يُقال في اليمن من باب الطرفة "يَدفنُ الرجل زوجته وهو يفكّر بمن يتزوج بعدها". هذه الطرفة لم تأتِ من فراغ، فكثير من الرجال يرتبط قبل أن يجفّ قبر زوجته، إمّا تحت مبرر إيجاد امرأة لرعاية الأبناء أو للاهتمام بالأبوين أو غيرها من المبرّرات. أمّا في المجتمع الريفي، فلكي تغطّي الفراغ الذي تركته الزوجة السابقة من زراعة وريّ ورعي وغيره، فيجد الرجل في كل الأحوال مبرراً لزيجة جديدة يحتفل بها على ذكرياته السابقة، بينما المرأة تموت بموت زوجها.
في اليمن، وفي المجتمعات الريفية خصوصاً، إذا ما توفّي الرجل، فإن زوجته تُحرم من الزواج طيلة حياتها، تحت العديد من المبررات، أكثرها غرابة هو الوفاء للفقيد؛ هذا الوفاء مستحق عليها اجتماعياً حتى وإن كانت في بدايات عمرها، ويُفرض عليها حتى وإن كانت لا تزال لديها رغبة بالزواج، لتلبية حاجتها العاطفية والبيولوجية. تتزوج أخواتها من بعدها، وينجبن، ويفرحن بأولادهن ويشاهدن أحفادهن، وهي لا تزال تحت نظر المجتمع، يحرسها بعاداته ويحاصرها بالعُرف القاتل للحب والحياة.
تموت المرأة كل يوم بعد موت زوجها، تموت وهي ترى ملامحها تتقدم بفعل دوران الزمن، دون أن تتمكن من إعادة تجربة الزواج، والظفر بفرصة جديدة لتشكيل أسرة وعائلة، وفي كل يوم يمضي، تترحّم على الفقيد علانيةً، وتلعن العادات والتقاليد في سرها؛ تلك العادات والتقاليد التي حرمتها من الحياة، وأبقتها مجرد آلة لخدمة أفراد العائلة، وكأنها بلا طموح، بلا قلب، وبلا روح.
لا شك أن الأمر يختلف هنا بين امرأة اختارت طواعية أن لا تتزوج بعد رحيل زوجها، نظراً لحبها الشديد له، أو لأنها فضّلت الاهتمام بأبنائها ورعايتهم، أو لغيرها من الأسباب الخاصة بها، وبين امرأة تُمنع من الزواج وهي لا تزال ترغب بتكرار التجربة، فالتدخل في خصوصيات المرأة يصنع حالتين لا تقل إحداهما ظلماً عن الأخرى: إرغامها على زواج آخر، أو منعها من الزواج.
إذن، قرار زواج المرأة بعد موت زوجها، يجب أن يكون متروكاً لها، ولتقديرها للحياة، ذلك التقدير الذي يقدّم مصلحتها ومصلحة أبنائها، إن وجدوا، على مصلحة الأهل والعشيرة والعادات والتقاليد.
إضافة إلى ما تعانيه المرأة اليمنية من تدخل في خصوصياتها، فقد ضاعفت الحرب الدائرة معاناتها، فكل فقيد بسبب هذه الحرب؛ يترك خلفه امرأة فقيدة
وبالرغم من أن الشائع في المجتمع اليمني منع المرأة من تكرار الزواج بعد وفاة زوجها؛ إلا أن هذا لا يعني أن إجبارها على الزواج أيضاً غير موجود، لا سيّما ذلك الإجبار الذي يأتي في إطار زواج الأقارب، وفي هذه الحالة عادةً ما يتم تزويجها بشقيق زوجها، تحت مبرر رعاية الأبناء، ويسمّى ذلك في اليمن بـ"الاستخلاف"، أي استخلف الرجل زوجة أخيه بعد موت زوجها، وفي كل الأحوال يُعتبر هذا موتاً للمرأة وليس زيجة لها، وهي بذلك لا تختلف عن تلك التي مُنعت من الزواج، وفي كلتا الحالتين، تموت المرأة في اليمن بموت زوجها.
إضافة إلى ما تعانيه المرأة اليمنية من تدخل في خصوصياتها، فقد ضاعفت الحرب الدائرة معاناتها، فكل فقيد بسبب هذه الحرب؛ يترك خلفه امرأة فقيدة، حتى وإن بقيت على قيد الحياة.
ولعلّ من بين أفظع القصص التي حدثت خلال الحرب، قصة الفتاة التي بلغها أن زوجها المقاتل ضمن طرف من أطراف الصراع في اليمن، قد قُتل ولم يتم التعرّف على جثته، وبعد عام ونصف من هذا الخبر، تم إبرام صفقة تبادل أسرى، ليظهر هذا المقاتل أسيراً لدى خصومه، وعند عودته إلى قريته تفاجأ بأن زوجته قد تزوجت أخاه وأنجبت منه طفلاً، لتتحول فرحة عودته إلى صدمه للأخوين والزوجة، ومثل هذه القصص المأساوية تتكرر في اليمن.
هذه الحرب التي ضاعفت عدد القتلى، ضاعفت أيضاً عدد النساء القتيلات. الفرق أنهن لا يُقتلن في المواجهات العسكرية مثل أزواجهن، إنما بزيجة أخرى أو بمنعهن من الزواج مدى الحياة، إذ لا فرق في اليمن بين أن يموت زوج المرأة أو يُقتل، فالمجتمع قد حكم عليها مسبقاً بالموت البطيء أو القتل عمداً.