كان أكرم ينتحب على رصيف في أحد شوارع صنعاء؛ أمامه باص يحترق، هو مصدر رزقه وأسرته الوحيد، رغم أن الباص ليس له أصلًا.
مع كل المتجمهرين، شعر بأنه وحيد، وأن نهاية رزقه كتبت بالفعل. كل كلمات التطمين ممن حوله، لم تكن كافية لثنيه عن النحيب.
شخصٌ ما التقط بهاتفه النقال مقطعَ فيديو لأكرم، وهو بتلك الحالة أمام النار المتصاعدة، أنزل الفيديو على حسابه في "فيس بوك"، لينتشر في مواقع التواصل كانتشار النار في ذلك الباص وأكثر، ساعات فقط وأكرم أو (#صاحب_الباص) حديثُ مواقع التواصل الاجتماعي وقضيته (ترِند)
صباحًا توجّه إليه مجموعة ناشطين ليفتحوا له حسابًا في أحد البنوك. لم يطُل عمر الحساب كثيرًا؛ خلال أيام فقط تبرع الناس بقيمة باصين؛ أحدهما بديلٌ عن المحترق لصاحبه، والآخر لأكرم.
عرف الناس أن أكرم كان قد أجّل زفافه لأجل تكاليف علاج والده، فدفعوا له تكاليف زواجه، ومبلغًا له ولأسرته. أيقن أكرم أن تلك الأيادي لم تكن تكتب عنه، بل ترفعه من على ذلك الرصيف.
قبل أكرم الصلوي، كان شابٌّ كفيفٌ في عدن ينوي الزفاف. كتب على حسابه في "فيس بوك" أنه ليس لديه أصدقاء ليفرحوا به، فاشتعلت مواقع التواصل بصورته وفرحه مع وسم (#ابشر_كلنا_اصحابك).
تناقل الناشطون الدعوات لحضور زفافه، ذهبوا معه لجلب عروسه من الضالع إلى عدن، ومساءً غصت شوارع عدن بالسيارات، في أكبر موكبِ زفافٍ تشهده المدينة.
وقبل أحمد "الكفيف"، كانت هناك العديد من التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضُها عالجت مرضى، وأخرى زوّجت عازبين، وأفرجت ثالثة عن معسرين، كما في حال الرجل الذي قضى 10 سنوات في السجن، من أجل دينٍ أقل من مليون ريال، قبل أن تفرج عنه مبادرة على "فيس بوك".
اليوم يتناقل الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي وسمًا هو (#صاحب_البيت)، يدعون فيه لبناء بيت لشخص دمرت السيول منزله في صنعاء، ولا شك أنهم سينجحون.
في صنعاء أيضاً، هدّدت الأمطار منطقة صنعاء القديمة بالكامل. قال مسؤول في أمانة العاصمة إنه بعد 20 عامًا لن تكون هناك صنعاء القديمة، إن استمرت أمطار الأعوام المقبلة كأمطار هذا العام، ولم يعمل الناس شيئًا لتفادي الكارثة.
كان يتحدث في اجتماع خاص بالناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي حضرتُه أيضًا. يدرك هذا الرجل وغيره أهمية مبادرات مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة مع توجّه كل اليمنيين نحوها تقريبًا، وتناقص الاهتمام بالإعلام التقليدي.
أثبتت مواقع التواصل الاجتماعي أنها عالم حقيقيّ، في ظل التشديد على الأنشطة والاشتباه بأية تجمّعات، ولو كانت نواياها شريفة على أرض الواقع.
يسأل الناس: هل اليمنيّون مثاليون فقط على مواقع التواصل؟ الحقيقة مغايرة بالطبع.
الحقيقة أن مواقع التواصل خالية من الهيمنة والتقييد والفَيْد، ومن قادةٍ ضاق بهم الناس في الواقع. الحقيقة أن اليمنيين بحاجة لتركهم دون اعتبار أيّ سلطة من أي نوع أنها وصية عليهم، بحاجة لتركهم يعيشون بالطريقة التي يريدون، ولا شك أنهم سيخلقون مجتمعًا جميلًا محبًّا ومتضامنًا وحاملًا للمسؤولية.
نحن لا نريد مجتمعًا مثاليًّا ولا فاضلًا، فتلك أساطير لا حقائق، نريد مجتمعًا يوحده الوجع والفرح، ولا يترك أحدًا عندما تصيبه فاقة.