لا تزال اليمن تتجه للانحدارإلى مستويات سحيقة لتصبح دولة بلا تأمين مع إطالة أمد الحرب وأضرار الصراع الدائرالذي يطال مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد. المخاطر المحيطة بسوق التأمين تكالبتمن كل اتجاه مع وصولها لمستويات تهدد بقاء 16 شركة عاملة في هذا القطاع، تكافح لتجاوزهذه المخاطر لكن بدون تحقيق أية نتائج إيجابية حتى الآن.
ويأتي توقف "المعيدين" في طليعة هذه المخاطر، إذ تواجه شركات التأمين صعوبة بالغة في "الإعادة" دولياً في سوق التامين. وترتبط شركات التأمين المحلية بشركات إعادة تأمين دولية وفق نظام التأمين العالمي. ويجب أن تدفع شركة التأمين جزءاً من أقساط التأمين التي تحصل عليها من المؤمن عليهم، لشركة إعادة تأمين تضمن لها في مقابل ذلك جزءاً من الخسائر. فإذا وقع الخطر المؤمن ضده لجأ المؤمن له إلى شركة التأمين التي تدفع له تعويض عن الخسارة، ثم تطالب شركة التأمين بدورها شركة إعادة التأمين بدفع جزء من التعويض حسب الاتفاق المبرم بينهم.
إضافة لذلك،تأتي المشاكل المتعلقة بالاعتمادات المستندية في اليمن، نتيجة الانقسام الحاصل فيالمؤسسات المالية بين طرفي الصراع، وتوقف التجار عن فتح اعتمادات في البنوكوالتعامل مع شركات الصرافة، وكذا تأثيرات الحرب وارتفاع نسبة الأخطار، وهو ما أثربشكل بالغ على قطاع التأمين في البلاد.
كماأثر انهيار العملة بشكل كبير على شركات التأمين اليمنية بسبب أن رأس مالها بالريالاليمني، إذ بدأت الحرب وقيمة الدولار تساوي 250 ريال، فيما تجاوزت الآن قيمته 590ريال للدولار الواحد. هذا يعني كما يقول خبراء مختصون بهذا المجال، أن رأس مالشركات التأمين تراجع إلى النصف، ولم يتم إجراء أي تدارك من قبل الجهات المختصة،مثل وزارة الصناعة والتجارة والاتحاد اليمني للتأمين، أو من قبل الشركات، من أجلتلافي تأثير انهيار العملة على قطاع التأمين ورأس مال الشركات.
الخبيرفي مجال التأمين بلال أحمد، قال إن "معظم شركات التأمين اليمنية ليس لديهالوائح للمخاطر المتعلقة برأس مالها العامل في السوق، ولا توجد جهة تشرف أو تراقبأداء شركات التأمين، فالاتحاد اليمني للتأمين دوره محدود وغير مؤثر، خصوصاً منذاندلاع الحرب".
وتابع:"لا تعمل شركات التأمين الوطنية أية احتياطات للملاءة المالية، وتعاني منمديونة ضخمة في السوق متراكمة منذ سنوات طويلة، ومع انهيار العملة انخفضت قيمة هذهالمديونية إلى نصف القيمة".
ومعتناقص رأس مال شركات التأمين، يرى بلال في حديث خاص لـ"خيوط"، أنه "منالمفترض في هذه الحالة دمجها، ناهيك عن أن إقبال الناس على التأمين منخفض جداًبالأساس، والأولى دمج شركات التأمين لكي يكون لديها ملاءة مالية تستطيع من خلالهامواجهة أية أزمات طارئة، وتقديم منتجات جديدة تناسب الوضع والظروف الحالية".
ولمتعمل شركات التأمين على تسويق مخاطر الحرب والأخطار السياسية، وهذه بالطبع سوقرائجة لشركات التأمين، لكنها لا تعمل على استغلالها.
وهذايعود بالطبع كما يؤكد بلال، لأسباب عديدة أهمها "ارتفاع أسعارها التي تحددهاسوق لندن"، بينما لم تحاول هذه الشركات إيجاد أسواق بديلة، ولم تقدّم منتجاتتتعلق بأخطار الحرب الدائرة.
كما أشار خبير التأمين إلى أسباب مساعدة للانهيار تتعلق بالأنظمة الداخلية لشركات التأمين اليمنية. من ذلك أن "وفي غياب الرقابة والإشراف الحكوميين، لا يوجد ما يمنعها من المحاباة مثلا باعتماد بعض التعويضات بصور استثنائية، كما لا توجد معايير "وزارية وحكومية" صارمة تحكم تقديرات التعويضات تحت التسوية (الموقوفة) تمنع احتمالية التلاعب في حجمها عند إعداد الميزانيات بغرض تسجيل نسبة أرباح أعلى".
وتعاني السوق اليمنية من انسحاب كبار معيدي التأمين، الأوروبين خصوصا، منذ زمن طويل إذ لم يتبقّ سوى ثلاث شركات محلية من 16 شركة، لا زالت في اتفاقيات إعادة تأمين معهم، وقد انسحبت معظم شركات إعادة التأمين الجيدة قبل الحرب بأشهر قليلة، والمعيدون الأوروبيون المتبقون هم شركات هانوفر ري وميونخ ري وسويس ري وذلك لارتباطها بعلاقة طويلة وقديمة، مع بعض الشركات المحلية، تمتد منذ التسعينات وبداية الألفية الثالثة، وليس لوضعها المالي أو لأرباحها المحرزة.
ويرىبلال أن الحرب أدت إلى انسحاب المعيدين من التصنيف الأول، وتم التحول للتعامل معشركات إعادة أفريقية عاملة في هذا المجال بعد أن كان الارتباط مع شركات إعادة أوروبيةكبرى.
أضرارمتعددة
وفق القانون اليمني، فإن أي اعتماد يتم فتحه في أي بنك يمني يتم مباشرة التأمين عليه، لكن هناك تغيّر في هذا الأمر. إذ لم يعد التجار يفتحون اعتمادات مستندية كما كانوا سابقاً، وبالتالي فإن التأمين البحري الإجباري على البضائع انخفض بسبب أن استيراد التجار لم يعد عن طريق البنوك، وذلك لأسباب منها انخفاض حجم الاستيراد، إضافة إلى لجوء التجار إلى شركات الصرافة والسداد المباشر.
كان هناك خلاف حول الاعتمادات المستندية التي يتم فتحها للتجار لاستيراد المشتقات النفطية والسلع الغذائية والاستهلاكية. إذ أصرت الحكومة المعترف بها دولياً على أن يقوم التجار بفتحها في البنك المركزي في عدن، بينما رفضت سلطة أنصار الله (الحوثيون) ذلك، وأصرت على تكون عملية فتح الاعتمادات في البنك المركزي بصنعاء
شهيدالعزعزي مدير الإعادة في شركة "المتحدة"، أكبر شركة تأمين في السوقاليمنية، تحدث لـ"خيوط" عن صعوبات عديدة تواجهها شركات التأمين بسببالحرب والصراع الدائر في البلاد منذ خمس سنوات. في طليعة هذه الصعوبات "مغادرةشركات التأمين الدولية الكبرى للسوق اليمنية، ارتفاع أقساط التأمين، وتقليص تغطيةالأخطار المكتتبة، إضافة إلى الصعوبات المتعلقة بتحويل مستحقات التمويل والانقسامالحاصل في المؤسسات المالية الرسمية وتأثير ذلك على تأمين الاعتمادات المستندية. فقدكانت هذه الشركات تعمل في التأمين على الاعتمادات المستندية، وبعد قرار الحكومة المعترفبها دولياً نقل البنك المركزي إلى عدن في سبتمبر 2016، عمل البنك من عدن علىممارسة دوره في إدارة السياسة النقدية.وبعد الحصول على وديعة سعودية بقيمةملياري دولار، اتخذت الحكومة المعترف بها دولياً مجموعة إجراءات لتنظيم عمليةالاستيراد وتحويل خط الملاحة من ميناء الحديدة إلى ميناء عدن، وأصبح ميناء عدن يستقبلنحو 70% من البضائع المستوردة إلى اليمن. في هذا الإطار كان هناك صراع حول موضوعالاعتمادات المستندية التي يتم فتحها للتجار لاستيراد المشتقات النفطية والسلعالغذائية والاستهلاكية. إذ أصرت الحكومة المعترف بها دولياً على أن يقوم التجاربفتحها في البنك المركزي في عدن، بينما رفضت سلطة أنصار الله (الحوثيون) ذلك،وأصرت على البنوك أو التجار أن تكون عملية فتح الاعتمادات في البنك المركزي فيصنعاء الخاضع لسيطرتها.
وقالالعزعزي إن "الإعادة" تمثل مشكلة كبيرة للشركات العاملة في هذا المجال خصوصاً في لندن. إذ أثرت الحرببشكل كبير على قطاع التأمين في اليمن وأدت إلى انسحاب شركات إعادة التأمين منالبلاد.
من جانب آخر، يرى توفيق الصلاحي، اختصاصي فيمجال التأمين، أن قطاع التأمين "شديد الحساسية بالمتغيرات من حوله مثل غيرهمن القطاعات الاقتصادية الحيوية، فهو يتأثر سلباً بالأزمات والاشكالات والصراعات وحالاتعدم الاستقرار والأعمال الإرهابية والفوضوية والتمردات المسلحة والحروب".
والأحداثالتي شهدتها اليمن منذ 2015، كان لها آثار سلبية على التنمية الوطنية بشكل عاموالاقتصادية بشكل خاص. إذ كان لهذه الأحداث تأثيراً سلبيا على نشاط التأمين وفقتأكيدات الصلاحي في حديثة لـ"خيوط"، حيث أثرت بانخفاض معدلات النمو للأقساطالمكتتبة منذ 2015.
أقساطباهظة
تتعاملمعظم شركات التأمين الوطنية مع شركات الإعادة العالمية، إذ تظهر البيانات الماليةلشركات التأمين العاملة في اليمن أن إجمالي أقساط إعادة التأمين الصادرة خلالالثلاث سنوات الماضية بلغت نحو 200 مليون دولار، بينما بلغت التعويضات "الغرضمن التأمين" أكثر من 150 مليون دولار، وخلال نفس الفترة وصل إجمالي تعويضاتإعادة التأمين نحو 100 مليون دولار.
وأشارتالبيانات الواردة في تقرير للاتحاد العام للتأمين في اليمن، اطلعت عليه "خيوط"،إلى أن التأمين الصحي هو الأكبر في نسبة التعويضات، حيث تشكل نسبة تعويضات التأمينالصحي مقارنة بإجمالي التعويضات 48%.
فيالسياق، يؤكد الخبير المطلع في سوق التأمين اليمنية حامد اسحاق، امتناع معيديالتأمين من الدرجة الأولى عالمياً من التعامل مع السوق اليمنية خصوصاً منذ مطلعالعام الحالي، الأمر الذي دفع بشركات محلية حسب اسحاق، للتعامل مع معيدي تأمين غيرمصنفين عالمياً.
ويشيرإلى عدم قدرة شركات التأمين على تقديم خدمات تأمينية ذات مستوى رفيع وبأسعار متوسطة،بسبب التنافس القائم في سوق التأمين اليمنية التي تعمل في نطاق تأميني محدودللغاية.
وقالإن "شركات إعادة التأمين طموحٌ حدّتالحرب من وصول شركات التأمين اليمنية إليه"، فقد كان هناك أفكار لدخول شركاتالتأمين اليمنية في مجال الإعادة بالشراكة مع شركات الإعادة الدولية، إذ كانت تقومهذه الشركات بإعادة التأمين لدى شركات إعادة عربية وعالمية، وتسند جزءاً منأعمالها داخلياً وتوزعه بين بعض الشركات بحسب الاتفاق والثقة المتبادلة.
لكنالوضع، بحسب اسحاق، تغير الآن، وأصبحت هذه الشركات تكافح من أجل البقاء في ظلالمخاطر العديدة التي فرضتها الحرب وضيقت الخناق على قطاع التأمين، مع انسدادالأفق وعدم وجود أي مخرج لتوقف الصراع الدائر وإنقاذ الاقتصاد ومختلف قطاعات الأعمالفي البلاد.