يعتقد رئيس بنك الطعام في اليمن، محمد عبد الله الآنسي، أن المساعدات الإغاثية الدولية والمحلية -بطريقتها الحالية- ستحول الشعب اليمني إلى عبء، وحان الوقت لتغيير وتطوير إستراتيجية التدخلات، لتكون أكثر تأثيراً في التصدي للأزمة الإنسانية الكارثية التي تعانيها اليمن، بعد خمسة أعوام من الحرب الدائرة في البلاد.
في حوار لـ"خيوط"، أرجع الآنسي تفشي الجوع إلى البطالة وانعدام الدخل وفرص العمل؛ لهذا يرى تركيز الجهود الدولية والمجتمعية في اليمن نحو المشاريع التنموية المستدامة التي تكافح البطالة وتخلق فرص عمل للشباب.
-في البداية.. ما تقييمكم للوضع الإنساني الراهن في اليمن؟ وكيف يمكن التصدي للمشاكل المتعلقة بتدهور الأمن الغذائي وتردي الأوضاع المعيشية؟
الوضع الإنساني، مع الأسف كارثي. ومن وجهة نظري، يفترض أن يتم توجيه المنح الدولية نحو التنمية المستدامة والبنى التحية؛ وهي بدورها ستخلق فرصَ عملٍ للشباب يعتمدون عليها، بدلاً من الاعتماد على المساعدات وتحويل الشعب إلى عالة.
-هل هناك قصور من قبل المجتمع الدولي في مساعدة اليمن للتصدي للأزمة الإنسانية؟
الأزمة الإنسانية في اليمن تتخطى حدود الإمكانيات، هناك 22 مليون شخص بحاجة للإغاثة. نسبةٌ كبيرةٌ منهم، حسب تقارير دولية، بحاجةٍ إلى أي شكلٍ من أشكال المساعدة العاجلة، والعدد في تزايد. وهذا رقمٌ كارثيٌّ يمثل مأساةً بكل معانيها ووجعاً كبيراً. إذا لم يعمل الجميع -من مؤسساتٍ وأشخاصٍ ورجالِ أعمالٍ ومنظماتٍ محليةٍ ودوليةٍ- في حشد الإمكانيات لمواجهة هذه الكارثة، فقد يصحو العالم يوماً على كارثةٍ أعظم من الوضع المتردي الكارثي الراهن، وقبل هذا وذاك يجب أن تتوقف الحرب فوراً.
الصعوبة الأبرز هي كوننا نعتمد على رجال الأعمال في تمويل مشاريع البنك، في ظل تقلباتٍ اقتصاديةٍ حَرِجة، وثنائيةٍ إداريةٍ متضاربةٍ أثرت على الجميع، وبدورها انعكست على طموحات البنك وتطلعاته
-ما الأهمية التي يكتسبها وجود بنك الطعام اليمني في هذه الظروف المعيشية الصعبة؟ وهل أثره ملموس؟
يكتسب بنك الطعام اليمني أهميته من اللحظة التي أُعلن فيها عن إطلاقه كتلبية لحاجةٍ مُلِحَة، اقتضتها ضرورة اللحظة الفارقة في حياة اليمنيين جراء الحرب الدائرة وتعطُّل مصالح الناس وانقطاع الرواتب واشتداد الحصار، وتزايد حركة النزوح اليومية داخلياً وبلوغ المأساة اليمنية أَوْجَها. كما يكتسب البنك أهميته من تخصصه في مكافحة الجوع، وفق رؤية علمية وخبرة ميدانية، لتوجيه الأعمال الإنسانية نحو خلق تنميةٍ مستدامةٍ تنتشل الأشخاص المستهدفين من ضيق الاحتياج للغير إلى أفق الاكتفاء الذاتي.
بالإضافة إلى ذلك، يكتسب بنك الطعام اليمني أهميته من سعيه الدؤوب -منذ اللحظة الأولى- إلى أن يشكل قيمة مضافة في العمل الإنساني والتنموي، من خلال إدارة الأعمال الإنسانية بشفافية ومهنية وكفاءة تمنع الازدواجية والعشوائية وتعيد الثقة بين العمل الإنساني الخيري والمانحين، وكذا من خلال مشاريعه المختلفة المبنية على أساس تقييم احتياجٍ دقيقٍ مدروسٍ، مثل المخابز والمطابخ المجتمعية والمطابخ المركزية للنازحين والأسر ذوي الإعاقة وكبار السن، والتي تستهدف بالأساس أُسَراً انعدمت لديها تماما إمكانية إعداد الطعام في مكان تواجدها، بسبب عجزها عن امتلاك تكاليف وأدوات ومكان إعداد الطعام. لهذا فإن تحقيق الفائدة المرجوة من التدخلات الإغاثية يتطلب الوصول للمحتاجين بمشاريع تناسب احتياجهم الفعلي.
-ما أبرز الصعوبات التي تواجهونها في عملكم؟ بل والتي تواجهها مختلف الجهات العاملة في الجانب الإنساني؟
نحن، وكل مؤسسات المجتمع المدني، نعمل في ظل حربٍ وانقسام. وهذا ينعكس حتماً على شكل صعوباتٍ ومشاكلَ وتحدياتٍ وعوائقَ. ومع هذا، نحاول تجاوزها من خلال استثمار علاقاتنا وحياديتنا مع كل الأطراف، ونعالج ما قد يطرأ من صعوباتٍ وإشكالاتٍ أولاً بأول. والحمد لله، نجد تجاوباً وتعاوناً من الجميع.
لكن الصعوبة الأبرز هي كوننا نعتمد على رجال الأعمال في تمويل مشاريع البنك، في ظل تقلباتٍ اقتصاديةٍ حَرِجة، وثنائيةٍ إداريةٍ متضاربةٍ أثرت على الجميع، وبدورها انعكست على طموحات البنك وتطلعاته. لكننا نأمل بتجاوز هذه من خلال العمل على تشبيكٍ واسعٍ محلياً وإقليمياً ودولياً.
رغم ذلك، تمكن بنك الطعام اليمني -منذ عامين- من الوصول لقرابة 300 ألف مستفيد، من خلال مشاريعه الدائمة والموسمية وتدخلاته الطارئة. ورغم أنها أرقام بسيطة -مقارنة بحجم المأساة- إلا أن عزاءنا في ذلك أنها جهودٌ ذاتيةٌ محلية.
يخطط بنك الطعام هذا العام (2020) والأعوام المقبلة لأن تكون 70% من تدخلاته في مجالات تحقق الاستدامة والاكتفاء الذاتي للأسر المستهدفة وتمكينها اقتصادياً، انطلاقاً من رؤية البنك في المساعدة والتأهيل والتمكين، خاصة في المجال الزراعي والحيواني والصناعات الحرفية
- برأيك، كيف يمكن الارتقاء بالعمل الإغاثي التنموي في اليمن؟
الارتقاء بالعمل التنموي والإنساني، والإسهام المباشر في تحقيق الأمن الغذائي، يتطلب العمل وفق منظومة برامجَ ومشاريعَ محترفةٍ تستهدف الفئات المحتاجة، وتعتمد على الأبحاث والدراسات والشراكات، وتنمية الموارد لمكافحة الفقر والجوع والبطالة.
- كيف تمضي المساعدات الإغاثية في اليمن؟ وما رؤية البنك لمعالجة تلك الاختلالات فيها؟ وكيف يمكن إدارتها؟
كغيره من المنظمات العاملة في اليمن والمهتمة بالأعمال الإنسانية، يظل الكثير من تدخلات البنك حالياً في إطار خطط الاستجابة الطارئة لمواجهة الأزمة الإنسانية، المتفاقمة جراء الصراع المسلح المستمر منذ 5 سنوات وغياب أفق للسلام؛ إذ إن غالبية السكان في اليمن مهددون بالعجز عن توفير قوت يومهم.
لكن هذا لا يعني القبول بالواقع؛ فالبنك يخطط هذا العام والأعوام المقبلة لأن تكون 70% من تدخلاته في مجالات تحقق الاستدامة والاكتفاء الذاتي للأسر المستهدفة وتمكينها اقتصادياً، انطلاقاً من رؤية البنك في المساعدة والتأهيل والتمكين، خاصة في المجال الزراعي والحيواني والصناعات الحرفية. وأتمنى على المانحين الدوليين الولوج أكثر فأكثر في هذا الاتجاه، وإلزام الشركاء التنفيذيين بخلق مشاريعَ تنمويةٍ وبُنىً تحتيةٍ تخلق فرص عمل تستهدف أفراد تلك الأسر، المستفيدة من البرامج الإغاثية والمساعدات. وللإنصاف، بدأت المنظمات في السير بهذا الاتجاه، لكن نريد أن يصبح ما يقل عن 80% من تمويلاتها ذاهباً في هذا الاتجاه.
__________________________________
حاوره/ محمد راجح