صنعاء بلا قنوات لتصريف السيول

الأمطار تكشف كارثية التخطيط الحضري
عبدالكريم عامر
August 9, 2020

صنعاء بلا قنوات لتصريف السيول

الأمطار تكشف كارثية التخطيط الحضري
عبدالكريم عامر
August 9, 2020
ت: محمد الصلوي

منذ عدة أيام تشهد كثير من المحافظات اليمنية أمطار موسمية كثيفة، وبهذا يستبشر الناس بالخير أيام نزول المطر؛ لِمَا تمثِّله مياه الأمطار من فائدة للأرض والإنسان معًا. ذاك هو الجانب السار للأمر، أما الجانب السيِّئ فهو عدم توافر منافذ مخصصة لتصريف السيول الناتجة عن تلك الأمطار، وهو ما يتسبب بكارثة حقيقية خصوصًا في المدن التي خضعت للتخطيط الحضري، ولم يتم فيها مراعاة مجرى السيول. 

العاصمة صنعاء تعد النموذج الأبرز بين تلك المدن؛ إذ تشهد المدينة منذ أيام أمطارًا غزيرة ومستمرة طوال الوقت، وصنعاء التي تتخللها عشوائيات التخطيط وهشاشة التنفيذ، المدينة التي تخنقها مياه الأمطار، تكاد تغرق لولا رحمة الله؛ حيث تتعرض لتدفُّق متواصل للسيول من الجبال التي تحتضنها من غالبية الجهات.

ورغم التوسع العمراني الكبير في المدينة وزحف أبناء الريف للاستقرار فيها، كانت الجهات المعنية سابقًا تقوم بتنفيذ مخططاتها العمرانية، دون أي مراعاة أو اهتمام بمجرى السيول، وتم تجاهل الأمر إلى غاية نسيان هذا الوضع الخطير، الذي دفع ويدفع ثمنه الناس؛ بسبب تساهل تلك الجهات، إذ ظهر ذلك جليًّا مؤخرًا مع تدفق سيول الأمطار؛ حيث تشق السيول طريقها من وسط الأحياء والمنازل.

تفتقر مناطق كثيرة في العاصمة صنعاء لمجرى السيول؛ حيث تصبح غزارة الأمطار وتدفق سيولها كارثةً على ملّاك المساكن وخاصة الشعبية الواقعة في هذه المناطق

عشوائية المخططات

في الجهة الجنوبية للعاصمة صنعاء، وبالتحديد بمنطقة حزيز، غدرت السيول من اعترضوا طريقها، وفي ليلة ماطرة كان محمد المزحقي يهم بأن يضع حلًّا لسقف منزله الذي اخترقته الأمطار، وإذا بالسيول تأتي لتغمر المنزل، ويعود محمد لإنقاذ أسرته من الغرق، وحاول إنقاذهم وأخرجهم من المنزل لداخل سيارته الواقفة بعيدًا عن شوارع حارته الضيِّقة.

بدوره يقول المواطن حسين القيزل لـ "خيوط": إن منزله تعرض للغرق، وكاد أن ينهار على رؤوس ساكنيه، لولا أنهم غادروا المنزل قبل وصول السيول، ويرفع حسين شكواه إلى الله، فيمن خدعه وباع منه الأرض، التي هي حيث ممر السيول.

وتفتقر مناطق كثيرة في العاصمة صنعاء لمجرى السيول، رغم أن تلك المناطق مخططة حضاريًّا، كما كان معتمدًا عند السلطات السابقة؛ إذ تعد المساكن في هذه المناطق عرضة للسيول التي تقع أغلبها في مجراها، حيث تصبح غزارة الأمطار وتدفق سيولها كارثة على ملاك المساكن وخاصة الشعبية.

في معرض حديثه لخيوط يقول الخبير الهندسي يحيى مهدي أن البناء العشوائي المنتشر في كثير من أحياء صنعاء أحد عوامل الأضرار الكارثية للسيول التي جرفت المساكن وأغرقت البعض؛ إذ لا يحرص كثير من المواطنين والتأكد في أثناء شرائهم للأرضي التي يبنون عليها مساكنهم من أنها واقعة في مجرى السيول أم لا، حتى وإن كانت المنطقة قد خضعت للتخطيط كما كان متبعًا من قبل السلطات في تلك الفترة.

يضيف مهدي، أن كثيرًا من تلك المساكن الشعبية تم تنفيذها بطرق عشوائية، وتم الالتواء على الجهات الرسمية، وكذلك التحايل على الشوارع، وتضييقها حتى إنهم لم ينتبهوا لفكرة مجرى السيول، وقد بنى كثيرون مساكنهم وسط تلك الممرات.

إهمال الممرات الضيقة

كانت السلطات السابقة قد أنجزت قلة من مجاري السيول؛ حيث لم تكن عند المستوى المناسب لكمية السيول التي تتدفق في غالبية الأوقات بشكل كبير؛ إذ تم تضييقها دون مراعاة لأي طارئ أو تغير للمناخ، كما هو الحال في اليمن التي شملتها خارطة التغير المناخي، تكون مجاري السيول في الخط الدائري هي النموذج الأضيق، التي لم تتسع لكميات السيول التي تتدفق من مياه الأمطار، من عدة مناطق داخل العاصمة. يقول المواطن وليد مصطفى لـ"خيوط" إن تلك الممرات أضيق بكثير، ويفترض أن تكون أوسع مما هي عليه الآن، مضيفًا أن الإهمال وعدم إدراك فائدتها من قبل المواطنين جعلهم يرمون المخلفات في أوساط تلك الممرات أو بالقرب منها، الأمر الذي يسدها تمامًا نتيجة لتراكم أكياس المخلفات، وهو ما يخرجها عن خدمتها، وتصبح المنطقة ممتلئة بتلك المياه، مع عدم وجود منافذ لها كي تمر.

يوضح المهندس محمد مهيوب لـ"خيوط" أن صنعاء هي عبارة عن قاع ترابي، حيث وجود كميات المياه الكبيرة تجعل التربة رخوة نتيجة تشبعها بالمياه وتصبح أقل تماسكًا، وتكون المباني الواقعة في نطاق مجاري السيول أكثر عرضة للانهيارات والسقوط على رؤوس ساكنيها؛ لأن كميات المياه الكبيرة تعمل على خلخلة القيعان الترابية في تلك المناطق. ويضيف مهيوب أنه كان يتعين على السلطات عندما وضعت خططها الرسمية مراعاة هذا الجانب على اعتبار أنه لا حلول إلا بإعادة النظر في الأمر ووضع خطط لمعالجة الاختلالات بشكل أبدي، لا مرحلي.

سائلة صنعاء

تقسم "السائلة" صنعاء إلى نصفين، وتمتد المساحة المرصوفة منها لأكثر من عشرة كيلو مترات؛ إذ تعمل على تصريف مياه السيول التي تتدفق من خارج العاصمة صنعاء، وتمتد منطقة السائلة المرصوفة من منطقة دار الرئاسة جنوب العاصمة حتى المنطقة القريبة من مطار صنعاء شمال العاصمة، وقد تم رصفها بالأحجار سواء قيعانها، وكذلك الجوانب بطول المنطقة المذكورة سلفًا، وما عدا ذلك ما تزال ترابية، وهو ما جعل جزءًا كبيرًا من المدينة في مأمن عن الكارثة.

وتعد الممر الرئيسي لسيول الأمطار، لكن السائلة وحدها لا تكفي؛ إذ كان يفترض بالجهات المعنية تنبيه المواطنين بعدم بناء المساكن في مجاري السيول الفرعية داخل المدينة، التي كانت تصب جميعها للسائلة الرئيسية وسط المدينة، بحسب حديث الحاج عبدالله جباري لـ"خيوط"، أنه قبل وجود المساكن وتوسع المدينة كانت كثير من المناطق أراضٍ زراعية وفيها غيول ماء، لكل واحدٍ منها طريقه وأين يصب؛ حيث لم يتم مراعاة مسألة طرق السيول مستقبلًا في أثناء تخطيط تلك المناطق، حيث شهدت صنعاء نهضة عمرانية عشوائية، تحتاج إلى إعادة النظر في الأمر تلافيًا لكوارث السيول.

وتتعرض مناطق كثيرة من البلاد لأمطار كثيفة، ينتج عنها كميات سيول كبيرة، وهو ما يجعل المواطنين عرضة لخطر تلك السيول؛ حيث تكتفي السلطات بتنبيه المواطنين عبر وسائلها المختلفة بالابتعاد عن الأماكن التي تمر منها السيول، وتوخي الحيطة والحذر.

ونظرًا لعدم وجود منافذ مناسبة للسيول، تأتي الأنفاق في صدارة المشاريع التي لم يراعَ فيها عملية تصريف السيول؛ حيث تملَؤُها مياه الأمطار، وهو ما يعرض تلك الأنفاق للخطر مع الزمن، وكذلك يخلق حركة مرورية شديدة الازدحام، وللشوارع نصيبها من الخراب التي تصنعها السيول؛ حيث الحفر وتشققات الإسفلت.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English