قبل حلول جائحة كورونا كانت الحرب المستمرة في اليمن، منذ أكثر من خمس سنوات، قد خلَّفت أوضاعًا معيشية وصحيّة متردية للغاية، وبات معظم السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
سجل اليمن أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم؛ فمنذ نهاية العام 2018، أنقذت الجهات العاملة في المجال الإنساني في اليمن "ملايين الأرواح"، إذ عملت الوكالات الإغاثية على إدارة "واحدة من أسرع وأكبر عمليات توسيع نطاق المساعدات المقدمة في التاريخ الحديث، حيث وصلت إلى عدد غير مسبوق: 14 مليون شخص شهريًّا".
ومن أجل ضمان عدم تدهور الأوضاع إلى ما هو أسوأ، كانت وكالات الإغاثة قدرت أن التمويل المطلوب للمساعدات الإنسانية لليمن، تبلغ 2,41 مليار، وهو ما تعهد بتقديمه المانحون، وفي مقدمتهم دول الخليج والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، فيما جاءت جائحة كورونا لتفاقِم هذه الأزمة، بعد تأثر برامج المساعدات. ففي 2 يونيو/ حزيران 2020، استضافت الأمم المتحدة والسعودية مؤتمر المانحين الافتراضي لمساعدة اليمن، وتعهدت 31 جهة مانحة بتقديم 1,35 مليار دولار للمساعدات الإنسانية. وتعليقًا على ذلك، تحدّث مارك لوكوك قائلًا: «هذا فقط حوالي نصف ما تم التعهد به العام الماضي، وهو أيضًا أقل بكثير مما نحتاجه لمواصلة عمل البرامج الإنسانية، وتعهدات منطقة الخليج المخفضة تشكل بصورة أساسية جميع التخفيضات». علمًا بأن الجائحة تُعد قوة قاهرة، وفقًا لتصنيف دول هذه المنطقة، التي قدمت سلسلة من إجراءات الدعم المالي لحماية مواطنيها، من تأثير التداعيات الاقتصادية للجائحة.
فالتهديد الذي تشكله الجوائح، من قبيل فيروس (كوفيد 19)، هو تهديد شديد بصفة خاصة في هذا البلد، الذي يشهد أكبر حالة طوارئ في العالم، فثمة أكثر من 12 مليون طفل كانوا بحاجة لمساعدات إنسانية في اليمن قبل وقوع الجائحة. ويصارع البلد أيضًا انعدام الأمن الغذائي، وأزمة اقتصادية، بينما ستكون التداعيات الاقتصادية بالنسبة لليمن، أكثر جسامة من المرض نفسه، "كما أن أكبر نسبة من اليمنيين يعتمدون على الدخل اليومي، ولذلك فإن العزل وحظر التجوال يؤثر على هذه الفئة بشكلٍ كبير، وينعكس سلبًا على الوضع الاقتصادي في البلد". يضاف إلى كل هذا تأثير "تراجع تحويلات المغتربين اليمنيين، والخسائر في قطاعات السياحة والخدمات المرتبطة بها"، التي تسهم في تعميق الأزمة الاقتصادية، "فتفشي وباء كورونا سيشكل تحديًا كبيرًا للدول الهشة، ومنها اليمن، في ظل نظام صحي ضعيف وغير قادر على تلبية متطلبات الأزمة، ومن المتوقع أن يؤدي انخفاض الواردات، بسبب الاضطرابات في التجارة العالمية، إلى نقص في الإمدادات الطبية والسلع الأخرى، وهو ما يساهم في زيادة الأسعار بشكلٍ كبير. "فهل تدفع جائحة كورونا المجتمع الدولي إلى التخلي عن اليمن؟"
تحذيرات أممية من تراجع المانحين
إن جائحة كورونا، باعتبارها وصفة مثالية، من شأنها أن تدمر مكاسب الأمن الغذائي التي تم تحقيقها بشق الأنفس في اليمن خلال السنين الماضية. في هذا السياق يقول لوكوك: «لم نشهد من قبل في اليمن وضعًا تتداخل فيه مثل هذه الأزمة الاقتصادية المحلية الحادة مع انخفاض حاد في التحويلات، وتخفيضات كبيرة لدعم المانحين للمساعدات الإنسانية، وهذا بالطبع يحدث وسط جائحة مدمرة»، حيث تدهورت قيمة الريال اليمني بسرعة، وبلغت قيمة التداول 620 ريال أمام الدولار في الشمال، و750 ريال أمام الدولار في الجنوب، وارتفعت أسعار السلع بنسبة 10-20 في المئة. وإذا لم يقدّم المانحون المساعدات المالية اللازمة لدرء الكارثة في الدولة التي تعاني ويلات الحرب والفقر والأمراض، فـ«ستضيف جائحة كورونا طبقة أخرى من البؤس على العديد من الطبقات الأخرى»، موضحًا أنه بسبب ذلك، توقفت مدفوعات الحوافز لعشرة آلاف من العاملين الصحيين الذين لم يتلقوا رواتبهم أصلًا، وأن خدمات الماء والصرف الصحي لأربعة ملايين شخص ستتوقف في غضون أسابيع، ولن يحصل نحو خمسة ملايين طفل على التطعيم. وبدءًا من أغسطس/ آب 2020، توقفت برامج معالجة سوء التغذية، وأيضًا برنامج الصحة الموسع، الذي يخدم 19 مليون شخص.
كما حذّرت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة ليز غراندي، من أنّ نقص التمويل بدأ يتسبب بإغلاق أو تقليص برامج المنظمة الأممية في البلد الغارق بالحرب، ما يهدد ملايين السكان بالموت، وقالت «إنّ نصف برامج الأمم المتحدة الرئيسية في اليمن تأثرت جرّاء نقص التمويل، وقد تم بالفعل الإغلاق أو التقليص لـ12 من برامج الأمم المتحدة الرئيسية الـ38»، بينما يواجه 20 برنامجًا آخر المصير ذاته، وإذا لم يتوفر التمويل "بصورة عاجلة" خلال الأسابيع القادمة، سيتم قطع 50 بالمئة من خدمات المياه والصرف الصحي، وستتوقف الأدوية والمستلزمات الضرورية عن 189 مستشفى، ومن المحتمل أن "يموت آلاف الأطفال ممن يعانون من سوء التغذية والمرض"، كما أنّه من المحتمل "أن يتم إغلاق 70 بالمئة على الأقل من المدارس، وفي السياق ذاته قال لوكوك: «لم يتم دفع الكثير من التعهدات التي تقدم بها المانحون، ولا نرى أي سبب منطقي للتأخير»، مشيرًا إلى أن الوعود لا تنقذ الأرواح، «فقط عندما تنفذون ما وعدتم به، فإنكم تنقذون طفلًا»، فالوضع في اليمن فظيع، وثمّة حاجة ماسة لتقليص الضغط الإضافي الناجم عن تداعيات جائحة فيروس كورونا.
تأثير تداعيات جائحة كورونا يعني أنه لا يمكن للناس تحمُّل هذه الأعباء أكثر من ذلك، لا سيما وأنه لم يتم دفع الرواتب، خصوصًا في المحافظات الوسطى والشمالية، ولا يوجد رأس مال للإقراض، ولم تتخذ الحكومة المعترف بها دولياً، أي تدابير دعم مالي تذكر بهدف حماية مواطنيها منذ أن بدأ انتشار الجائحة وتم تنفيذ الإغلاق. إنه تحوُّلٌ ينذر بالمزيد من التمزق للنسيج المجتمعي، ومن شأنه أن يُغيّر الطريقة التي يتعامل بها اليمنيون مع بعضهم بعضًا، الأمر الذي يعيق جهود إحلال السلم الأهلي، ويعمل على خلق بؤر عنف مجتمعي جديدة، قد تفضي إلى دوراتٍ لاحقة للصراع، تهدد استقرار المنطقة.
تدابير لازمة للحدّ من التداعيات
على الرغم من قتامة المشهد، إلا إن هناك ما يمكن فعله، "فلا يزال بإمكان الوكالات الإنسانية، بالتمويل الكافي، الحفاظ َعلى استقرار الوضع الإنساني، وهذا ما نريده جميعًا [كما يقول المسؤول الأممي] وذلك سيساعد أيضًا في العملية السياسية"، وهو ما يتطلب ممارسة المزيد من الضغط على الدول المانحة، للوفاء بتعهداتها السابقة، وتنفيذ وعودها على أرض الواقع. وحث أطراف الصراع على اتخاذ الإجراءات التي تضمن دخول المساعدات ووصولها إلى الفئات المستهدفة، وتسهيل حركة تنقّل الموظفين العاملين في مجال المساعدات الإنسانية، والسعي لإيجاد إطار لتنسيق الجهود بين الحكومة المعترف بها دولياً وسلطة أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء، بالشراكة مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية والمحلية المعنية، للعمل بصورة مشتركة من أجل تقديم الدعم للفئات الأكثر تضرّرًا من الجائحة، وإعادة النظر في الإجراءات المالية الأحادية التي تسهم في تعميق الأزمة وتضيف المزيد من الأعباء الاقتصادية على كاهل المواطن.