، محشورين في غرفةٍ ضيقة. ولا تَسَلْ عن كمّاماتٍ قد تقي مما يقال له "جائحة كورونا". أما ما كان "يُطمْئْنني"، أن أحداً من المحبوسين لم يسعُلْ قط، أو على الأقل أنا لم أسمع أحداً قط. وربما لأني لم أُرِدْ أن أسمع أيةَ سُعلة؛ فقد قرر "عقلي الباطني" ألّا أسمع! جزاه الله عني ألفَ خير!
للقضية وجهٌ عامٌّ خطيرٌ، بل وخطيرٌ للغاية، لأنه يمس عشرات الآلاف من الموظفين في الدولة. وإذا كان الشائع أن الإخوة "أنصار الله" قد أصدروا توجيهاً بعدم رفع الإيجارات، وكذا بمنع إخراج المستأجرين من منازلهم المستأجرة، فإن ذلك بحاجةٍ لمتابعةٍ حقيقيةٍ جدية
أعود مرةً أخرى، لأشكر كلَّ من تضامَنَ معي. وأصارح القارئ الكريم بأنني، قبل هذا التضامن –وهذا نقد ذاتي، هل تذكرون "النقد الذاتي قُوتُنا اليومي"؟– كنتُ لا أعطي تقديراً حقيقياً لفعل التضامن؛ أقصد تقديراً كافياً لفعل التضامن بالتوقيع على قائمةِ تضامنٍ ما. والجماهير، كما يقال، لا تتعلم إلا بتجربتها الخاصة. ويبدو -لا! بدون هذه الـ"يبدو"- أنا الباحث المثقف –أَكِيلُ من عندي– أنتمي إلى الجماهير، إلى العامة، إلى العوام، لم أتعلّم القيمة الحقيقية للتضامن إلا من تجربتي الخاصة. فـ"حيَّ على التضامن!".
والآن، أصارح القارئ الكريم: إن توقيعك على قائمةِ تضامُنٍ، له مردودٌ عظيمٌ؛ حتى وإن تظاهر المعنيون بعدم الاكتراث لهذا الصنف من التضامن، بل وحتى السخرية منه. لا! إن اسمك -أيها المتضامنُ بالتوقيع ضمن قائمة المتضامنين- له عظيمُ الوقع والأثر.
وليعذرْني كلُّ من تضامن معي ألّا أستطيع تحيتهم واحداً واحداً. ومع ذلك، لا أستطيع – وليعذرْني الجميع– إلا أن أشيد بالتضامن الرائع للصديق العزيز عبد العزيز البغدادي، جزاه الله عني كل خير.
بَيْد أن للقضية وجهاً عاماً خطيراً، بل وخطيراً للغاية؛ لأنه يمسُّ عشرات الآلاف من الموظفين في الدولة. وإذا كان الشائعُ أن الإخوة "أنصار الله" قد أصدروا توجيهاً بعدم رفع الإيجارات، وكذا بمنع إخراج المستأجرين من منازلهم المستأجرة، فإن ذلك بحاجةٍ لمتابعةٍ حقيقيةٍ جدية؛ ذلك لأن المسموع –وقد سمعتُ ممن لا أشك في مصداقيّته– أن ثمة من القضاة مَنْ حكموا لصالح المالكين المؤجرين.
أقول –بصدقٍ- إن مجرد إصدار التوجيهات، دون متابعة تحقيقها ونفاذها، لا يكفي؛ لأنه يُعد من باب مجرد "رفع العتب"، وليس من باب الحرص الحقيقي على مصلحة المواطنين. أما ماء الصمت هذا عن المتابعة الجدية للتوجيهات، بغية نفاذها، فلا يصبُّ في مصلحة الحكم، وإنما يصب في صالح الخصم.
بطبيعة الحال، للقضية عدةُ أوجهٍ، منها -وهو الأهمّ من وجهة النظر القانونية- علاقة القانون الخاص، وهو المرجع المباشر للقاضي، بالحالة الاستثنائية؛ بالمحنة التي تمر بها البلاد. ليعذرْني أهل القانون، فأنا لست مختصاً في القانون، بل ومتطفلٌ في هذا الشأن. ومع ذلك، أليس بجانبِ -بل وفوق- القانون قِيمٌ في الحياة عموماً، وفي العدل على وجه التعيين، ينبغي مراعاتُها واعتبارُها عند التعامل مع النصوص القانونية، ومعالجة ما يستجدّ من مواقفَ حياتيةٍ، وبالذات في الحالات الاستثنائية كالتي نعيشها؟ أزْعُم: بلى! ثمة قيمٌ أخلاقيةٌ وعدليةٌ فوق نصوص القانون. وهنا يحضُرني ما قام به الخليفة عمر بن الخطاب في مجاعة عام الرمادة، حينما علّق حَدّاً من حدود الله عز وجل! نعم.. علّق حدَّ السرقة، القاضي بقطع يد السارق، علّق حدّاً فرَضَهُ الله، ولم يعلّق نّصاً اجتهده مخلوقٌ من البشر. وأنا هنا لا أكتشف جديداً؛ بل أكاد أجزم يقيناً أن كل القضاة يعلمون ذلك وأكثر من ذلك، أكثر مني بكثير.
طبعاً، أنا هنا لا أُفتي، وأين أنا من الفتاوى؟! ولكني أدعو كل المعنيِّين –إن قرأه أحدهم– إلى معالجة هذا الشأن معالجةً جديةً، لأنها تنتمي إلى الشأن العام.
مرةَ أخرى، أُحَيّي مِن كل قلبي كلَّ من تضامن معي. و:"حيَّ على التضامن!".