صنعاء تغرق بالدراجات النارية

وجه آخر للفقر وكوارث الحرب
عبدالكريم عامر
June 17, 2020

صنعاء تغرق بالدراجات النارية

وجه آخر للفقر وكوارث الحرب
عبدالكريم عامر
June 17, 2020

لم تشهد صنعاء في كل مراحل عهدها الحديث، أن انتشرت الدراجات النارية فيها مثل الفترة الحالية، والتي بدأت منذ أواخر العام 2014، بعد أن تم حظرها نهائياً في تلك الفترة نتيجةً لارتفاع حوادث الاغتيالات، التي كان ينفّذ معظمها أشخاص يستقلون دراجات نارية.

ومع تدهور الوضع في البلد على كافة المستويات بسبب الحرب والصراع الدائر منذ ما يزيد على خمس سنوات، خسر كثير من اليمنيين وظائفهم وفقدوا أعمالهم ومصادر دخلهم الرئيسية.

وبسبب ما آلت إليه الأوضاع المعيشية المتدهورة كان على الكثير من اليمنيين ممن فقدوا أعمالهم، وخاصة موظفي الدولة سواءفي الجهاز الإداري أو بعض المنتسبين إلى السلك العسكري والأمني، الاتجاه صوب العمل على الدراجات النارية، التي أصبحت مصدراً رئيسياً يعتمد عليه كثير ممن فقدوا أعمالهم ورواتبهم.

ويلاحظ انتشارها بشكل لافت في صنعاء التي أصبحت مدينة الدراجات النارية، لكثرة استخدامها، في صورة تعبيرية تجسد حالة الفقر والبطالة المتضخمة بشكل كبير، بسبب الحرب الدائرة في البلاد، والذي طال أذاها لقمة عيش الناس ومصادر رزقهم وحياتهم.

 يعد النزوح أحد أبرز مآسي الحرب، التي تسببت في تشريد الناس من مدنهم وقراهم إلى مدن وقرى أخرى، فكانت الدراجات النارية ملاذ الكثيرين منهم لكسب لقمة العيش

مصدر للعيش

كان محمد الكوكباني، وهو أحد موظفي الجهاز الإداري في الدولة، ضمن عشرات الآلاف ممن فقدوا وظائفهم ومصدر عيشهم الرئيسي، وقد أجبرته الظروف على الخروج للبحث عن عمل في ظل أوضاع معيشية صعبة.

يقول الكوكباني لـ"خيوط"، إنه بحث طويلاً عن عمل فلم يجد، وبعد استنفاد كل الخيارات المتاحة، استلف مبلغاً من المال لشراء دراجة نارية للعمل عليها، لكي يوفر مصاريف أسرته المكونة من سبعة أفراد.

وأضاف أنه يعمل على دراجته ابتداءً من الصباح كل يوم؛ في بعض الأيام يكون العمل جيداً، بينما يعود أيام أخرى إلى بيته بمصروفه الشخصي وما تحتاجه الدراجة من وقود، وخاصة في ظل الوضع الراهن مع تفشي فيروس كورونا في صنعاء، والتزام كثير من الناس الحجر المنزلي، فالحركة أصبحت محدودة جداً.

في معظم مناطق العاصمة صنعاء وشوارعها ومداخل أسواقها، هناك تجمعات لأصحاب الدراجات النارية، وهو ما لم يكن ملاحظاً قبل العام 2014. لقد دفعت الحاجة الناس إلى اعتماد الدراجات النارية مصدر دخل أساسي لتأمين لقمة عيشهم، نتيجة غياب دور الدولة وتوقف الرواتب.

في السياق، يقول شكيب خالد لـ"خيوط"، وهو نازح من تعز لديه دراجة نارية يعمل عليها" "الحرب أكلت أيامنا. تشردنا مرتين، مرة حين نزحنا من مدينتنا، ومرة حين انقطعت رواتبنا". كان شكيب يعمل مدرساً.

وفقاً لحديثه، فقد اشترى دراجة نارية لتوفير ما تيسر من الدخل لأسرته، وبعض المتطلبات اليومية مثل الأدوية لوالديه الطاعنين في السن، اللذين يعانيان من "بعض الأمراض المزمنة".

سالم عمر، الذي اعتاد الوقوف بدراجته النارية في ركن أحد الشوارع منتظراً زبوناً ما، هو أحد النازحين الذين شردتهم الحرب، من مدينة الحديدة بمعية أسرته المكونة من 11 فرداً قبل حوالي عامين، وأصبح يعمل على دراجته النارية لتأمين لقمة عيش أسرته.

يؤكد سالم لـ"خيوط" أن الأوضاع لم تعد مجدية، خاصة مع تفشي الفيروس الخطير (كورونا)، وهو ما حدّ من حركة البشر داخل صنعاء. سالم وغيره آلاف من سائقي الدراجات النارية غير مكترثين للفيروس، فالبعض منهم لا يتبعون إجراءات السلامة المفترضة، مثل لبس الكمامات، وارتداء القفازات واستخدام المعقمات.

ودفع الإقبال على الدراجات النارية إلى ارتفاع غير مسبوق بأسعارها، حيث تتراوح أسعارها ما بين 400 ألف - 800 ألف ريال، (قرابة 1500 دولار)، وذلك بحسب نوعية الدراجة من حيث بلد المنشأ، وقوة الدراجة، وشهرة بعض الأنواع وكثرة استخدامها، كما قال أحمد مجاهد لـ"خيوط"، الذي اشترى دراجة نارية مؤخراً للعمل عليها.

 يُشاهد في الآونة الأخيرة مظاهر لم تكن مألوفة، حيث يحمل من فترة لأخرى بعض سائقي الدراجات النارية نساءهم على متن تلك الدراجات، وهو ما لم تعرفه صنعاء من قبل، وأحياناً ما تكون الأسرة بأكملها على ظهر تلك الدراجة

مخاطر الدراجات

لا تخلو هذه الوسائل التي أصبحت وسيلة للعيش من المخاطر، إذ تُعد أحد أبرز مصادر الحوادث المرورية في أغلب المدن اليمنية، حيث لا تعافي بعد الإصابة بحوادث الدراجات النارية، فمصير غالبية ضحايا الحوادث التي يتعرض لها سائقو الدراجات النارية أو ركابها، الإعاقة أو الموت.

في هذا الصدد يتحدث الدكتور أكرم الشرجبي لـ"خيوط"، وهو متخصص في جراحة وكسور العظام. يقول الشرجبي إن نسبة كبيرة ممن يتعرضون لحوادث عبر الدراجات النارية يصابون بإعاقات دائمة وخطيرة، سواء كانوا هم المتسببين بالحادث أو اعترضت طريقهم مركبات أو أشخاص، ففي كلا الحالتين تكون الأمور خطيرة جداً.

ويشير الشرجبي إلى أن الدراجات تفقد توازنها بسهولة حتى ترتطم بالجسم الذي اعترض طريقها، ما يسبب حوادث تكون نتائجها كارثية، وأحياناً تؤدي تلك الحوادث إلى الوفاة.

كما ظهرت في الآونة الأخيرة مظاهر لم تعتدها صنعاء إطلاقاً، حيث يحمل من فترة لأخرى بعض سائقي الدراجات النارية نساءهم على متن تلك الدراجات وهو ما لم تعرفه صنعاء من قبل، وأحياناً ما تكون الأسرة بأكملها على ظهر تلك الدراجة، زوجة سائق الدراجة وأطفالهم، متنقلين من مكان إلى آخر، في مشهد تبدو عليه الاضطرارية أكثر من أي سبب آخر.

 بالمقابل، يلاحظ أن هناك تهوراً كبيراً من قبل بعض سائقي الدراجات النارية، خصوصاً الشباب، من حيث السرعة الزائدة والتجاوزات الخطيرة، ما يتسبب في إرباك سائقي السيارات، وإعاقة حركة السير، خاصة مع تزايد أعداد الدراجات النارية داخل المدينة، وهو ما جعل كثيراً من سائقي المركبات يشتكون من خطورة الاصطدام بأي دراجة نارية، لأن غالبية حوادث الدراجات النارية تكون كارثية عليهم.

وفي هذا الإطار، عملت شرطة المرور في أمانة العاصمة صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سلطة حكومة صنعاء على ترقيم جميع الدراجات النارية مقابل رسوم معينة، بحيث يسهل متابعة تحركات البعض والحد من انتشار الجريمة كالاغتيالات التي كانت تنفذ في السابق، أو جرائم السرقات التي كانت تنفّذ خاصة من "نشّالي" حقائب النساء، حيث اختفت مثل تلك الجرائم إلى حدّ ما.

وأدى ذلك بالكثير من ملاك الدراجات النارية إلى ترقيم دراجاتهم، وتم إلزامهم بذلك، حيث كان القرار بدرجة رئيسية يركز على منع حوادث الاغتيالات.

كما اعتمد القرار معاملة الدراجات النارية كالمركبات من حيث الالتزام بقواعد السير، واحترام إشارات المرور، وخضوعهم للعقوبات في حال ارتكاب أي مخالفة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English