حوار: أحمد الأغبري
يُعدّ الدكتور أحمد الصيّاد، سفير اليمن السابق لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) المدير العام المساعد الأسبق للمنظمة، أحد أهم الشخصيات السياسية والدبلوماسية اليمنية المثيرة للجدل؛ فخلال عمله سفيرًا لليمن في المنظمة، التزم موقفًا واضحًا من الحرب، معلنًا رفضه لما يرتكبه "التحالف العربي" بقيادة السعودية والإمارات من جرائم في اليمن، مطالبًا بتوثيقها باعتبارها جرائم حرب.
يتحدث الصياد لـ"خيوط"، في هذه المقابلة، عما بذله من جهود لرفض الضغط المالي الذي كانت تمارسه السعودية على المنظمة الدولية بشأن اليمن، متوقفًا عند دور مؤسسة "مسك" التابعة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ لدرجة يقول الدكتور الصيّاد، هنا، إن قرار إبعاده من اليونسكو كان قرارًا سعوديًّا، وقبل ذلك ظل يعمل بدون راتب لأكثر من أربع سنوات.
أحمد الصيّاد، المقيم في باريس، علاوة على كونه دبلوماسياً، هو باحث وأديب صدر له عددٌ من الكُتب، آخرها رواية "درويش صنعاء"، التي وثقت شهادته إزاء معركة فك حصار السبعين يومًا، وما شهدته ثورة 26 سبتمبر 1962، من تحديات عقب تلك المعركة المصيرية.
في هذه المقابلة أثرنا الكثير من الأسئلة المتعلقة بعمل المنظمة الدولية خلال سنوات الحرب، وموقفها مما تعرضت وتتعرض له المعالم الأثرية والمدن التاريخية اليمنية المدرجة في قائمة التراث العالمي، والتحديات التي يواجهها التراث الثقافي اليمني منذ اليوم الأول لهذه الحرب... وغير ذلك من المحاور؛
المساءلة عن الجرائم
* بصفتكم عملتم مندوبًا لليمن في منظمة اليونسكو خلال أكثر من أربع سنوات من الحرب الراهنة؛ هل أدّت المنظمة ما يفترض أن تؤديه إزاء التراث الثقافي في اليمن، من وجهة نظركم؟
- كما تعرف أن اليونسكو أُسست في أعقاب الحرب العالمية الثانية لمواجهة آثار هذه الحرب المدمرة، التي ألحقت أضرارًا كبيرة، ودمّرت الكثير من دول العالم. وقد جاء في مطلع ديباجة الميثاق التأسيسي للمنظمة عبارة في غاية الروعة والحكمة نرددها إلى اليوم، ويستشهد بها بعض القادة العارفين ورجال الفكر والثقافة في مطلع مداخلاتهم وخطبهم، وهي تقول: "لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام". وانطلاقًا من ذلك فإن اليونسكو أتت لمواجهة آثار الحرب والدمار، عن طريق التربية والثقافة وتبادل العلم والمعرفة، فهي منظمة معادية للحرب ولا تستطيع العمل إلا عندما يسود الأمن والسلام، أكان ذلك على المستويات الوطنية والإقليمية، أو الدولية. وقد جرت العادة أنه عند سماع أول طلقة أو نشوب المواجهة العسكرية في أي بلد، تقوم كل منظمات الأمم المتحدة بترحيل موظفيها إلى البلدان القريبة التي تنعم بالأمن والسلام.
لكن السلطة المعنوية لليونسكو تظل قائمة حتى مع نشوب الحرب، وهذه السلطة تنحصر في حث جميع الأطراف المتصارعة على السلام واتباع الحوار لحل مشاكلها. وتطالبها بعدم التعرض للتراث والمعالم الثقافية والمدن التاريخية، وخاصة تلك المسجلة في قائمة التراث العالمي.
حاولت مؤسسة "مسك" التابعة لولي العهد السعودي أن تغدق على اليونسكو بالأموال، لكي تثنيها عن القيام بواجبها. وقد نبهت لهذا النشاط عندما كنت سفيرًا ، وحذرت هيئات اليونسكو من الدور الذي تقوم به مؤسسة "مسك" ليس في اليونسكو فحسب، بل وفي عدد من الدول
وهذا ما تم بالنسبة لليمن منذ اليوم الأول لهذه الحرب العبثية. فقد طالبت اليونسكو رسميًّا، التحالف الذي تقوده السعودية، بعدم التعرض للمواقع والمدن التاريخية، بل وزودتها بخرائط تبين أين تقع هذه المواقع. كما حثّت الحوثيين [ جماعة أنصار الله]، على عدم استخدام المدارس والمواقع الأثرية لأغراض عسكرية.
ولكن للأسف، أقدم "التحالف العربي" على تدمير عدد من المواقع والآثار وقصف المتاحف والمدارس وقتل عدداً لا يستهان به من الطلاب، وهم في طريقهم إلى مدارسهم ومعاهدهم. بل إن صنعاء القديمة، الذي وصفها مدير سابق لليونسكو بأنها "جوهرة الجزيرة والخليج"، لم تسلم من القصف السعودي، حتى القصر الجمهوري، الذي يمثل تحفة معمارية متميزة، دُمِّر عمدًا من قِبل هذا التحالف، الذي يسعى جاهدًا إلى تدمير المعالم الثقافية والتاريخية والعمل على طمسها. وهذه جرائم بحق التراث، لا بد أن تتعرض دول "التحالف العربي" للمساءلة عنها وعن الجرائم التي ارتكبتها في حق البلاد والعباد.
واليونسكو لا يمكن لها أن ترضخ للمال السعودي إلا إذا تخلّت عن الرسالة الإنسانية التي وجدت من أجلها، وهذا في اعتقادي بعيد المنال.
حماية التراث
* تحديدًا، ما الذي يمكن للمنظمة وفق أنظمتها أن تقوم به لحماية التراث الثقافي لبلد خلال الحرب؟ أقصد أقصى ما يمكن لها أن تقوم به؟
- اليونسكو تقوم بواجبها بأجلى صورة، على الرغم من الضغط المالي الذي تمارسه السعودية، ليس على اليونسكو فحسب، بل ومنظومة الأمم المتحدة بشكل عام. وقد أصدرت اليونسكو عددًا من البيانات الرسمية تندد بالدمار الذي لحق بآثار اليمن ومواقعه. هذه هي السلطة المعنوية للمنظمة، أما في الجانب المادي فقد حصلت اليونسكو على دعم الاتحاد الأوروبي لإعادة ترميم وصيانة بعض المنازل التي دمرت في صنعاء القديمة نتيجة للقصف العسكري أو بسبب الأمطار والسيول التي ضربت اليمن مؤخرًا. وكما أكدت مديرة مكتب اليونسكو في الدوحة، أنها بصدد القيام بأعمال الترميم والصيانة، ولكن الناحية الأمنية ضرورية في كل المدن والمواقع اليمنية المتضررة.
* هل كانت بيانات ولهجة المنظمة مع أطراف الحرب بمستوى جرائمهم، بما في ذلك "التحالف العربي" الذي يتحمل مسؤولية كبيرة عن الأضرار التي لحقت بالتراث الثقافي جراء استهدافه المباشر بالقصف الصاروخي للمعالم والمواقع الأثرية والمدن التاريخية؟
- الواقع أن اللغة التي تستخدمها اليونسكو هي نفس اللغة المتبعة في الأمم المتحدة وكل منظماتها المتخصصة. إذا أجبتك على المستوى الشخصي أقول إن المفردات المعتمدة في البيانات غير كافية وهزيلة أحيانًا. ولكن إذا أجبتك كموظف دولي سابق، أقول إن المفردات المستخدمة للتنديد بالدمار الذي لحق بالآثار اليمنية هي نفس اللغة ونفس المفردات المستخدمة في ما يخص الدمار والعبث الذي يحل في مختلف دول العالم.
لقد حاولت مؤسسة "مسك" التابعة لولي العهد السعودي [محمد بن سلمان] أن تغدق على اليونسكو بالأموال، لكي تثنيها عن القيام بواجبها. وقد نبهتُ لهذا النشاط عندما كنت سفيرًا ، وحذرت هيئات اليونسكو من الدور الذي تقوم به مؤسسة "مسك" ليس في اليونسكو فحسب، بل وفي عدد من الدول. وأنا سعيد جدًّا، أن ما نبهت من مخاطره قبل ثلاثة أعوام أصبح الآن حقيقة، حيث أرسلت هذه المنظمة أو المؤسسة التي تتستر بالعمل الإنساني، عددًا من عملائها بهدف متابعة وقتل بعض وجوه المعارضة السعودية في كندا وبريطانيا وحتى داخل أمريكا.
وقد رفع سعد الجبري قضية أمام المحاكم الأمريكية ضد "مسك" التي أرسلت عملاءها لقتله، وبعد أن اتضح هدف هذه المؤسسة التي تملك الكثير من الأموال، أعلن النظام السعودي أنه يقوم الآن بإعادة النظر في أنشطة "مسك"، وأن هنالك فساد مالي في إدارتها.
المتاجرة بالآثار اليمنية
* هل تدخلت المنظمة بإصدار مخاطبات بمنع المتاجرة بالآثار اليمينة بما يمنع أسواق الفن في أوروبا وأمريكا من عرض وبيع الآثار اليمنية كما حصل مع الآثار العراقية، أم أن المسؤولية تتعلق بالبلد نفسه؟
- الواقع أن بلادنا لم تكن مصادقة على اتفاقية اليونسكو لعام 1970، الخاصة بحفر ومنع استيراد وتصدير الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، وبما أنها غير مصادقة عليها فلا يمكن المطالبة بآثارها المنهوبة أو المسروقة.
وعلى الرغم من مطالبتي المتكررة بضرورة المصادقة على هذه الاتفاقية الهامة، فإن أحدًا لم يسمعني، ومن حسن الحظ أن الخارجية الأمريكية أخبرت بعض العاملين في السفارة اليمنية بواشنطن، أن المصادقة على الاتفاقية هي الخطوة الأولى للمطالبة بالآثار المنهوبة. وفي الأخير صادق الرئيس [المعترف به دولياً] على الاتفاقية، وقمت نيابةً عن الحكومة اليمنية [المعترف بها دولياً]، بالتوقيع على ملحقات الاتفاقية في اليونسكو في يونيو/ حزيران 2019. وأصبح اليوم من حقنا المطالبة بالآثار المنهوبة أو المسروقة، وقد كان هذا آخر عمل أنجزته في اليونسكو قبل مغادرتي الوفد الدائم.
كانت لديّ الكثير من المعطيات تشير وتؤكد أن هذه الحرب التي تقودها السعودية، تهدف إلى تدمير حضارة شعب وأمجاد أمة، وتعمل على تجزئة الوطن، وتؤسس لها موطئ قدم في عدد من المواقع والجزر الاستراتيجية اليمنية، وتعمل على خلق كيانات جغرافية متناحرة تحلّ محل الدولة الوطنية القوية والندية
اليمن والعراق
* لو قارنا ما قامت به المنظمة تجاه التراث الثقافي في اليمن، وفي العراق خلال الحرب؛ هل ثمّة تفاوت؟
- لا أعتقد أن هناك تفاوت من قبل اليونسكو، التفاوت يكمن في أن العراق مصادق على اتفاقية 1970، منذ فترة طويلة، إضافة إلى أن آثار العراق كانت محددة ومحصورة ومرقمة وأحيانًا مصورة.
وبالتالي كان من السهل معرفة وتتبع إلى أين خرجت وأين توجد، ومن شأن ذلك أن يسهل مطالبة الحكومة العراقية ومعها اليونسكو، باستعادة هذه الآثار المنهوبة، ولا تزال الجهود متواصلة حتى يومنا.
أما القطع اليمينة فلم تكن محصورة ولا مرقمة أو مصورة إلا ما ندر. غير أنه يمكن للعلماء والمختصين في مجال الآثار والمتاحف التعرف عليها ومعرفة كيف خرجت وأين توجد. وللأسف لا توجد لدينا اليوم حكومة مسؤولة، وكل جهة تعمل على هواها، ولذلك أمامنا مرحلة طويلة من أجل استعادة آثارنا المنهوبة.
الانقسام
* تسببت الحرب في وجود هيئتين للمدن التاريخية ولجنتين وطنيتين لليونسكو في صنعاء وعدن؛ كيف تعاملتم وتعاملت المنظمة مع هذه الثنائية خلال عملكم سفيرًا لليمن؟
- نعم هذا وضع غير طبيعي للأسف، واليونسكو تعمل في إطار منظمة الأمم المتحدة التي تعترف بشرعية واحدة، لكني عندما كنت مندوبًا دائمًا، أعلمت الهيئتين واللجنتين أن الجميع يعمل في الحقل التربوي والثقافي، وأن المحافظة على التراث والمدن هي مهمة الجميع. وطلبت من مكاتب اليونسكو، وخاصة في بيروت والدوحة، أن تقبل المندوبين، وتدعو الهيئتين للمشاركة في الندوات وورش العمل، وقد نجحنا في ذلك، ولم يحدث أي خلاف سياسي، بل تعززت الروابط بينهم وتبادلوا المعلومات في أكثر من حقل.
وهذه تجربة جديدة قمت بها، وكنت على أتم الاستعداد لمواجهة تبعاتها، والواقع أني لم أتلق أي عتاب من أي حكومة أو أي جهة؛ لأن الجميع أدرك أن ما نعمل من أجله هو اليمن بمتاحفه ومدنه وآثاره، وكنت أقول للجميع إن السياسات تتغير والحكومات تزول، أما التراث والمدن والمعالم، فهي باقية إلى أبد الآبدين.
ضغوط
* من خلال متابعة أحاديثكم لوسائل الإعلام، لاحظت مدى حرصكم الشديد على التزام موقف واضح ورافض للحرب لدرجة كنت تهاجم أطرافًا بعينها؛ هل عرّضكم ذلك لضغوط من قبل الحكومة [المعترف بها دولياً] مثلًا؟
- في اعتقادي أن أي يمنيّ يعمل من أجل بلاده وشعبه لا بد أن يعارض هذه الحرب العبثية ماضيًّا وحاضرًا ومستقبلًا.
وقد كانت لدي الكثير من المعطيات تشير وتؤكد أن هذه الحرب التي تقودها السعودية، تهدف إلى تدمير حضارة شعب وأمجاد أمة، وتعمل على تجزئة الوطن، وتؤسس لها موطئ قدم في عدد من المواقع والجزر الاستراتيجية اليمنية، وتعمل جاهدة على خلق كيانات جغرافية متناحرة، وإحلال هذه الكيانات المتناحرة محل الدولة الوطنية القوية والندية.
ولهذا كنت أحرص ولا زلت، في مقابلاتي الإعلامية، أن أسمّي الأشياء بمسمّياتها، وأستطيع أن أقول لك اليوم إني لم أتلق أي لوم أو عتاب من السلطة الشرعية [المعترف بها دولياً]، بل إن بعض أقطابها كان راضيًا عما أقوله؛ لأن الوزير أو المسؤول المقيم في الرياض لا يستطيع أن يقول، لكن النظام السعودي وعن طريق سفيره في اليمن محمد آل جابر، اعتبرني علنًا عدوهم، وأن وجودي يمثل مخاطر عليهم في المحافل الدولية، وعلى وجه الخصوص في اليونسكو. ولهذا كان قرار إبعادي من اليونسكو قرارًا سعوديًّا وليس يمنيًّا. وقد اتُّخِذ هذا القرار في الوقت الذي كان فيه رئيس الجمهورية في أمريكا بين الحياة والموت، وقد نفذت حاشيته الموجودة في مكتبه في الرياض ما طلبه علنًا محمد آل جابر، على الرغم من أني كنت أقوم بعملي بدون راتب، ولمدة أربع سنوات، وهذا الإجراء غير مهم بالنسبة لي، ولن يغير من مواقفي قيد أنملة.
وتسميتي للأشياء بأسمائها ينطبق أيضًا على الحركة الحوثية [جماعة أنصار الله] التي تسعى جاهدة إلى التمييز بين أبناء الشعب الواحد والوطن الواحد، معتقدة أن هناك قوم قد خصّهم الله بصفات لا توجد في سواهم. وهذا الوهم يحتم على أبناء اليمن من مشرقه إلى مغربه، ومن شماله إلى جنوبه، أن يرفعوا إلى عنان السماء مُثُل وأهداف سبتمبر وأكتوبر، التي وضعت حدًّا لمثل هذه الأوهام، وأعلنت المساواة بين أبناء الشعب الواحد والوطن الواحد.
أضرار الحرب
* ماذا قدمت منظمة اليونسكو للمعالم والمدن والمواقع التي تضررت في اليمن خلال الحرب، سواءً بفعل الاستهداف المباشر وغير المباشر أو جراء الكوارث الطبيعية؟
- اليمن ينتمي في اليونسكو إلى قائمة الدول الأقل نموًّا، وهذا يعطيه أولوية في برامج اليونسكو وأنشطتها في المجال التربوي والثقافي والعلمي.
كما أن الكثير من الدول المانحة على أتم الاستعداد لتقديم الدعم والمساعدة في مجالات اختصاص اليونسكو، ولكن كل ذلك مرتبط بوقف آلة الحرب والدمار، حيث يصعب البناء وآلة الدمار تحلق في السماء.
وكما أوضحت، هناك مبالغ مالية موجودة لصالح اليمن من قبل الاتحاد الأوروبي وبعض الدول المانحة، ومكتبا اليونسكو في الدوحة وبيروت يسعيان لتنفيذ عدد من الأنشطة في المجال الثقافي والتربوي، لكن الحصار الجائر على اليمن والأوضاع الأمنية تعيق تنفيذ الكثير من الأنشطة.
كثيرة هي الدول التي تتجنب إلحاق الضرر بمعالم التراث، أما في اليمن، فهناك شعور أن هذه الحرب ممنهجة، وتسعى إلى إلحاق الضرر بكثير من المواقع التراثية
قائمة التراث العالمي
* انتقالًا للمدن اليمنية المسجلة في قائمة التراث العالمي، التي صارت جميعها في قائمة التراث المهدد بالخطر؛ هل تتابع المنظمة ما تتعرض له هذه المدن خلال الحرب؟
- نعم؛ اليونسكو تتابع بشكل دائم ما حلّ بهذه المعالم، وهناك تقارير دورية تصل إلى المنظمة، وإلى مركز التراث العالمي التابع لها عن كل الأضرار التي لحقت بهذه المدن.
وهناك عدد من الأشخاص العاملين في هيئات المدن [التاريخية] أصبحت لديهم خبرة متميزة في إعداد التقارير الدورية حسب المعايير الدولية، ولا يسعني إلا أن أتقدم لهم بجزيل الشكر والعرفان على جهودهم الرائعة، خاصة وهم يؤدّون عملهم في ظل أوضاع بالغة الصعوبة والتعقيد.
التزامات
* هل ثمة التزامات تتحملها المنظمة إزاء المساهمة في حماية وترميم هذه المدن التاريخية التي تتعرض جميعها لمخاطر عديدة؟
- نعم هناك التزامات أخلاقية في المقام الأول، لكن الالتزامات الأساسية تقع على كاهل الدول الأعضاء التي تتعرض مدنها وآثارها للمخاطر دون أن تحرك ساكنًا. واليمن لا يقوم للأسف بواجبه في حماية مدنه وآثاره. الثقافة والتراث بشقيه المادي واللامادي لا يحتل إلا أهمية ثانوية في ميزانية الدول، وخاصة النامية منها كما هو الوضع في اليمن اليوم.
* هل تشطب اليونسكو مدنًا من قائمة التراث العالمي، أم يقتصر الأمر على إنزالها لقائمة المواقع المهددة بالخطر؟
- اليونسكو تتبع إجراءات طويلة ومعقدة فيما يخص المواقع المصنفة كتراث عالمي. إدراج المواقع أو المدينة يخضع لإجراءات فنية وجغرافية وتاريخية وقانونية وأيضًا جمالية. وهناك عدد من الدول فشلت أكثر من مرة في تسجيل مواقعها على قائمة التراث العالمي؛ لأن الملفات المقدمة ينقصها الجانب القانوني، أو تحديد الحيز الجغرافي وغير ذلك. وعندما يسجل الموقع، فإنه لا يُنقل إلى قائمة التراث المهدد بالخطر، إلا عندما يتعرض لمخاطر تهدد ديمومته ورمزيته.
وهنا تطلب اليونسكو من الدولة العضو، اتخاذ الإجراءات الكفيلة بوضع حد للمخاطر الذي تهدد هذا التراث، وإذا لم تقم الدولة بواجبها فإن المرحلة الأخيرة هي إسقاط الموقع من قائمة التراث العالمي بقرار تتخذه لجنة التراث العالمي في اليونسكو.
التهديدات
* من خلال تجربتك الطويلة مع هذه المنظمة الدولية؛ كيف تنظر للتهديدات التي يتعرض لها التراث الثقافي اليمني جراء الحرب، مقارنة بما يتعرض له التراث في بلدان أخرى شهدت حرباً؟
- عند نشوب الحروب والمواجهات العسكرية، تقدم اليونسكو للجهات المتصارعة معلومات متكاملة عن مواقع التراث الثقافي الذي يجب عدم التعرض له. وكثيرة هي الدول التي تتجنب إلحاق الضرر بمعالم التراث. أما في اليمن، فهناك شعور أن هذه الحرب ممنهجة، وتسعى إلى إلحاق الضرر بكثير من المواقع التراثية.
ولهذا أقدم التحالف السعودي الإماراتي، على قصف السدود القديمة والمدن التاريخية والمتاحف والجامعات والجسور وكل البنى التحتية، بل واستهدف حافلات نقل الطلاب إلى مدارسهم، وهذه جرائم يعاقب عليها القانون الدولي.
وأنا أدعو منظمات المجتمع المدني إلى توثيق هذه المخالفات لكي يحاكم من ارتكبها أيًّا كان. هذه جرائم حرب لا تنتهي بالتقادم ولا يمكن لها أن تموت.
درويش صنعاء
* نختم هذا الحوار بالتوقف عند تجربتكم في الكتابة، ماذا بعد رواية "درويش صنعاء" على صعيد علاقتكم بالكتابة السردية؟
- الواقع أن كتاباتي تنطلق -كما اطلعت على بعضها- من حدث سياسي معين، وسرده بشكل مبسط وقابل للفهم لدى القارئ، وخاصة الشباب منهم الذين لم يعايشوا ذلك الحدث. و"درويش صنعاء" التي اطّلعت أنت عليها وكتبت عنها، تتناول ملحمة حصار السبعين يومًا، وكيف تمكّن الصف الجمهوري المؤمن بعدالة قضيته من دحر القوات الملكية المدعومة من السعودية، والتي أطبقت الحصار على عاصمة اليمن، لكنها عجزت عن إسقاطها نتيجة صمود القوات الجمهورية بكل مكوناتها وتوجهاتها.
أما كتابي الآخر "اليمن وفصول الجحيم"، فهو يتحدث عن أحداث 13 يناير في جنوب الوطن، وكيف تحول الرفاق الذين وحدتهم الآمال والأحلام إلى أعداء، وتخلوا عن الفضاء الوطني والقومي والأممي الذي حَلقوا فيه طويلًا، وعادوا إلى القرية والمنطقة التي قضت على التجربة والنظام. وقد كتب عن هذا العمل الدكتور عبدالعزيز المقالح -أطال الله عمره- وعددٌ من الكتاب العرب منهم كاتب ومثقف سعودي نشر عنه في جريدة الحياة تحت عنوان ظريف "جحيم اليمن وفردوس الصياد".
أما "آخر القرامطة"، فقد تحدثت فيه عن زميلي ورفيق دربي الشهيد جار الله عمر، وأصدرته في الذكرى الأولى لرحيله، وفيه أسرد بلغة بسيطة ومفهومة للحوار الذي تم في الآخرة بين القادم الجديد من حياة الدنيا مع رفاقه الذين سبقوه، وهم المناضل عبدالفتاح إسماعيل وسالمين وعلي عنتر وصالح مصلح، وكيف كانت ردود أفعالهم عندما أخبرهم جار الله أن اليمن قد توحّد وأصبح لنا نشيد وطني واحد وعَلَم واحد، وأن جدار برلين قد سقط وتوحدت ألمانيا، وغيرها من الأحداث التي تمت بعد رحيلهم.
ومن حسن الحظ أن هذا الكتاب قد وُزع في اليمن، ونفدت طبعته الأولى خلال عدة أيام. أما ما أنجزته بعد "درويش صنعاء" فهو كتاب عن اليونسكو، تحت عنوان "اليونسكو كما شرحتها لدبلوماسي شاب"، وسوف يصدر قريبًا بثلاث لغات: العربية، الإنجليزية والفرنسية.