لم تعد كرة القدم مجرد لعبة ممتعة وحسب، بدا ذلك واضحاً، مع استئناف المسابقات الأوربية، والتي كانت -نوعاً ما- بمثابة إعلان عن عودة الحياة. فبعد توقف دام عدة أشهر، بسبب فيروس كورونا (كوفيد 19) الذي لم ينتهِ بعد، كانت هذه العودة لحظة مهمة، انصرف فيها عدد كبير من الناس عن متابعة أعداد الإصابات اليومية التي صارت تبعث على الضجر لصالح مباريات كرة القدم.
كرة القدم والحرب
عملت عودة الدوريات الأوروبية على كسر المزاج الراكد الذي خلفه فيروس (كوفيد 19)، ما ربط كرة القدم بالوضع الطبيعي. فعلى سبيل المثال، منذ تأسيس بطولة كأس العالم، العرس الكروي الأكبر، لم يسبق أن تم إلغاء أيٍّ من دورتها إلا في لحظة الحرب العالمية الثانية. عند هذه النقطة تحديداً، يمكن التحدث عن التجربة اليمنية المحلية في توقف كرة القدم؛ فمع اندلاع الحرب قبل خمسة أعوام كان الدوري اليمني أول ضحاياها.
تقصت منصة "خيوط" جانبًا من واقع حال هذه اللعبة من خلال اللقاء ببعض اللاعبين. علي النونو، النجم الدولي المعتزل والقائد السابق للمنتخب اليمني، تحدث لـ"خيوط" عن الأثر الذي خلفه هذا التوقف، قائلاً: "دمرت الحرب كل جميل، بما فيه الرياضة التي تعتبر متنفسًا لغالبية الناس. وإضافة إلى مشكلة التوقف الذي سيؤثر على مستوى اللاعبين، هناك مشكلة انقطاع دخل الكثير ممن يعملون في هذا المجال من مدربين، وإداريين، ولاعبين".
في اليمن، يتفق الجميع على أن عامل الجذب الجماهيري لا يتوقف عن الاستمتاع فقط، إنما يأتي أيضاً بدافع التنفيس من الهموم اليومية، حيث فرضت الحرب حاجتها وظروفها
في نفس السياق تحدث رامي الوسماني، لاعب الأهلي وكابتن منتخبنا الوطني للشباب، عن تجربته في مواجهة نشاط رياضي شبه متوقف، قائلاً: "ما زلتُ في بداية مسيرتي الاحترافية، وفي هذه الظروف الصعبة التي لا يوجد فيها سوى القليل من الأنشطة المدعومة من بعض الجهات والأشخاص؛ تظل التمارين الشخصية والفردية هي الحل للحفاظ على اللياقة البدنية والجاهزية لأي بطولة؛ وبالإصرار سنتغلب على الصعوبات".
أهمية كرة القدم
تستمد كرة القدم قيمتها من كونها اللعبة الأكثر شعبية في العالم؛ وهناك مباريات تجاوزت المليار متابع عالمياً، ولم يسبق أن اجتمع هذا العدد لمتابعة حدث واحد على الإطلاق. ويدفع البعض تكاليف عالية كي يسافر ويحظى بحضور مباراة واحدة. وتأتي هذه الأهمية لكونها تستطيع توحيد مشاعر الكثيرين في مناطق مختلفة من الكرة الأرضية، ليبدو الانحياز للعبة عابرًا للقارات.
في اليمن يتفق الجميع على أن عامل الجذب الجماهيري لا يتوقف عن الاستمتاع فقط، إنما يأتي -أيضاً- بدافع التنفيس من الهموم اليومية، حيث فرضت الحرب حاجتها وظروفها.
وبين كل مباراة دولية وأخرى، تضج مواقع التواصل الاجتماعي بتفاعلات اليمنيين. يعلق عبد العزيز الفتح، وهو صحفي رياضي، عن أهمية كرة القدم في حديث لـ"خيوط" قائلاً: "نادراً ما يوجد شخص لا يعرف شيئًا عن كرة القدم، عكس بعض الألعاب الأخرى التي ستجد من يجهلها. كذلك يعزز وجود "السوشال ميديا" هذا الانتشار من خلال النقاش والجدل الذي يدور".
أما رئام مختار، وهي كاتبة يمنية، فتقول لـ"خيوط": "أحب متابعة كرة القدم، وأعتبرها أحد الفنون الجميلة التي تمنح شعورًا أفضل للبشر".
تفيد معلومات كرة القدم أن هناك ما يقارب 250 ألف لاعب حول العالم يمتهنون هذه اللعبة، ويوجد عدة أشخاص غيرت حياتهم بشكل جذري إلى الأفضل. هنا، في اليمن، خاض الكابتن أحمد السروري-بالرغم من صغر سنه- تجربة احترافية كبيرة تنقل خلالها بين البرازيل، والتشيك، ثم قطر، وعمان. تحدث السروري لـ"خيوط قائلاً: "كرة القدم غيرت حياتي للأفضل، ومن خلالها خضت تجارب كبيرة في وقت قصير. إلى الآن كل شيء ممتاز، لكن لا زلت أطمح للأفضل".
تردي كرة القدم اليمنية
وعلى ما في كرة القدم اليمنية من تراكم وقدرة على خلق قواعد جماهيرية وتنافس داخلي، إلا أن مستواها لم يرتقِ للتطلعات المطلوبة، ناهيك عن التوقف الكلي للأنشطة والمنافسات مع الحرب. يرى علي النونو، الذي احترف لسنوات في نادي المريخ السوداني، أن وراء هذا التردي "سوء التخطيط، والإدارة، وعدم وجود الكوادر الفنية التي تؤهل الشباب بشكل علمي".
ويعتبر النونو "أن هذا يلقي مسؤولية كبيرة على اللاعب اتجاه نفسه، ومجتمعه، ووطنه، كي يظهر بالمستوى المطلوب".
وينصح الهداف التاريخي للمنتخب اليمني الشباب بالاجتهاد أكثر للحصول على مستقبل يسعدهم، ويسعد كل من حواليهم. ويختتم متمنياً توقف الحرب وحياةً أكثر سلاماً لليمنيين.
من جانبه يقول رامي الوسماني، لاعب الأهلي بصنعاء، وقائد المنتخب الوطني للشباب، والذي سبق وأن حصل على تجربة احترافية في نادي ماس تابورسكو التشيكي: "إلى الآن تدرجت بين الفئات بشكل جيد، ولا زلت في البداية. أحاول التعلم من اللاعبين ذوي الخبرة، وأستفيد منهم للوصول إلى ما أطمح إليه".
وعن العائق الذي يعرقل كرة القدم اليمنية من التطور، يقول الكابتن أحمد السروري لـ"خيوط": "إذا استمر الإهمال هكذا، فمن المستحيل أن تتحسن كرة القدم في اليمن. وعلى الرغم من وجود مواهب ممتازة، لكن التطور يحتاج لدعم، واهتمام، ومشروع كامل، مثل ما هو الحال في كل دول العالم". بينما يرى الصحفي الرياضي عبد العزيز الفتح أن "مستوى كرة القدم في اليمن يؤلم القلب، والجميع يتحمل مسؤولية ذلك سواء الإداريين، أو اللاعبين أنفسهم".
يبقى أمام كرة القدم في اليمن مشوار ليس سهلاً للخروج من قمقمها، وذلك لأن تطورها مرتبط بانتهاء الحرب، وتطوّر المجالات الحياتية الأخرى. فمع المكانة التي تحظى بها هذه اللعبة، ارتبط اسمها بالربح عالمياً أكثر فأكثر، ليصبح الجمال الذي لا يرافقه عائد مادي جزئيًا وقاصرًا. ومن هذا المنطلق، يتم الاستثمار في كرة القدم ودعمها. ولذلك يبدو أن الكرة الرديئة لن تتوقف قريباً عن مرافقة هذه البلاد المنكوبة.