في الوقت الذي تعاني فيه السلطات الصحية والرسمية في جميع المحافظات اليمنية، التي تشهد تفشياً متزايداً لفيروس كورونا، من ارتباك وعجز كبيرين، يواصل اليمنيون كفاحهم في التصدي للفيروس وتلقي ضرباته الموجعة. إذ كانت المواد الطبيعيةمثل الأعشاب والبهارات والتوابل وبعض أصناف الخضروات والفواكه، وما زالت، سلاحهم الرئيس في المكافحة ومقاومة الفيروس.
يواصل الفيروس تسلله بكثافة في أغلب المدن الرئيسية اليمنية سواءالخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً أو التابعة لحكومة أنصار الله(الحوثيين)، مع تضرر كبير في الوسط الطبي الذي تتهادوى فيه بشكل مستمر، نخبة من أفضل أطباء اليمن، والذين قرروا البقاء والتصدي للفيروس ومساعدة الناس في ظروف صعبة، رغم افتقادهم لأبسط المستلزمات الطبية الوقائية لحمايتهم.
وترافق انتشار الفيروس نوبات هلع وقلق تدبّ في أوساط المجتمع، وهناك حالات عديدة تعرضت للإصابة بالفيروس وتمكنت من التغلب عليه بدون الحاجة للذهاب إلىمراكز الحجر الصحية الرسمية، بينما عجزت حالات أخرى عن الصمود بسبب بعض الأمراض المزمنة التي تعاني منها، حسب مصادر طبية وبعض الحالات التي اطلعت عليها"خيوط".
ومنذ اليوم الأول لعيد الفطر المنصرم، بدأ انتشار الفيروس بشكل واسع،بما في ذلك في صنعاء، التي ارتأت السلطات الصحية فيها التوقف عن نشر أي أرقام أوبيانات عن حجم انتشاره تجنباً للهلع الذي قد يصيب المجتمع، بينما تسجل حضرموت وتعزمعدلات ارتفاع تدريجية مع وصوله إلى بعض المناطق الريفية، كما هو حاصل في المسراخ بتعز، التي سجلت السلطات الطبية المحلية فيها أعداد إصابة بالفيروس تزيد على 20حالة خلال 24 ساعة.
مع وصول القدرةالاستيعابية للمستشفيات التي تم تخصيصها لاستقبال الحالات المصابة بفيروس كورونا إلى نهايتها، تدرس السلطات المعنية تخصيص مرافق عامة أخرى وإصدار توجيهات للمستشفيات الخاصة باستقبال الحالات المصابة بالفيروس.
ارتفاع مضطرد للحالات
في السياق، كشفت مصادر طبية رسمية في صنعاء، فضلت عدم ذكر هويتها، أن هناك امتصاصاً للضربة الثالثة لفيروس كورونا بعد ضربتين موجعتين، بدأت الأولى مطلع شهر رمضان المبارك، وكانت الضربة الثانية الأكثر إيلاماً في انتشار الفيروس معنهاية شهر رمضان وفترات العيد، نتيجة عدم التزام الناس بالتعليمات والتحذيرات التي أطلقتها الجهات المختصة، واستمرارهم غير عابئين بهذه التحذيرات في التعامل مع عادات وتقاليد العيد، والزيارات العائلية، والتجمعات في المنازل وفي الأسواق وفي أماكن متعددة.
وأكدت هذه المصادر لـ"خيوط"، حدوث انتشار في نطاقات محددةللأعراض القاتلة للفيروس، وظهور ما يشبه "البؤر" في بعض المناطق، والتي قالت المصادر إن "الجهات الصحية المعنية تدخلت لمكافحتها"، وقامت ببعضالإجراءات الوقائية الاحترازية مثل الرش والتعقيم، مع الاستمرار في تنفيذ بعض القرارات مثل إغلاق المطاعم والحدائق والمتنزهات وصالات الأعراس، وإجراءات أخرى.
وبخصوص الضربة الثالثة التي تم امتصاصها، تحدثت هذه المصادر الطبيةأنها كانت نهاية الأسبوع الثاني للعيد، إذ لوحظ حسب تأكيداتها تراجع طفيف للحالات المصابة، والتي كانت وصلت إلى مرحلة عدم القدرة على التنفس وأصبحت بالتالي بحاجةإلى التوجه للمستشفيات.
ومع وصول القدرة الاستيعابية للمستشفيات التي تم تخصيصها لاستقبال الحالات المصابة بفيروس كورونا في صنعاء إلى نهايتها، تدرس السلطات في صنعاء،تخصيص مرافق عامة أخرى، وإصدار توجيهات للمستشفيات الخاصة باستقبال الحالات المصابة بالفيروس، وهو قرار ستكون له عواقب سلبية عديدة وفق مصادر طبية، إذ قدتكون "مغامرة" تضرّ كثيراً القطاع الصحي والطبي الذي يعاني في الأصل منمشاكل وإمكانيات محدودة للغاية، وقد يساهم مثل هذا القرار في انتشار أكبر للفيروسوضرب المنشآت الطبية التي لن تستطيع بعد ذلك تقديم أي خدمات طبية أخرى للمواطنين.
من جانبه، أفاد مصدر في وزارة الصحة والسكان في الحكومة المعترف بهادولياً، وهو أحد أعضاء اللجنة العليا لمكافحة الأوبئة، بأن الوضع في مناطق الحكومةالمعترف بها خصوصاً في عدن وحضرموت وتعز، يتفاقم، وأن هناك ما يشبه"الانفلات" في تعز التي تشهد ارتفاعاً تدريجياً متواصلاً للحالاتالمصابة بالفيروس.
وقال هذا المسؤول في اتصال هاتفي أجرته معه "خيوط"، إن الوضع في عدن ما يزال تحت مستوى الخطورة البالغة مع تسلم منظمة "أطباء بلاحدود" البلجيكية إدارة المستشفى الجمهوري بعدن، بعد منظمة "أطباء بلاحدود" الفرنسية، التي تسلمت منذ نحو شهر إدارة مستشفى الأمل التخصصي، الذي يعتبر أحد مراكز الحجر الرئيسية المخصصة من قبل السلطات الصحية في الحكومة المعترف بها دولياً لاستقبال الحالات المصابة بفيروس كورونا في عدن.
وحسب آخر تحديث للحالات صادر عن اللجنة العليا لمكافحة الأوبئة في الحكومةالمعترف بها دولياً، فإن عدد حالات الإصابة في مناطق نفوذها وصل إلى 484 إصابة،بينها 112 حالة وفاة، و23 حالة تعافٍ.
بدوره يرى الدكتور عبدالقادر الجنيد أن اليمن، مثلها مثل كل الفقراءالذين يرزحون تحت وطأة ضربات الفيروس، لأربعة أسباب ذكرها في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، والتي يأتي في مقدمتها الافتقاد للخبرات في مكافحة الأوبئة، ورداءة المستشفيات والمرافق الصحية، وعدم وجود قيادة سياسيةوصحية، إضافة إلى عدم انضباط الناس، وفوق ذلك حرب أهلية ونزوح وانفلات، وهو مايجعل اليمن في عين العاصفة لفيروس كورونا وتتلقى الضربات كاملة.
إجراءات إضافية
في إطار إجراءاتها المتخذة لمكافحة انتشار الفيروس، أعلنت السلطات الصحية والطبية، سواء في الحكومة المعترف بها دولياً أو التابعة لحكومة صنعاء،تنفيذ عدد من التدابير الوقائية والقرارات الخاصة بتعزيز قدرات القطاعات الصحيةوالطبية بالتعاون مع المنظمات الأممية المتخصصة.
وأقرت اللجنة الوطنية العليا للطوارئ لمواجهة وباء كورونا المستجد في الحكومة المعترف بها دولياً في اجتماع خاص برئاسة رئيس الحكومة معين عبدالملك، إجراءات إضافية تتعلق بتعزيز قدرات القطاع الصحي لمواجهة جائحة كورونا، وبينها توفير المستلزمات الطبية والوقائية، وأجهزة التنفس الصناعي والفحوصات، إضافة إلى آليات تعزيز التنسيق مع المنظمات الأممية والدولية لتوفير الاحتياجات بحسب الأولويات.
ووجهت وزارات الصحة العامة والسكان والتخطيط والتعاون الدولي والخارجية بمتابعة ملف التنسيق مع المنظمات وشركاء اليمن فيما يخص مواجهة وباء كورونا، وتحديد الاحتياجات وفقاً للأولويات وفي مختلف المحافظات، وعلى ضوء نتائج مؤتمر المانحين لليمن 2020 الذي نظمته مؤخراً السعودية بالشراكة مع الأمم المتحدة.
وحسب ما ورد في الوكالة الرسمية "سبأ"، النسخة الصادرة عنالحكومة المعترف بها دولياً، فإن اللجنة اطّلعت على التقرير المقدم من رئيس اللجنةنائب رئيس الوزراء سالم الخنبشي ووزير الصحة العامة والسكان الدكتور ناصر باعوم،حول مستجدات الوضع العام والصحي وعمل اللجنة، إضافة إلى المتابعات الجارية لتعزيز مراكز العزل والحجر الصحي، وتوفير الاحتياجات الطبية لمواجهة كورونا.
ولفت نائب رئيس حكومة عدن سالم الخنبشي إلى أنه وبالتعاون مع الأمما لمتحدة تم استقبال فريق شركة مديكال أسبن، وبحث الخيارات القائمة معهم لإقامةمستشفى بسعة 100 سرير، خاص بمرضى كورونا المستجد، خلال الفترة القادمة.
وتعاني مناطق الحكومة المعترف بها دولياً من نقص مادة الأكسجين فيعدد من المحافظات، ووجهت وزارة الصحة العامة والسكان بهذا الخصوص، بشراء كميات من أسطوانات الأكسجين بشكل عاجل، وتوزيعها على المحافظات التي تعاني من نقص فيها، كماوجهت باستكمال النقاشات والترتيبات لتركيب مصانع الأكسجين المقدمة من دولة الكويت.
وبدأت هذه المناطق استقبال دفعات من العالقين في الخارج، حيث تم استقبال العالقين القادمين من كل من الأردن وجيبوتي والإمارات والسعودية، وتجري الترتيبات لاستكمال عملية الإجلاء والشروع بنقل العالقين من مصر والهند، وسط تحذيرات من أن بعض العائدين قد يكونوا مصابين بالفيروس. وشكا بعض العائدين من الخارج، خصوصاً من السعودية عبر منفذ الوديعة بمنطقة العبر في حضرموت شرق اليمن،من ما سموها الإجراءات التعسفية في المنفذ، والرسوم الباهظة المفروضة على كل عائد،والتي وصلت إلى 1500 ريال سعودي، وهو ما دفع بالجهات الحكومية المختصة إلى توقيف المسؤول التابع للقنصلية اليمنية في المنفذ وإحالته إلى التحقيق.
واستقبلت محافظة حضرموت التي تشهد ارتفاعاً في أعداد الحالات المصابة بفيروس كورونا مساعدات طبية صينية لمواجهة الفيروس، بينها محاليل مخبرية تكفي 20 ألف شخص في وادي وصحراء حضرموت، بعد أيام من نفادها في المنطقة الموبوءة، الحدودية معالسعودية.
وذهب جزء اَخر من المساعدات الطبية الصينية إلى مناطق وادي حضرموت،متضمنة مجموعة اختبارات الحمض النووي لحوالى 20 ألف شخص، إضافة الى 10 آلاف كمامةوN95 و50 ألف كمامة عادية، و15 ألف نظارة طبية خاصة، وقفاز لوقايةالطواقم الطبية.
عمليات الرش لتعقيم الأماكن العامة في المدن الواقعة تحت سيطرة كلا الحكومتين، صنعاء وعدن، تستهدف أكوام النفاياتبدون رفعها، ما يجعل الجدوى من عملية التعقيم ضئيلة، ويثير التساؤلات حول تكامل الأدواربين السلطات الصحية والمحلية
سياسة عدم التهويل
في صنعاء قال وزير الصحة في حكومة أنصار الله (الحوثيين) طه المتوكل،إن تجربة حكومته في مواجهة فيروس كورونا المستجد، "تثبت نجاحها يوما بعد آخر"،وإن "الشركات اليمنية في صنعاء بدأت في إنتاج الأدوية التي يفتقدها السوق"،لكن دون الإشارة مجدداً إلى مصير التجارب والأبحاث بشأن اكتشاف دواء للوقاية منالفيروس، الذي تحدث عنه المتوكل في تصريحات سابقة.
وشدد المتوكل على أهمية اعتماد "سياسة طمأنة المريض والمجتمع،وعدم الانسياق وراء سياسة التهويل وتحويل الإنسان إلى رقم يضاف إلى أرقام"-حسب تعبيره.
وأضاف أن "الصدمة النفسية التي صنعها قادة سياسيون ووسائل إعلامحول كورونا تقف وراء الكثير من الوفيات في العالم".
وناقشت اللجنة العليا لمكافحة الأوبئة في صنعاء، مع منظمة "أطباء بلا حدود" الإسبانية، الاحتياجات الأساسية لمساندة اليمن والقطاع الصحي في مواجهة فيروس كورونا.
وذكرت وكالة "سبأ" الرسمية بنسختها الخاضعة لحكومة صنعاء،أن اللقاء "ركز على الجوانب المتصلة بالاستفادة من الدعم المقدم في توفيرالخدمات على المستوى الوطني، والتركيز على دعم الكوادر الوطنية، وتوفير وسائل الوقاية الشخصية والمعدات والتجهيزات والفحوصات والأدوية للمرضى، وتوفير الحوافز لكل الكوادر الصحية، والمساعدة في المراكز الصحية".
في ذات السياق، أغلقت عمليات الطوارئ بمكتب الأشغال بأمانة العاصمة صنعاءومديرية السبعين مجمع وأسواق شميلة التجارية، بسبب "عدم التزامها بالإجراءات الاحترازية للوقاية من وباء كورونا".
ودشنت لجنة غرفة عمليات الطوارئ لمكافحة الأوبئة بأمانة العاصمةصنعاء رش وتعقيم عدد من مواقف النقل (مواقف الحافلات) ضمن الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا.
وأكد وكيل الأمانة المساعد عبدالله الحجري في تصريحات صحفية أثناء التدشين، عدم التهاون مع المقصرين في تنفيذ الإجراءات الاحترازية سواء في مكتب النقل أو متعهدي المواقف.
واستهدف الرش والتعقيم خمسة تجمعات لمواقف النقل داخل مدينة صنعاء،تضم 25 خط سير ومجمعين اثنين، لمواقف النقل بين المحافظات.
وتجدر الإشارة إلى أن عمليات الرش لتعقيم الأماكن العامة في المدن الواقعة تحت سيطرة كلا الحكومتين، صنعاء وعدن، تستهدف أكوام النفايات بدون رفعها،ما يجعل الجدوى من عملية التعقيم ضئيلة، ويثير التساؤلات حول تكامل الأدوار بين السلطات الصحية والمحلية.