غير بعيد من السهل التهامي الممتد إلى نهاية الأفق، تشمخ سلسلة مرتفعات جبال الشرفين ناحية الشمال الشرقي من محافظة حجة، على ارتفاع 2500 كم عن سطح البحر. ومنذ الاستيطان البشري الأول لهذه المرتفعات الخصبة، ارتبط البقاء الوجودي للإنسان -بشكل شبه كلي- على مياه الأمطار الموسمية، إذْ لا تكاد تخلو صلوات المؤمنين وأدعيتهم المأثورة عن أسلافهم من طلب "الغيث" المطر، الذي لا يقتصر مدلوله في الثقافة المحلية على معناه المعجمي، إنما ينصرف إلى معنى الرزق والبركة.
لكن خلال السنوات الأربع الماضية، لم تكن هذه المرتفعات بمنأى عن الاختلالات المناخية التي تشهدها مناطق مختلفة من اليمن، إلا أنها نالت نصيبًا أكثر من غيرها، في عدد حوادث الصواعق الرعدية، التي أخذت تتكرر بشكل لافت، متسببة في سقوط ضحايا وإصابات، كما حدث صيف العام الماضي 2020، بمديريتي الشاهل والمفتاح بمحافظة حجة، عقب مصرع نحو 3 أشخاص، بينهم طفل، خلال أقل من أسبوعين فقط، جراء إصابتهم بصواعق رعدية.
وتكرر الشيء نفسه خلال العام الجاري (2021)، وبشكلٍ أكثر ضراوة من ذي قبل، كان آخرها ما بين 11-16 مايو/ أيار الجاري، حين ضربت صواعق رعدية، أكثر من مرة، مناطق مختلفة بمديرية المفتاح تسببت في إصابة طفلة بحروق، إضافة إلى أضرار مادية بعشرات المنازل وتلف خطوط الهاتف الأرضي وكابلات الكهرباء في بعض المناطق، أخرجت مهمتها عن الخدمة.
بالمقابل، تشهد مختلف المناطق والمدن اليمنية موجة حر شديدة غير معتادة في مثل هذه الأوقات من العام، إذ تشمل المناطق الجبلية والساحلية والتي تشكو كذلك من تزامن ارتفاع درجة الحرارة مع تردٍّ كبير في خدمة الكهرباء، كما هو حاصل في عدن والحديدة وتعز وغيرها، والتي تغرق في الظلام بسبب انقطاع الكهرباء لساعات طويلة في اليوم.
هناك تغيرات مناخية قوية تحدث حاليًّا على المستوى العالمي، ويتصاعد تأثيرها بشكل واضح من يومٍ إلى آخر، كارتفاع حرارة الطقس، وهطول أمطار تتخطى المعدلات الطبيعة في بعض مناطق العالم، في مقابل حدوث جفاف وحرائق غابات في مناطق أخرى
في السياق، يؤكد الخبير والباحث في مجال المناخ والبيئة، جميل الحاج، في تصريح خاص لـ"خيوط"، أن أعراض التغير المناخي في اليمن بدأت بالظهور، منذ قرابة عقد من الآن، تمثلت ملامحها في الارتفاع القياسي لدرجات الحرارة.
إضافة -وفق حديث الحاج- إلى المنخفضات التي تخلف أمطارًا غزيرة جدًّا وسيولًا وفيضانات في بعض المناطق، كما حدث خلال العام الماضي (2020)، إلى جانب الزيادة في حدوث الأعاصير، فمنذ سنة 2010 إلى الآن، ضربت اليمن 6 أعاصير، تركز نطاقها في أرخبيل سقطرى ومحافظات شرق اليمن".
اعتقادات
بالتزامن، شهدت مديرية المحابشة (شمال غربي حجة)، صواعق رعدية في وقت متقارب، تركز أغلبها بمنطقة شمسان، نجم عنها أضرار متفاوتة بعديد من المنازل، وتلف الأجهزة الكهربائية في كثير منها، كما شطر البرق جانبًا من قبة جامع الطيار الأثري، محدثًا أضرارًا في أنحاء من المسجد، مع ذلك لم تُسجل أي إصابة، بحسب مصدر محلي لـ"خيوط".
الاعتقاد المتداول لدى السكان المحليين في تفسير هذه الظاهرة التي لم تكن مألوفة على هذا النحو من الشدة والتوتر، إلا قبل سنوات، يعزى -وفق اجتهاداتهم- إلى انتشار شبكات الهاتف اللاسلكي التي ارتفع عددها خلال العقد الماضي، في المقابل يجتهد الوعاظ الرسميون بشكل مسرف، في تفسير الظاهرة لاعتقادات دينية تؤدي إلى حدوثها، كعقاب على بعض الخطايا التي يرتكبها البشر.
لكن بعيدًا عن تلك الاعتقادات الدينية، يؤكد المجتمع العلمي، والهيئات العالمية المختصة، بما فيها تلك التابعة للأمم المتحدة، أن العالم بأسره يسير نحو مستقبل متجهم من الاختلالات البيئية والمناخية، نتيجة للاحتباس الحراري الناجم عن ارتفاع غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض، والذي تزداد معدلاته سنويًّا بشكل مثير للقلق.
ما الذي يحدث؟
بدأت ملامح الاختلال المناخي تظهر بشكل صارخ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، مع إعصار تشابلا، الذي ضرب جزيرة سقطرى اليمنية في المحيط الهندي وامتد إلى السواحل الجنوبية لبحر العرب، متسبِّبًا في أضرار ودمار في الجزيرة النائية.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2018 ضرب إعصار لوبان 70% من محافظة المهرة وأجزاء من محافظة حضرموت (في أقصى شرق اليمن)، تضررت من جرائه نحو ألفي أسرة بمحافظة المهرة، وأصيب 33 شخصًا، بحسب الأمم المتحدة، مفسحًا المجال لمتوالية من الكوارث الطبيعية في مناطق أخرى من اليمن وصلت ذروتها صيف العام الماضي (2020)، مع هطول سيول جارفة بمعدل لم يسبق حدوثه في اليمن طوال الـ70 سنة الماضية، بحسب مختصين، كما أنها المرة الأولى التي يفيض فيها سد مأرب (الجديد) منذ إنشائه في ديسمبر/ كانون الأول 1986.
في الفترة نفسها، غمرت السيول الغزيرة مساحات واسعة من اليمن، متسببة في كوارث طبيعة في 8 محافظات يمنية، نجم عنها عشرات الضحايا والإصابات، ناهيك عن الأضرار المادية في المساكن والممتلكات والمزارع والمواشي، ولا سيما في مديريات السهل التهامي (الواقعة بين محافظتي الحديدة وحجة) التي كانت الأشقى بكارثة السيول التي استمرت لأيام متواصلة، وسط عجز من قبل السلطة المحلية والهيئات الإغاثية في احتواء الكارثة الإنسانية أو الحد منها.
ويوضح الخبير والباحث في مجال المناخ والبيئة، جميل الحاج، أن هناك تغيرات مناخية قوية تحدث حاليًّا على المستوى العالمي، ويتصاعد تأثيرها بشكل واضح من يومٍ إلى آخر، كارتفاع حرارة الطقس، وهطول أمطار تتخطى المعدلات الطبيعية في بعض مناطق العالم، في مقابل حدوث جفاف وحرائق غابات في مناطق أخرى، إضافة إلى حدوث أعاصير ومنخفضات جوية في المحيطات الاستوائية، بلغت قوة بعضها مستويات مدمِّرة".
ويتوقع الحاج أن يشهد اليمن خلال الصيف المقبل (2021)، أمطارًا أكثر من المعدلات الطبيعية (المألوفة)، نظرًا للتغيرات الحاصلة في المناخ. بالتالي من الممكن جدًّا أن يؤدي ذلك إلى كوارث طبيعية في مناطق من اليمن، على غرار ما حدث خلال العام الفارط، وعلى الجميع أن يستعد.