أيُّمفارقةٍ مضحكةٍ مبكيةٍ هذه!سكتْنا حين استمرت السلطات بمصادرة حقوقنا، وخرجنا حينأصدرتْ لمصلحتنا القوانين!
وأيّ خذلانٍتمارسه القيادات! تقمَع باسم القانون، حين يمارس الناس ما تراه مقلقا لسلطتها، وتغمض عينها حين يخالفالناس قوانينها للمصلحة العامة.كلُّ كارثةٍ تحلُّ بهذا الوطن تُنذر بقادمةٍ أسوأ؛ ليسفقط لأننا ألِفْنا الكوارث، بل لأننا لا نستفيد منها على الإطلاق. أمرت السلطاتبإغلاق المساجد؛ حيث إن ازدحام الناس فيها وملامسة وجوههم للأرض، الحاضنةللفيروسات، تجعلهم أكثر عرضةً للإصابة.
رفض الناسهذا القرار باعتباره مسّاً لحرياتهم الدينية؛ مع أن الأمر ليس كذلك. فالسلطات لم تمنع الصلاة،بل منعت التجمعات.
ومثلالناس، فعلت الأجنحةُ الدينيةُ للسلطة. وبدلاً من واجب الجيش في احترام القوانين وفرْضِها، سَمَحَ للناس بالصلاةمدعياً أنه رضخ لرغبتهم؛ وهو الجيش الذي لم يرضخ لرغبة الناس يوماً حين يطالبونبحق!
قاللي صديق إنه زار مسجداً، مؤخراً، فوجد أناساً ليس لهم علاقة بالعبادة جاؤوا لصلاةالجماعة. ردعليه أحدهم بـ"إننا شعبٌ لا يقهر"؛ ونحن الشعب المقهور بقوْتِهوحرياته ورفاهيته، والمقهور بالبقاء سنواتٍ تحت رحمة حربٍ ليس لأحدٍ في بقائهامصلحة.
استسلم العالم كله لعبث كورونا، الذي لم يفرق بين شعبٍوآخر، والذي تمكّن من تحييد النظام الصحي العالمي، والمال والتكنولوجيا، وأبقىالجميع تحت رحمته، يصيب من يشاء ويقتل من يشاء. اغترّتْ إيطاليابمؤسساتها ونظامها الصحي، واستهترتْ بالوقاية، فكانت النتيجة قرابة عشرة آلاف وفاةٍحتى اللحظة، وعشرات الآلاف من المصابين.
صحيحٌأن اليمن لم تعلن حتى اللحظة عن أي إصابةٍ بفيروس كورونا، لكن تجمعاً واحداً،بينهم مصابٌ واحدٌ، قد يكلف هذا الشعب الصعودَ إلى رأس قائمة الشعوب المصابة بهذاالوباء في العالم. لوسألت يمنياً عن يقينه من خلوّ البلد من الإصابة، لامتنع عن الرد. فنحن جزءٌ من هذا العالمالذي أصابه الوباء، وجزءٌ من العالم المتخلّف في النظام الصحي والرعاية، فلمَالعناد؟!
يردالمستهترون بالقوانين التي قضت بإغلاق بعض أماكن التجمعات، ومنها المساجد، بأنهملن يلتزموا قبل إغلاق الأسواق، وبأنها جريمة على التدين. الكعبة، والمسجدانالنبوي والأقصى، أُغلقت للحفاظ على المتدينين والمصلين أولاً، وعلى المجتمع كلهبدرجةٍ ثانية. ثمكيف لقرار إغلاق الأسواق، التي يعيش منها ملايين اليمنيين، أن يتم، وبعضنا لميلتزم لتدينه أو رفاهيته؟!
جميعاً مع إغلاق الأسواق، بما فيها أسواق القات؛ لكن على السلطة والمنظمات والقطاع الخاص تحويل المشاريع إلى مساعداتٍ مباشرةٍ للناس الذين يعيشون بالأجر اليومي، كما هو حال أغلب اليمنيين. فهؤلاء يفضّلون المغامرة بإصابةٍ محتملةٍ، نتيجة عدم الحجر والحظر، على اليقين بموتٍ سببه الفقر.