"لا أحد يولد وفي فمه ملعقة من ذهب لكنه قد يجدها يوماً في حقيبة أحلامه الوردية"، هذا ما فاحت به كلمات شذى صادق عبدالنور قاسم ذات الـ 23 ربيعاً، إحدى فتيات تعز اللواتي لم يُكملن تعليمهن الأولي.
شذى التي حلمت يوما بأن تُصبح مصممة أزياء يُشار إليها بالبنان، بعد أن اكتشفت هوايتها في التصميم في التاسعة من عمرها، وجدت وسيلة لمساعدة والدها الذي فقد عمله بسبب اندلاع الحرب في تعز، فلجأت إلى أحد معاهد تعليم الخياطة لاكتساب مهارات التصميم، لكنها لم تستمر فيه كثيراً بسبب تعنت المعلمة في المعهد، التي رفضت سعي شذى لتعليم زميلاتها المتدربات بعضاً من مهاراتها.
بدعم من جدّتها اشترت ماكينة الخياطة، وبقرض بسيط من صديقتها صممت وخاطت أول ثوب صلاة استغرقت فيه ثلاثة أيام بلياليها، نال عملها إعجاب الكثيرات من حولها، وبدأت جدياً بالتفكير في إنشاء مشروع يخصها، فلجأت إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أثواب الصلاة التي تنتجها بتصاميم مُبتكرة ومتميزة، لتتفاجأ بعدها بطلبيات كثيرة تنهال عليها من مناطق كثيرة تعدت خارطة اليمن ووصلت إلى أمريكا وماليزيا.
بسبب زيادة الطلبات وتزاحمها ترافقاً مع زيادة رأس المال أضافت شذى ماكينة ثانية وثالثة مع ثلاث أيدٍ عاملة لمساعدتها في إنجاز العمل، ووصلت إلى فتح معمل خياطة في شارع الجمهورية في تعز.
الأمل الذي بدأ يشق طريقه نحو الواقع، لم يلبث حتى اختفى مجدداً حينما تعرضت لعملية نصب من أحد عمالها، فكان صغر سنها آنذاك وانشغالها بكثرة الطلبيات سبباً كافياً لسلبها ثمرة كفاحها وسهرها المتواصل لأيام، حيث قادتها ثقتها لتسليم أقمشة بقيمة (400ألف ريال) لأحد العمال بعد عرضه عليها الاستعانة بأخته لمساعدتها في إكمال العمل، وبعد مرور الأيام واستغراق شذى بالتصميم وشراء الأقمشة والخياطة، وقعت لحظات الصدمة حينما فتحت باب المعمل يوماً لتجد محلها فارغاً تماماً، حاولت مراراً استعادة مافقدته من رأس المال والثقة لكنها لم تجد سوى الحُزن والأسى .
غرقت شذى في دائرة الصدمة وفي خذلان لا تحسد عليه، حتى عروض الشراكة مع أشخاص لم تكن تلبث أن تتبخر سريعاً وكأنها النهاية أطلت برأسها على أحلامها وطموحاتها الغضة.
شاءت الأقدار أن تتزوج في هذه الفترة، وتسافر مع زوجها إلى ماليزيا، بيد أنها لم تتوقف أبداً عن الحلم فاستغلت فترة وجودها هناك لتنمية موهبتها وتعلّم مهارات جديدة في الحِباكة والحياكة والابتكار في تصاميم عبايات وفساتين أطفال، بعدها عادت إلى اليمن لتضع مولودها الأول، ثم تبادرت إليها فكرة العودة إلى ممارسة هوسها بالخياطة والتصميم، والوقوف على ناصية حُلمها من جديد، بدعم من زوجها وأحد أقاربها، تلقت رأس مال كبير لتفتح محلاً جديداً في صنعاء بعد أن وجدت أن أكثر زبائنها هم من العاصمة فاستقرت للحياة هناك .
شذى التي أصحبت مثالا يُقتدى به للفتاة اليمنية المكافحة والصبورة اختتمت حديثها بعيون تضج حياة ونجاحاً وفخراً قائلة "رغم الحرب والنكسات والصعوبات حققت حلمي أخيراً" لتثبت للجميع مقولة "قد يتأخر الوصول كثيراً، لكنه حتماً سيأتي".