"في خير انته وانا با نلتقي في سعاد"؛ وردت هذه الكلمات ضمن قصيدة للشاعر الكبير "حسين أبوبكر المحضار"، معبرًا فيها عن محبته لمنطقة "سعاد" - مدينة الشحر، الواقعة في ساحل حضرموت، وهي ذات المنطقة التي وُلِد وترعرع فيها صديقه ورفيق دربه الشاعر المخضرم "صالح عبيد باظفاري"؛ ضيف "خيوط"، في هذا الحوار.
يُعد "صالح باظفاري" من كوكبة رواد الشعر الغنائي في الساحة العربية؛ حيث كتب ما يزيد عن خمسة وخمسين قصيدة، غُنّيت من قبل مشاهير فنّ الغناء في اليمن والخليج، أبرزهم "كرامة مرسال" و"عبدالله الرويشد" و"أحلام"، و"هود العيدروس". و"باظفاري" يُعد اليوم، وبالإضافة إلى نبوغه في الشعر، فضيفنا المكنى بـ"ـأبي التغاريد"، ألّف عددًا من الدراسات والبحوث والنقد الفني، في الفلكلور والتراث الخاص بحضرموت، وكتب العديد من المسرحيات والتمثيليات للإذاعة والتلفزيون في اليمن والسعودية.
في تفاصيل هذا الحوار، يتحدث "باظفاري" عن قصائده، وعن علاقاته بالشعراء والفنانين اليمنيين والعرب، وعن نقابة شعراء اليمن بحضرموت، التي يترأسها، وعن واقع الشعراء في الوقت الراهن، وقضايا أخرى ذات صلة.
حاوره: علاء محمد
* لا بدّ أن للبيئة، التي نشأ بها الشاعر الكبير "صالح عبيد باظفاري"، تأثيرًا في تكوين شخصيته الشعرية؛ حدِّثنا عن ذلك؟
- وُلِدتُ عام 1963، في حارة المجرف حي الصيادين، مدينة الشحر (سعاد). وترعرعت فيها وتعلمت من مناهل علومها، ولقد مد التأثير الفني في الشحر جداره في أعماق تجربتي الشعرية، فولدت شاعرًا في وقت مبكر، وعمري 14 عامًا غنيت لي أول قصيدة بعنوان "مشتاق لك يا زين يا قرة أعيان"، التي غناها بعد ذلك الفنان الجميل "أحمد فتحي"، وتنامت الموهبة بعد مخاض مع التجارب والمزاملة مع رواد الشعر في حضرموت.
* "عاد شي في العلب نوشه"، من أوائل القصائد الشعرية لك؛ حدِّثنا عنها؟
- "عاد شي في العلب نوشه" من القصائد التي أبدع في لحنها المرحوم "علي سعيد علي"، الذي شكّلت معه وحدة تراثية حضرمية في البحر وإعادة صناعة الأهزوجة بأسلوب جديد، "عاد شي في العلب نوشه" جاءت في زمن الخروج إلى النشوة بالنصر بعد الحرب الداخلية، واحتسبت أنها ذات طابع سياسي رغم عاطفيتها، وانتشرت انتشار غير عادي، لله الحمد، وكانت أول هُوية تعريفية لي، وعزّز ذلك ردّ "المحضار" على قصيدتي بقوله: "نوشه ورى نوشه وياكم بانتوش".
* لك العديد من المؤلفات الأدبية، والتوثيقية، منها: كتاب "الإيقاعات الشحرية في الأغنية المحضارية"، وكتاب "طرائف محضارية"؛ ذلك الاهتمام بالمحضار يدفعنا لسؤالك: كيف كانت علاقتك بالشاعر "حسين المحضار"؟
- علاقتي بالشاعر الظاهرة "حسين المحضار"، رحمة الله عليه، علاقة التلميذ بالمدرسة، والابن بأبيه. أفتخر أن أكون من رواد ذاك المنتدى المحضاري، ولي كتاب في ذلك الأمر بعنوان "طرائف محضارية". أسست مع المرحوم المحضار في الثمانينيات "منتدى الإثنين"، حيث كان يُعد ملتقى الشعراء في حضرموت، وكان لنا صولات وجولات في مضمار الشعر.
* كيف تقيّم واقع الشعراء الغنائيين، في الوقت الراهن؟
- هو مشابه لواقع عامة الناس، بحلوه ومره، ولقد فقدنا كثيرًا من شعراء الأغنية اليمنية والحضرمية والعربية، وعلينا أن نشجّع الشباب على كتابة النصّ الغنائي، وعلى الفنانين والملحنين دعمهم ورفد الساحة بهم.
* تكتب قصائد بالفصحى، لكنك مهتم أكثر بالشعر الشعبي؛ بعض محبيك يتساءلون: لماذا لا يكتب الشاعر "صالح باظفاري" قصائدَ باللهجات الصنعانية واللحجية والتهامية؟
- أنا أكتب الشعر حسب الفكرة التي تتكون حيال الموضوع، أمّا اختيار اللهجة فليست من مهام الشاعر، بل إن النص يُكتب بلغة بيضاء يفهمها الجميع، والفنان هو الذي يعطيها طابعها حسب مدينته ومحافظته وبلده. لقد كتبت نصوصًا عديدة، وأعطاها الفنانون، أمثال الفنانة الدكتورة السودانية "نهى الصادق أحمد الخير". وبالنسبة للشعر الصنعاني، فقد حاولت أن أكتب باللهجة الصنعانية أغنية "العيد فرحة هناء" بصوت الطفلة "هدى اليمن".
* كتبتَ خمسة وخمسين نصًّا لعدة فنانين؛ حدِّثنا عن أبرز المواقف الراسخة في ذهنك في مسيرة علاقاتك بالفنانين اليمنيين والخليجيين؟
- كتبتُ كثيرًا من النصوص الغنائية والأشعار، وتعرضت لبعض المواقف الحرجة مع بعض الفنانين عندما يفاجئني الفنان بلحن ويطلب مني كتابة كلمات على عجل، مثلما كان يفعل معي في كثير من الأحيان شيخ الفنانين المرحوم "سعيد عبدالمعين"، والمرحوم "علي سعيد علي". آخر المواقف كانت مع الفنان المرحوم "كرامة مرسال" عندما فأجني بلحن "حبيناك"، وكان ذلك بمكان إقامته في "جَدّة".
مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم بمثابة منابر أدبية تساعد على انتشار الوعي الثقافي في إطار العولمة والانفتاح الأدبي، ولكن الخوف من أن يساء استخدامها، فتصبح تنشر نصوصًا هابطة لا ترتقي إلى مستوى الذوق العام
* لك اهتمام ومؤلفات في الأهازيج الشعبية والحرف اليدوية في حضرموت، اليوم العديد من العادات والتقاليد في انحسار، والبعض منها تلاشى ولا يعرف عنها الجيل الجديد شيئًا؛ برأيك من المسؤول عن ذلك؟
- نعم، أنا من المهتمين بالحرف اليدوية والأهازيج المهنية، وعندي كتاب مخطوط بعنوان "الأهازيج الشعبية في الحرف اليدوية"، وقد صنعت من التراث تراثًا لعمل أهازيج خاصة لبعض الحرف التي ليس لها أهازيج، مثل حرفة الحدادة. وبالنسبة لمشكلة انحسار العادات والتقاليد التراثية، فأجزم أن حضرموت هي من أكثر المناطق في البلاد العربية التي ما يزال أهاليها في الداخل والخارج متمسكين بها. وبالنسبة لباقي المناطق في اليمن والدول العربية، فمسؤولية الحفاظ على الإرث الفني والثقافي هي مسؤولية مشتركة، مسؤولية الجميع.
* لماذا توقفتَ عن كتابة المسلسلات والمسرحيات؟
- لم ولن أتوقف عن كتابة المسلسلات والأوبريتات، وقد نفذت آخر أوبريت مسرحي بعنوان "رحلة مع النور" يحكي سيرة الرسول الكريم من الولادة حتى الوفاة، صلوات الله عليه، وعندي أوبريت لم ينفذ بعد بعنوان "السفينة الحضرمية" وجاهز للتنفيذ، وجاري التحضير للمزيد من الأعمال.
* يقال: إن نصوص الشاعر "صالح باظفاري" تتعرض للسرقة، وأن لا أحد ينتصر لحقوقه؛ ما مدى صحة هذا الكلام؟
- أنا مثلي مثل أيّ شاعر يتعرض للقرصنة، ولا نقول سرقة؛ لأن كلمة سرقة كبيرة، ولكن نقول تسربت بسبب إهمال الفنانين لذكر اسم الشاعر والملحن عند غنائها لأول مرة.
* برأيك هل مواقع التواصل الاجتماعي جاءت في مصلحة الشعراء والكُتّاب في اليمن والعالم العربي؟
- مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم بمثابة منابر أدبية، تساعد على انتشار الوعي الثقافي في إطار العولمة والانفتاح الأدبي، ولكن الخوف من أن يساء استخدامها، فتصبح تنشر نصوصًا هابطة لا ترتقي إلى مستوى الذوق العام. وعلى المستوى الشخصي، فإني أنشط على مواقع "السوشيال ميديا" المختلفة، وفي سعادة غامرة بتواصلي مع أصدقائي وجمهوري الجميل.
* أين هو اليوم اتحاد الشعراء الشعبيين اليمنيين، الذي كنت قد أسسته أنت ومجموعة من الشعراء قبل 13 عامًا؟
- اتحاد الشعراء الشعبيين اليمنيين مؤسسةٌ أنشأها الشاعر "محمد سالم بن سويد"، وكنت عضوًا مؤسسًا فيها، ولا أدري مصيرها بعد مغادرتي اليمن، ولكني أشغل منصب رئيس نقابة شعراء اليمن بحضرموت، وهي نقابة نشيطة بأعضائها، تقيم العديد من الفعاليات الثقافية.
* البعض يرى أن كتابة الشعر اليوم أصبحت مهنة مربحة ماديًّا، فيما يرى البعض الآخر أنها موهبة وتراث إنساني غير ربحي؛ حدّثنا عن تجربتك في هذا الجدال؟
- الشعر يكتب للشعر، وليس للربح والمضاربة بالسعر. الشاعر يحمل رسالة ويحمل هموم شعب أحيانًا، والشاعر إنسان يخاطب القلوب ويوقد العقول، وهو موهبة تثقل وتنمو بالممارسة.
* أنت اليوم تُشرف على سبتية الشاعر "صالح باظفاري" في حضرموت، وتحلُـم بإنشاء مؤسسة ثقافية تحمل اسمك؛ ما المعوقات التي تحول دون تحقيق ما تصبو إليه؟
- سبتية الشاعر "صالح باظفاري" مؤسسة ثقافية أدبية اجتماعية تهتم بشؤون الأدب والثقافة، وعندي طموح أن تتحول إلى مدرسة لتخريج الشعراء والأدباء الموهوبين، ورفد الساحة الأدبية بهم على منهج علمي متكامل، وسوف تكون تجربة فريدة يقتدي بها الآخرون مستقبلًا، ونحن في طور التجهيز لكل متطلبات نجاح الحُلم الذي بات قاب قوسين أن يصبح حقيقة.
* ما الذي تقوله لليمنيين في ختام هذا الحوار؟
- "عسى الأيام تجمعنا وتتوقف دموع العين".