تواجه البيئة النباتية في اليمنخطراً حقيقياً بسبب ظاهرة التحطيب الجائر،الذي تضاعفت حدته خلال سنوات الحرب الخمس بشكل كبير.
وقد أدت أزمات انعدام الوقود،وارتفاع سعره، وخاصة مادة غاز الطبخ المنزلي، طوال أعوام الحرب الـ5 ، في عموم المدن اليمنية والأرياف، إلى تضاعفزيادة الطلب على مادتي الحطب والفحم، كبديل للغاز. لكن هذه البدائل، تكاد تقضي علىالأشجار في البلاد بشكل نهائي، سيما تلك الأشجار المعمرة لعشرات السنين.
السلطات المعنية في اليمن، مدعوةلإنقاذ ما تبقى من الأشجار، التي طالتها معاول القسوة والجور بصورة لم تشهدهاالبلاد طوال تاريخها. ومع دخول مناشير الخشب الكهربائية الحديثة ووصولها إلى أيادي"الحطّابين"، تكون البيئة النباتية في اليمن على وشك التعري التام.
كميات هائلة على طول الطُرُق
يشاهد القادمون من المحافظاتالمختلفة إلى صنعاء، على جانبي الطريق، الكميات الهائلة من الأحطاب المرصوصة علىامتداد الطُرُق، بعد أن بات التحطيب، غير المرشّد، مهنة لدى كثير من الفئاتالفقيرة والمتوسطة (سكان البوادي)، ولدى الكثير من أهالي الريف، خصوصاً أولئكالساكنين بالقرب من الطًرُق الرئيسية، المؤدية إلى المدن الكبيرة، كصنعاء وعدن، وتعز،وإب وذمار، والحديدة، وباجل، وعمران، وحجة، وصعدة وغيرها.
في السنوات الأخيرة، اعتمدت الأفرانوالمطاعم والبيوت في المدن على الحطب بشكل كبير. وصارت أفران الخبز، بأنواعه، تعملبالحطب بدلاً عن الغاز أو الديزل كما كانت في السابق، حيث تستجلب هذه الأفران كلأسبوع ناقلات كبيرة محملة بالحطب بمختلف أنواعه.
مناطق الرعي مهددة بالانقراض
هذا الاعتماد الكبير على الحطب،كمادة للوقود اليومي، في ظل تجاهل السلطات لتنظيم وترشيد مهنة التحطيب، سيؤدي إلىكارثة بيئية ونباتية وشيكة. ولعل مناطق الرعي المعروفة باتساعها، والمفتوحة فيمناطق الوديان الخصبة وتخوم تهامة؛ كـ"خميس بني سعد" و"الحيمةالخارجية" و"حراز" و"ريمة" و"آنس"و"القفر" و"وصابين" و"لحج" و" الصبيحة"و"حيس" و"مقبنة" و"عبس" و"رازح"و"مبين" و"وشحة" و"شفر" و"الزهرة" و"الزيدية"و"الجراحي" و"ماوية" و"ردفان" و"بني قيس"وغيرها، أكثر مناطق مهددة بنكال الأشجار وتعري البيئة النباتية التي يعتمد عليها الإنسانوترعى فيها الماشية منذ آلاف السنين.
لا توجد بلاد مفتوحة على مصراعيها كاليمن، يعمل فيها الناس ما يشاؤون، دونوازع من ضمير أو رادع من حكومة ضابطة. والنظر إلى كميات قوافل الناقلات الكبيرة،التي تدخل صنعاء فقط، مشحونة إلى السماء بالحطب، كل يوم، يصيب بالذهول.
ليس ذلك فقط ما يسترعي الانتباه،ولكن أيضاَ، كميات الفحم الهائلة. لقد ارتفع سعر كيس الفحم خلال السنوات الخمسالماضية من 2500ريال للكيس الواحد، إلى 10000ريال. وهذا رقم كبير، أغرى الكثير من المشتغلين في هذا القطاع بافتتاح محال عديدةداخل المدن لكثرة الطلب على هذه المادة المربحة، وبالتالي زاد الضغط على واحات الريفالواسعة، بزيادة الطلب في المدينة.
لا تتوقف المعاول عن قطعالأشجار المثمرة من جذوعها. إنها سنوات لا تحصد فقط أرواح الناس، ولكن أشجارهمأيضاً
علاقة روحية بين الفلاحوالشجرة
يقول الحاج عبده علي ناجي (75 سنة)، وهو من مواطني عزلة"جداجد" مديرية بلاد الطعام ـ في ريمة: "أجدبوا الأشجار وأنكلوها،هذا اعتداء على الحياة.. الله سيغضب علينا". وأضاف، وهو يتأمل كميات حُزمالحطب، المرصوصة فوق بعضها، على جانب طريق "باجل"- "مدينةالشرق": "هذا عدوان غاشم، أين سنرعى أغنامنا؟!" ويمضي شارحاَالعلاقة الروحية المقدسة بين الإنسان اليمني والشجرة:" الشجرة تسبح الله كلصباح، ومن يعتدي عليها ملعون".
وتعتبر منطقة "جداجد"،التابعة لمحافظة ريمة، حيث الشعاب الواسعة وأشجار الطلح والعسق والضُبا والسرىوالسدر والسُمُر وأشجار السيّال النادرة، متوفرة بمسافات تعد بالكيلومترات، وحيثالمراعي والفقراء المعدمين، وحيث "لا رقابة ولا هم يحزنون"، كما يقولالحاج عبده ناجي.
ومثلها، تلك المراعي الشاسعة، على طول وادي "سُردُد" الشهير، وتحديداً،في مديرية "بني سعد" و"سارع". هناك لا تتوقف المعاول عن قطعالأشجار المثمرة من جذوعها. إنها سنوات لا تحصد فقط أرواح الناس، بل أشجارهم أيضاً.
لا يباع الحطب يابساً، ولكن يباعأخضر أيضاً، وفي كل حارة من حارات صنعاء وغيرها، من المدن، يوجد بائعون متخصصون،للحطب. وهي ظاهرة مثلت حلولاً لمشاكل الكثير من الأسر خاصة ذوي الدخل الضئيل، فيظل صعوبة الحصول على أسطوانة الغاز، وارتفاع سعرها، لكنه مشهدٌ يبعث الحزن والأسىفي النفس. وإذا لم يتم تدارك هذه المشكلة، والحفاظ على ما تبقى من الشجر، فإناليمن الأخضر السعيد، سيصبح اليمن اليابس والخالي من الأشجار.