في الوقت الذي تشهد فيه العملة الوطنية انهيارًا متواصلًا في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً، وتوسعًا كبيرًا لفوارق سعر الصرف في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين)، خاضت صنعاء ومناطق أخرى شمال اليمن، غمار جدل واسع نتيجة انتشار الطبعات القديمة من الدولار الأمريكي بالأخص طبعات 2003 و2006، التي أصبحت تُغرق سوق النقد بسعر صرف أقل، مقارنة بالطبعات الحديثة المعروفة بالزرقاء.
وتشهد أسواق الصرف تدفقًا متواصلًا لهذه الطبعات، وسط شكاوى المواطنين والمتعاملين من رفض شركات وملات الصرافة قبولها إلا بسعر منخفض عن الحديثة، في ظل استقرار سعر الصرف في هذه المناطق عند 600 ريال للدولار الواحد، فيما تجاوز سعر صرف الدولار في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً حاجز 800 ريال للدولار، لكن متعاملون ومواطنون يشكون من إصرار شركات الصرافة على شراء دولار الطبعة البيضاء بنحو 590 ريالًا، وبعضها 585 و580 ريالًا للدولار.
محمد الماخذي شكى في حديث لـ"خيوط"، أنه خسر فارق صرف يزيد عن 100 ألف ريال، عندما توجه لمحال صرافة في صنعاء لصرف ما يقارب 3500 دولار، معظمها من الطبعات القديمة. يضيف الماخذي أن حجة الصّراف أن العملة "دولار قديم"، وكثير من الأوراق قد تعرضت للاهتراء وفيها خطوط في منتصفها.
سلطات النقد الرسمية تعتبر الطبعة البيضاء من الدولار موازية لسعر صرف الزرقاء، بما في ذلك التي يظهر عليها آثار الثني، فيما آراء أخرى تؤكد حاجة القضية إلى إجراء دراسة مستفيضة بين الأطراف المعنية، وإيجاد حلول منطقية لتداول ما هو مقبول منها
ارتفاع حدة الجدل والشكاوى من عملية تداول هذه الأوراق النقدية الأجنبية، في سوق الصرافة في صنعاء ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين)، دفع بالبنك المركزي في نطاق حكومة صنعاء إلى إصدار تعميم، قال إنه إلحاق بتعميم البنك المركزي رقم (3500) الصادر بتاريخ 1 سبتمبر/ أيلول 2020، الموجه إلى كافة البنوك وشركات ومنشآت الصرافة بشأن التعامل بالأوراق النقدية لعملة الدولار.
وجاء في إعلان البنك الذي اطلعت عليه "خيوط" لكافة المواطنين، بأن قيمة الأوراق النقدية لعملة الدولار، ذات فئة الإصدار 2003-2006 (البيضاء)، بما في ذلك التي يظهر عليها آثار الثني أو المختومة، هي بقيمة الأوراق النقدية نفسها لعملة الدولار ذات فئة الإصدار اللاحق (الزرقاء).
وتضمن الإعلان نماذج للأوراق النقدية للدولار التي يظهر عليها آثار الثني أو المختومة، التي هي مقبولة للتداول بموجب تعميم البنك المركزي رقم (3500)، كما تضمّن الإعلان نماذج للأوراق النقدية للدولار، المستثناة من التعميم رقم (3500).
قضية بحاجة لدراسة
كان البنك المركزي الخاضع لسيطرة حكومة صنعاء أقدم مؤخرًا على تزويد الأسواق بالدولار واعتبار طبعات 2003–2006 موازية للطبعات الحديثة المعروفة بـ"الزرقاء" في المُصارَفة والإيداع النقدي، والتوجه لتفعيل مقاصة الدولار، بحيث يتم التعامل عبرها بين البنوك بالدولار، "البيضاء" فقط، و"الزرقاء" أرصدة خزائن.
ويؤكد خبراء ومسؤولون على أهمية جلوس الأطراف المعنية ودراسة إشكالية الطبعات القديمة من الدولار، وإيجاد حلول منطقية وعملية، تحفظ حقوق المواطنين والصرافين وحقوق الدولة، رغم التعميمات والتأكيدات الرسمية على عدم وجود أي إشكالية في عملية تداولها وصرفها، في حين لا تلقى هذه التعميمات استجابة كافية لدى محال وشركات الصرافة، التي تتحجج بتخفيض نسبي في صرف بعض هذه الأوراق النقدية، بحجة ظهور بعض التلف عليها، خصوصًا التي كانت مخزنة لفترات طويلة منها.
الخبير الاقتصادي والمصرفي أحمد حجر، وكيل وزارة المالية التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، يؤكد أن الدولار غير ملغى في التداولات النقدية في كافة دول العالم، لكن يفضّل –حسب حديثه لـ"خيوط"- أن تقوم السلطة النقدية بدراسة الموضوع، وإيجاد حل سريع له، وبإمكان البنك المركزي أن يعمل على توفير آلية لسحب هذا النقد واستخدامه في تغطية نفقات خارجية وتصديره إلى دول المصدر، رغم كونه عملةً رسميةً لم تقم الولايات المتحدة الأمريكية بإلغاء عملية تداول هذه الطبعات.
لكن حجر يرى أن ما يجري في السوق المحلية يعتبر بمثابة ابتزاز من قبل الصرافين، وأن السلطات النقدية في صنعاء تستطيع، من خلال التنسيق مع جمعية الصرافين، تسوية آلية محددة لقبوله من قبل الصرافين، ومن ثَمّ يقوم البنك المركزي بسحبه وإخراجه من الاقتصاد المحلي بقيمته الحقيقية.
وردّ حجر بخصوص الاستفسار حول هذه النقطة التي طرحها، أن لا حل إلا بإخراجه من الاقتصاد المحلي، مبيّنًا إمكانية تداول ما هو مقبول من هذه الطبعات، وما هو صالح منها للاستخدام.
المنطق الواضح، هو أنه عندما لا يكون هناك ثقة في وضعك الاقتصادي، فإن المجتمع من أجل المحافظة على قيمة مدخراته من الثروة النقدية، يحولها إلى نقدٍ أكثر استقرارًا، لذلك كان هناك وضع اقتصادي مختل منذ 2008 و2009، وبالتالي اتجه المجتمع إلى تحويل ما لديه من مدخرات وأموال إلى الدولار.
لذا يرى حجر أن هذه الكميات من الدولار كانت مخزنة لدى تجار ورجال أعمال وأفراد ومؤسسات مصرفية، ولا يستبعد وكيل وزارة المالية، أن يكون هناك إثارة متعمدة من قبل صرافين لإخراج طبعات الدولار "البيضاء" والاستفادة من فارق الصرف.
رئيس جمعية البنوك اليمنية: الدولار الأمريكي، له قوة إبراء قانونية بموجب القانون الأمريكي، وليس في هذا القانون ما يمنع تداوله في الدول الأخرى
التمايز المصرفي وقانونية التداول
مع توسع فارق سعر صرف العملة المحلية وتناثر شظاياها في اتجاهات متعددة، مثل ارتفاع رسوم الحوالات المالية بين المناطق اليمنية الخاضعة لطرفي الحرب: الحكومة المعترف بها دولياً، وأنصار الله (الحوثيين)، يرى خبراء أن ما يجري للعملة الوطنية لا يمثل تغيرًا كبيرًا على القيمة الحقيقية لعملة الدولة خلال مدة زمنية قصيرة، بل إن سعر الصرف يشهد انهيارًا واضحًا في اليمن.
وَفْقَ تشخيصِ مصرفيين، فإن نظام الصرف المتبع في اليمن متمايز بشكل كبير، حيث تتبع حكومة صنعاء ومن "خلال لجنة المدفوعات" نظام مراقبة النقد، وإن لم يعلنوا ذلك بشكل صريح، وهو النظام الذي تصبح بموجبه الحكومة هي المشتري والبائع القانوني الوحيد للعملة الأجنبية؛ لذا تظهر مثل هذه الإشكالات، ومنها الجدل الحاصل في الأوراق النقدية للدولار المتداولة في السوق، فيما ينتهج البنك المركزي في عدن، الخاضع لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، نظامَ سعر الصرف "المعوم"؛ نتيجة للوضعية التي تشكّلت عليها أسواق الصرف في عدن ومناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دولياً، التي تتبع نظام السوق المفتوحة بدون أي قيود أو ضوابط رسمية.
رئيس جمعية البنوك اليمنية محمود ناجي، يرى أن الدولار الأمريكي، له قوة إبراء قانونية بموجب القانون الأمريكي، وليس في هذا القانون ما يمنع تداوله في الدول الأخرى، بل إن مصلحة أمريكا أن يتم تداوله في الدول الأخرى، إذا سمحت قوانين تلك الدول بذلك.
ويوضح ناجي في حديثه لـ"خيوط"، أن أوراق الدولار التي يجري تداولها في اليمن إلى جانب الريال اليمني، ظهرت في السوق اليمني، كجزء من حاصلات النقد الأجنبي، التي يحصل عليها اليمن مقابل صادراته من السلع والخدمات.
يدخل في إطار ذلك المبالغ التي تنفقها المنظمات الدولية في اليمن وبعض تحويلات المغتربين، وهناك أوراق نقد من طبعات الدولار القديمة، ونظرًا لطول فترة تداولها في السوق اليمنية، لم تعد حالتها بجودة الأوراق الجديدة نفسها، من طبعات 2009 وما بعدها؛ الأوراق "الزرقاء".
لذلك أصبح كثير من المتعاملين، حسب حديث رئيس جمعية البنوك اليمنية، يفضلون التعامل بالأوراق "الزرقاء"، "فاستغل الصرافون ذلك الاتجاه، وبدؤوا يفرقون بين سعر "البيضاء" و"الزرقاء"، ويعرضون سعرًا أقل للأوراق البيضاء، دون أي مبررات قانونية أو اقتصادية، ويهدفون من ذلك تحقيق أرباح من فارق السعر".
ويخلص ناجي من كل ما يدور في هذه القضية، إلى التأكيد على أن معظم دول العالم تقبل كل طبعات الدولار القديمة والجديدة دون تمييز في السعر، إذ إن كل طبعات الدولار المتداولة في أميركا والعالم عملة قانونية صالحة للتداول، طالما لم يقم البنك المركزي الأمريكي بإلغاء أي منها، ويصدر إعلانًا بذلك.