أكتوبر في ذكراها 61

شرارة بالغة القيمة أفضت إلى الاستقلال
خيوط
October 14, 2024

أكتوبر في ذكراها 61

شرارة بالغة القيمة أفضت إلى الاستقلال
خيوط
October 14, 2024
.

تهل علينا الذكرى الحادية والستون لثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963 واليمن يعيش وضعًا استثنائيًّا صعبًا، يجعل من الحديث عن الثورة بصفتها واحدة من الأحداث التأسيسية الكبرى في تاريخ اليمن المعاصر، ضربًا من الحنين الرومانسي الذي يكثر التقليل من شأنه بفعل انقسام سياسي مريع وانحدار الإحساس بالأثر الذي أحدثته هذه الثورة. ومع ذلك، ستبقى أكتوبر عنوانًا صريحًا لبعضٍ من نضال اليمنيين في سبيل تحرير جزء من جغرافيتهم من احتلال بريطاني جثم على ترابها قرابة 128 عامًا، مستفيدًا من موقعها الحيوي الذي ربط شرق الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس طيلة عقود طويلة بغربها، وموظفًا مواردها المختلفة في خدمة اقتصاده الاستعماري ونزوعه التوسعي.

واحد وستون عامًا مرت منذ انطلقت أولى رصاصات أكتوبر وسقوط أول شهدائها في جبال ردفان، حينما كان رجالها يتصدون لحملة بريطانية مجهزة بالعتاد لملاحقة الثوّار العائدين من جبال المحابشة بحَجّة في الشمال اليمني، حيث كانوا يقاتلون القوات الملكية دفاعًا عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962.

تلك الشرارة بالغة القيمة راكمت عليها القوى الوطنية اليمنية، لتتحول إلى كفاح مسلح لطرد المستعمر، في ظل تحولات كبيرة في المنطقة، وكان الاستقلال الناجز في الثلاثين من نوفمبر 1967، ردًّا كبيرًا على حدثين سلبيين في اليمن والمنطقة عمومًا، تمثّل الأول بنكسة حزيران/ يونيو، حينما خسرت الجيوش العربية معركتها مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في ستة أيام فقط، وخسرت الكثير من الأراضي في الضفة والجولان وسيناء، ولم تزل تداعياتها حاضرة في الذاكرة السياسية حتى اليوم، مع تمادي وصلف جيش الاحتلال في عملياته الوحشية وحرب الإبادة التي يشنها في غزة والضفة وجنوب لبنان والعاصمة بيروت وبعض المناطق السورية. أما الثاني فكان ردًّا بليغًا على الخامس من نوفمبر 1967، حينما تم الانقلاب الأول على الجمهورية في صنعاء بصعود القوى التقليدية إلى واجهة الحكم بإسناد مباشر من جهات معادية لثورة سبتمبر والنظام الجمهوري، وسعي هذه القوى إلى إفراغ النظام الجمهوري من مضامينه التقدمية.

بين أول طلقة في جبال ردفان وإعلان الاستقلال، جرت مياه كثيرة في مجرى الثورة، انتصرت فيها إرادات المقاومة بكفاحها المسلح، على سواها من التوجهات، وخصوصًا السياسية التي كانت تميل إلى انتزاع الاستقلال بأدوات الدبلوماسية والتفاوض. وفي هذه الرحلة العظيمة، سقط عشرات الشهداء في طريق الاستقلال من سلطة استعمارية لم يخفِ زخرفُها طابَعها المتوحش في الاستغلال والتنكيل. 

ثورة أكتوبر وعبر السلطة الوليدة (الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل)، أعادت توحيد الخارطة المشتتة في أكثر من عشرين كيانًا (سلطنات وإمارات ومشيخات قبَلية) من المهرة شرقًا إلى باب المندب غربًا، عمل الاستعمار البريطاني على تكريسها كواقع تجزيئي، كان من الصعب تجميعها بغير سلطة قوية، وهي ما كانته سلطة الثورة بنزوعها الوطني الجامح.

وخلال 23 عامًا، عمدت سلطة ثورة أكتوبر بكل محطاتها (بما فيها محطات الإزاحة الخشنة والتقاتل) من بناء دولة قوية أولَت المجتمعَ وشرائحه الضعيفة اهتمامًا خاصًّا في جوانب التعليم والتطبيب التي كانت محتكرة في فترة الاحتلال، لدى الشريحة القريبة من السلطة الاستعمارية. السلطة الجديدة أدارت الاقتصاد بأدوات شمولية تنتهج الرؤية الاشتراكية مسارًا وحيدًا للمعالجة، كان فيه القطاع العام وقطاع الدولة هو الفاعل الرئيس والناظم لإيقاعها، غير أن التكلس الذي أصاب قطاع الاقتصاد، وشمولية السياسية، والقبضة الأمنية، ومحطات التنازع بين أجنحة الحكم وفصائله، أدّت، في ذروة الحرب الباردة، أدورًا منهِكة لمشروع الدولة، التي كانت محاطة بخصوم كثيرين يتبارون مديدًا في تجريمها، ويغذّون الصراعات البينية بين مكوناتها.

قبل عامين قلنا في "خيوط"، وسنبقى نكرر هذا القول: 

"استذكار ثورة أكتوبر في هذا المقام واجبٌ أخلاقيّ رفيع، حتى لا تأخذنا حمى التصدعات، إلى هوة سحيقة، بعيدًا عن فكرة الانتماء لوطنٍ عمِلَت الأهواءُ السياسية ومشاريع التفكيك الصغيرة في تحويله إلى هُويات مجزّأة مشبعة بالكراهية المجَّانية، خدمةً لمشاريع تفكيكية أكبر، ووجد رعاة هذه المشاريع في الأدوات الداخلية السهلة والرخيصة مبتغاهم، حتى وهي تعمل تحت شعارات مراوِغة، لتخدير العامة بوعود لا يمكن أن تتحقق بالارتهان السياسي الذي كثيرًا ما رفضته ثورة أكتوبر بوعودها البسيطة والقريبة من الناس".

التحية لذكرى أكتوبر وتضحيات شهدائها.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English