"يبدو أني سأُعيد دراسة ثالث ثانوي من جديد، في العام المقبل". بهذه الكلمات وبصوت مليء بالحسرة والندم، تلخص الطالبة مرام عبده (17 سنة)، صعوبة الاختبارات لشهادة الثانوية العامة في مدينة إب (وسط اليمن)، في إشارة لصعوبة أسئلة الاختبارات.
في حديثها لـ"خيوط" تُرجِع مرام، التي تحضر الاختبارات في مدرسة الوحدة، بمديرية الظهار وسط مدينة إب، صعوبةَ الأمر إلى عدة أسباب، منها أن أسئلة الاختبارات غالبيتها من دروس المنهج التي لم يتم دراستها طيلة العام، مشيرة إلى أن مجمل المواد التي تم تدريسها لا تتجاوز 40% من مقررات المنهج.
وسط ضغوط نفسية وقلق متصاعد، يؤدي الطلاب اختباراتهم، التي بدأت السبت 15 أغسطس/ آب 2020، في الوقت الذي ما يزال الوباء العالمي (كوفيد19) يُحكِم قبضته على معظم دول العالم، بينها اليمن.
تواصل مرام حديثها، وهي تندب حظّها الذي وصفته بـ"التعيس" في إتمام مرحلة تعليمها للحصول على الشهادة العامة، التي صادفت هذا العام، في ظل الحرب، التي دخلت عامها السادس، والوضع المعيشي السيِّئ، وتفشي فيروس كورونا بصورة وبائية.
ويواصل قرابة (500) ألف طالب وطالبة، في 14 محافظة خاضعة لإدارة سلطة أنصار الله (الحوثيين)، أداء اختبارات الشهادتين الأساسية والثانوية (الفصل التاسع والثالث الثانوي)، للعام الدراسي 2019 – 2020، وسط تخوفات من تفشي جائحة كورونا في أوساط الطلبة.
بالمقابل، يشكو طلبة المناطق الواقعة في النطاق الجغرافي للحكومة المعترف بها دوليًّا من توقف العملية التعليمية، وعدم استكمال الفصل الدراسي الثاني، على إثر قرار وزارة التربية في عدن، إنهاء العام الدراسي بدون اختبارات لجميع المراحل الدراسية. سوف يتم اعتماد نتيجة اختبارات الفصل الأول كنتيجة نهائية، لكن طلبة الصف التاسع والثالث الثانوي، اعتادوا خوض الاختبارات الوزارية نهاية العام، لتحديد نسبة نجاحهم. وفي السياق التعليمي، تبرز مشكلات أخرى في القطاع التعليمي منها شكاوى معلمين في مناطق حكومة عدن من توقف رواتبهم أو عدم منحهم بعض الاعتمادات المالية في رواتبهم، وهو ما أدّى إلى إقدام المعلمين في عدن على الإضراب للمطالبة بحقوقهم.
صعوبات الاختبارات
يواجه الطلبة في اليمن صعوبات جمّة في الاختبارات، تُشَتِّت تركيزهم وتَحُوْلُ دون إتمامهم حل الأسئلة، في ظل الأزمة والضائقة التي تشهدها البلاد نتيجة الحرب الدائرة، منذ ما يزيد عن خمس سنوات.
طلاب من داخل قاعات الاختبارات يبدون قلقهم من انتشار فيروس كورونا، رغم اتباعهم إجراءات وقائية ووجود أجهزة للفحص وأدوات تعقيم وكمامات
رمزي محمد (18 سنة)، أحد الطلاب الذين يؤدّون اختبار الشهادة الثانوية في مدينة إب، يخشى من انتشار فيروس كورونا في أوساط الطلاب والطالبات أثناء تأدية الامتحان.
في حديثه لـ "خيوط" يقول رمزي إنه إلى جانب مخاوف كورونا هناك مشاكل تتمثل بصعوبة حل أسئلة الامتحانات؛ نظرًا لعدم إتمام دراسة المنهج، طيلة العام الدراسي، لأسباب تتعلق بغياب غالبية المعلمين الذين يعزفون عن الدوام، بسبب رواتبهم المتوقفة، منذ أكثر من 4 أعوام، إلى جانب توقف الدراسة من منتصف مارس/ آذار 2020، بسبب الإجراءات الاحترازية من تفشي الجائحة.
يشير رمزي إلى أنّ هناك قلقًا ومخاوفَ داخل لجنة الاختبارات من فيروس كورونا، رغم الإجراءات الوقائية ضد الفيروس؛ من أجهزة الفحص، والتباعد، وأدوات التعقيم، والكمامات، وإرشادات توعوية عن الوباء، وغيرها.
لا يختلف حال باقي الطلبة عن حالتي مرام ورمزي، إلا أن وزارة التربية والتعليم بصنعاء، وبدعم من اليونيسف، تحاول تبديد تلك المخاوف بحزمة من الإجراءات التي اتخذتها في سبيل ضمان سلامة المتقدمين لنيل الشهادتين في ظل استمرار تفشي فيروس كوفيد 19، الذي تسبب بتوقف العملية التعليمية برمتها لعدة أشهر، في أغلب دول العالم.
يوسف محسن (44 سنة)، تربوي ومشرف لجان مراقبة على أداء الاختبارات، يشير إلى أن هناك مخاوفَ وقلقًا يعتري الطلاب أثناء أداء الاختبار، وهي شكواهم من صعوبة الأسئلة لعدم إتمام دراستهم لمقررات المنهج؛ بسبب إجازة جائحة كورونا، وأيضًا بسبب غياب المُعلِّمين.
يقول محسن لـ"خيوط" إن الطلاب كانوا يتوقعون أن وزارة التربية التابعة لحكومة صنعاء ستلغي الاختبارات، وتعتمد على المعدل التراكمي للصف الأول الثانوي والثاني الثانوي، أسوة بالقرار والإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية في الحكومة المعترف بها دوليًّا، ما جعل الطلاب يتساهلون عن المذاكرة طيلة أيام إجازة كورونا، وعزوفهم عن الاستعداد للاختبارات.
وبحسب محسن، فإن ذلك كان سببًا في تثبيط الطلاب، وعزوفهم عن المذاكرة والاستعداد للاختبارات، إلى جانب الوضع المعيشي والمعاناة التي يشهدها اليمن جراء استمرار الحرب.
وفي السياق ذاته، يصف المُعلِّم محمد الحبيشي، المقيم في مدينة إب، المراحل الدراسية خلال السنوات الخمس الماضية بـ"الأسوأ على الإطلاق".
يقول الحبيشي لـ"خيوط" إن الغالبية العظمى من تلاميذ اليمن، في الشمال والجنوب، لم يتلقّوا دروس المقررات الدراسية في السنوات الماضية بشكل كامل، مشيرًا إلى أنّ العام الحالي هو الأكثر تضرّرًا؛ بسبب جائحة كورونا، ودخول الحرب عامها السادس.
تحذيرات وإجراءات
في وقت سابق أقرّت الحكومة المعترف بها دوليًّا، في اجتماعٍ لها مع اللجنة الطبية العليا للطوارئ لمواجهة كورونا، إنهاءَ العام الدراسيّ لطلاب الثانوية العامة، دون إجراء الاختبارات النهائية؛ بسبب الأزمة التي تسبّب بها تفشي فيروس كورونا، وتعليق الدراسة منذ أواخر مارس/ آذار 2020.
وأقرت اللجنة، اعتماد المعدّل التحصيلي، (وهو جمع: نتيجة الطالب في الصف الأول ثانوي + نتيجته في الثاني ثانوي + نتيجة الطالب في الفصل الأول من الثالث ثانوي، وقسمة حاصل الجمع على 3)، بحيث تكون نتيجة القسمة على 3، هي المعدل التحصيلي للطالب في الثانوية العامة، ولا يشمل القرار طلاب الثانوية العامة في صنعاء والمناطق التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين).
والأربعاء 19 أغسطس/ آب 2020، أطلقت الأمم المتحدة تحذيرًا جديدًا من إيقاف عمل معظم العمليات الإنسانية في اليمن بما فيها 70% من المدارس، و50% من خدمات المياه والصرف، ونصف المرافق الصحية خلال الأسابيع المقبلة، إذا لم تحصل على تمويل عاجل.
ويبلغ عدد الطلاب المتقدمين لاختبارات الشهادة العامة، للمرحلتين الأساسية والثانوية لهذا العام، نحو (490) ألفًا و(312) طالبًا وطالبة، موزّعين على (4281) مركزًا اختباريًّا، بحسب ما أعلن عنه وكيل قطاع المناهج والتوجيه نائب رئيس اللجنة العليا للاختبارات التابعة لوزارة التربية والتعليم في حكومة صنعاء، أحمد النونو.
بدوره، مدير عام الصحة المدرسية في وزارة التربية والتعليم بصنعاء، الدكتور عبدالباسط جولة، طمأنَ في تصريحات سابقة، الطلاب من أن "الوزارة بذلت جهودًا في سبيل سلامة الطلاب، وأقرت برتوكولًا ودليلًا موحَّدًا، بالتنسيق مع جمعية الهلال الأحمر اليمني ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف".
ولفت جولة إلى أنه تم التنسيق مع وزارة الصحة العامة والسكان، لتخصيص سيارة إسعاف في كل مديرية، وأرقام غرف عمليات في كل منطقة تعليمية مرتبطة بغرف العمليات في مكاتب التربية في المحافظات، من ضمن الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية، بحسب مدير عام الصحة المدرسية.
تقدر "اليونيسف" وجود 3 ملايين طفل يمنيّ خارج المدرسة؛ بسبب العنف المتواصل في البلاد التي تشهد حربًا وصراعًا طاحنًا منذ أكثر من خمسة أعوام
مواجهة التسرب من التعليم
وأكدّت جمعية الهلال الأحمر اليمنيّ، في منشور على حسابها الرسمي في "الفيسبوك"، أنه سيتوافر (5910) متطوعين في جميع المراكز الامتحانية في 12 محافظة، لتنفيذ الإجراءات الاحترازية طوال فترة الامتحانات.
وسجلت السلطات الصحية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا الإصابات المؤكدة منذ إبريل/ نيسان 2020، حتى مساء السبت 22 أغسطس/ آب، (1907) إصابة بكورونا، منها (546)، وفاة و(1066) حالة تعافٍ، ولا تشمل الإحصائية مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، التي تتكتم على تفشي الوباء في مناطقها، واكتفت حتى الآن بالإعلان عن أربع إصابات فقط، بينها حالة وفاة لمهاجر صومالي.
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) دعمها امتحانات المدارس لأكثر من (480) ألفَ طالبٍ وطالبة، في الصف التاسع والثالث ثانوي، في أكثر من 4 آلافِ مركزٍ امتحانيّ، لضمان إجراءات التباعد الاجتماعي، كإجراء وقائي من "كوفيد 19"، من خلال توفير معدّات الحماية الشخصية (أقنعة، ومعقمات اليدين، ومقاييس الحرارة، والقفازات).
وخلال السنوات الأخيرة تعرض قطاع التعليم في اليمن لأضرار هائلة، طالت بنيته التحتية ومخرجاته؛ بسبب الحرب التي تشهدها البلاد، ويواجه قرابة (200) ألفِ مُعلّم صعوبات في تلقي رواتبهم منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
وتقدّر "اليونيسف" وجود 3 ملايين طفل يمنيّ خارج المدرسة، بسبب العنف المتواصل في البلاد التي تشهد حربًا وصراعًا طاحنًا منذ أكثر من خمسة أعوام؛ إذ تسبب الصراع المستمر في اليمن بحرمان ملايين الأطفال من الحصول على التعليم، بما في ذلك ما يقرب من نصف مليون تسربوا من الدراسة، منذ تصاعد النزاع في مارس/ آذار 2015.