ضمن عدة إجراءات احترازية نفذتها كثير من حكومات العالم لمواجهة تفشي فيروس كورونا، قررت السلطات السعودية إيقاف موسم الحج لهذا العام (1441هـ) وإغلاقه في وجه الحجاج الوافدين من خارج المملكة بمختلف جنسياتهم، بينما استثنى القرار "عدد محدد" من داخل المملكة.
يشكل هذا الإجراء الاحترازي لمواجهة تفشي وباء كورونا كارثة اقتصادية للعاملين في قطاع الحج والعمرة في اليمن، إذ أغلقت عشرات المكاتب أبوابها منذ أن اتُّخذت إجراءات حظر السفر بين الدول، للحد من انتشار الفيروس، وكإجراء وقائي خوفاً من تفشّيه.
يخسر مئات العاملين في مكاتب الحج والعمرة وظائفهم، مرة بسبب الإغلاق وأخرى بسبب التفشي السريع للوباء في اليمن، في ظل تفكك الدولة الواحدة إلى سلطات متعددة في البلاد كنتيجة حتمية لخيار الحرب المستمرة منذ ما يقارب ست سنوات.
وتتوالى خسائر اليمنيين لمصادر دخلهم يوماً بعد آخر، في هذا القطاع الحيوي، الذي يرفد خزينة الدولة المجزأة، بجزء من عائدات نشاطه. ويضاعف هذا الموسم الموبوء معاناة أصحاب المكاتب المتخصصة بالعمل في هذا المجال، ويضيف رقماً كبيراً من الموظفين إلى سجلات البطالة، ممن يعملون في تلك المكاتب في هذه الخسارة الاقتصادية، حيث لا دولة تمنحهم تعويضات مناسبة مقابل ذلك الفقدان، ولا فرص جديدة سيحصلون عليها في بلد دمرته الحرب، وضاعف وباء كورونا مأساة مواطنيه.
المئات من موظفي شركات ومكاتب الحج والعمرة في اليمن فقدوا مصادر دخلهم الأساسية والوحيدة التي يعتمدون عليها في حياتهم المعيشية، حيث لا فرص عمل متاحة
خسائر بلا تعويضات
محمد الشاذلي، واحد من مئات الموظفين الذين فقدوا أعمالهم نتيجة لإغلاق مكاتب الحج والعمرة أبوابها هذا الموسم، بسبب تفشي وباء كورونا. قال الشاذلي لـ"خيوط" إنه حتى مع استمرار الحرب منذ سنوات كانت المكاتب تعمل، رغم الضرر الذي ألحقته الحرب بهذا القطاع، حيث صار العمل أخفّ بكثير من الأعوام التي سبقت الحرب، لكن تفشي وباء كورونا أغلق المكاتب نهائياً، خاصة مع التدابير التي اتخذتها سلطات الحج والعمرة.
لذا يفقد الشاذلي وغيره المئات من موظفي مكاتب الحج والعمرة في اليمن مصادر دخلهم الأساسية والوحيدة التي يعتمدون عليها في معيشتهم، حيث لا فرص عمل جديدة، ولا جهات رسمية ستدفع تعويضات لخسائرهم الفادحة التي تعرضوا لها.
وإضافة إلى مشاكل الإغلاق، يشير نبيل الزرقة الذي يدير أحد تلك المكاتب في حديث لـ"خيوط"، إلى التزامهم واستمرارهم بدفع إيجارات المكاتب، وتراكم الجبايات التي كان يتم تحصيلها منهم، وأنه سيتم -وفق حديثه- دفعها لاحقاً.
يأمل الزرقة أن يتم مراعاة فترة الإغلاق، فلا تحصّل منهم إيجارات ولا جبايات، نظراً للأوضاع التي لحقت بهم من ضياع موسم كامل لتفويج الحجاج والمعتمرين.
خدمات متصلة
كان هناك شريحة كبيرة من الناس يستفيدون من الموسم السنوي الحالي، ممن يقدمون خدماتهم للحجاج أو المعتمرين، كشركات الطيران التي تعمل على نقلهم، وكذلك بعض مكاتب السفريات التي تمتلك أسطولاً من الباصات الكبيرة للنقل الجماعي البري، حيث يفقد العاملون في تلك القطاعات مصادر دخلهم، وعملياً هم فقدوا أعمالهم مطلع فبراير/شباط 2020، عندما أعلنت السلطات السعودية إلغاء جميع تأشيرات العمرة، وشددت في تعميمها الصادر في وقت سابق من هذا العام على شركات الطيران ومكاتب النقل البري، وذلك ضمن خططها لمواجهة تفشي وباء كورونا.
علي شمسان، كان يعمل سائقاً لأحد باصات النقل الجماعي بين اليمن والسعودية، يؤكد لـ"خيوط" أن إغلاق المنافذ الحدودية بسبب تفشي وباء كورونا، وإيقاف جميع الرحلات، أفقدهم أعمالهم وحولهم إلى رصيف البطالة، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد وانعدام فرص العمل.
وانضم فيروس كورونا إلى الحرب في القضاء على ما تبقى من مصادر للدخل، رغم كل المخاطر المحدقة بالمواطنين في اليمن، وعدم ضمان حقوقهم، خلافاً لما هو حاصل في كثير من البلدان، التي اتخذت إجراءات احترازية لمواجهة الوباء، كالمنع والإغلاق وتعويض كل المواطنين الذين تضرروا من سياسة مواجهة الجائحة، نتيجة لما فقدوه في فترة الحجر المنزلي.
ولم تكترث السلطات سواء في الحكومة المعترف بها دولياً، أو التابعة لأنصار الله (الحوثيين) لهذه الأضرار التي ستلحق بالعاملين في هذا القطاع المهم، سواء مكاتب سفريات وشركات طيران، أو وكالات الحج والعمرة، وكل العاملين في تلك المكاتب والشركات أو الوكالات. يقف تفشي وباء كورونا حجر عثرة في طريق موسم الحج لهذا العام، وكذلك على مئات العاملين في هذا القطاع.
استهداف أحد الأركان
كثير من المواطنين، خصوصاً كبار السن ممن كانوا ينوون أداء فريضة الحج هذا العام، يعتبرونه عاماً غير مكتمل الأركان، ويخشون من فوات العمر دون حج.
لا يعرف هؤلاء المواطنين تفاصيل جائحة كورونا، ولا يتابعون الجانب العلمي والاقتصادي من الجائحة، ولذلك يعتبر ناجي، وهو رجل مسنّ، في حديثه لـ"خيوط"، أن إغلاق موسم الحج لهذا العام، خاصة على الجنسيات الوافدة من خارج السعودية، "مؤامرة تستهدف أحد أركان الإسلام".
ناجي الذي كان قد جمع تكاليف الحج كاملة له ولرفيقة دربه، لتأدية فريضة الحج، تفاجأ من قرار منع الحجاج الوافدين بسبب تفشي وباء كورونا، ولم يكن يتوقع هذا الإجراء، حيث يخشى ناجي وزوجته من أن يدركهم الموت، ولم يكونوا قد أدّوا فريضة الحج، الذي أصبح أمنيتهم الوحيدة بعد أن تقدم بهم العمر.
ومثلهما عقيل، رجل في العقد السادس من عمره، قال لـ"خيوط" إنه كان قد عزم على أداء فريضة الحج هذا العام، لكن يشعر بالحسرة لأن تفشي فيروس كورونا حال بينه والوصول إلى الأراضي المقدسة.
واعتاد كثير من اليمنيين على إقامة تقاليد اجتماعية في موسم الحج، حيث تحتفي أسرة كل حاج تزامناً مع بدء الموسم، حيث يرافق سفر كل حاج أهازيج شعبية وأدعية مأثورة، وتقام مراسيم وداع كل حاج، من أسرته وبعض من معاريفه داخل منزله قبل سفره.
المواطن فؤاد الخولاني من سكان صنعاء، يقول لـ"خيوط" إنه يتم نصب ما يعرف (بالمدرهة) أمام منزل كل حاج، وتتناوب النساء والأطفال في الحي من جيران منزل الحاج على اللعب بها. وتنصب هذه الأرجوحة عند مغادرة الحاج منزله نحو الأراضي المقدسة، حتى عودته بالسلامة منها بعد أدائه فريضة الحج. وعند عودة أي حاج سالماً، تطلق الألعاب والأعيرة النارية في الهواء ابتهاجاً بسلامته، وتطلق النساء الزغاريد حال دخوله المنزل، وفي اليوم الثاني وما تلاه يستقبل الحاج أهله ومعارفه من المهنئين بعودته سالماً من أداء هذه الفريضة الغائبة هذا الموسم.