“يوم الربوع!”

ما هي قصة هذا اليوم في مرويات المؤرخين
أحمد صالح الجبلي
June 3, 2020

“يوم الربوع!”

ما هي قصة هذا اليوم في مرويات المؤرخين
أحمد صالح الجبلي
June 3, 2020

استكمالاً للفائدة بشأن “يوم الأربعاء” المذكور في مقال سابق، من جهة، وتصويباً لخطأ شائع من جهة ثانية، أفرد هذا المقال لـ”يوم الربوع” الذي كانت، وربما ما زالت، بعض قبائل المشرق، كالعوالق والعواذل وقبائل البيضاء، تتشاءم منه، وكان الواحد منهم يُستفز إذا ما قيل له “يوم الربوع”، فيرد فوراً بالتعبير الشائع لديهم وهو: “يوم الربوع على قرنك!”، وبعضهم يضيف: “وعلى قرن أبوك!” ولذلك غيّروا اسمه إلى “البرك”، أي المبروك حتى “يبعدوا” تشاؤمه كما يعتقدون.

يقول شاعر العوالق الشهير بن لزنم:

وقدني ربوع آخر ربوع اسمه البرك      ولا نعبد الا الله للذنب يغفره

والشائع أن سبب هذا التشاؤم هو ما أصاب هذه القبائل أو بعضها من مصائب ونكبات في يوم الأربعاء. بهذا الصدد، يذهب الكاتب شهاب أحمد الحامد مُعِد كتاب “مرواح الكوازم” إلى أن “يوم الربوع” المشؤوم لدى بعض قبائل المشرق، كان قد حدث في النصف الأخير من القرن العشرين، وبالذات إبان حكم السلطان عيدروس بن علي، عندما نشأت بعض الخلافات ولم يلتفت إليها أحد. وفي أحد أيام الأربعاء بدأت مشاجرة ثم تطورت من الرمي بالحجارة إلى حرب دامت سبع سنوات (ص 61). (و”الكوازم” هي المجموعات القبلية التي تنتمي إلى اتحاد العوالق القبلي في محافظة “شبوة”).

 والحقيقة أنه لا يمكن التشكيك بهذه المعلومة جملة وتفصيلاً، ولو أن ثمة من المصادر ما تشير إلى غير ما يورده الحامد من حيث زمن وقوعها على الأقل. ويبدو أن ما حصل لهذه القبائل أو بعضها يتعدى التاريخ المذكور أعلاه بكثير. وأستطيع أن أزعم –بدون مجازفة كبيرة– أنه حدث قبل الإسلام، بدليل ما جاء في “الإمامة والسياسة” المنسوب إلى أبي محمد عبدالله بن مُسْلِم بن قتيبة المتوفى في سنة 276 للهجرة، والذي يذكر ذلك عند حديثه عما وقع من “حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله” (وابن الأشعث هو عبدالرحمن بن الأشعث الكندي، زعيم قبيلة كندة اليمنية). كان ذلك في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان.

كان التطيُّر من يوم الأربعاء يسري فيه الامتناع عن بعض الأعمال، فكانوا لا يتناكحون، ولا يسافرون فيه، ولا يدخلون من سفر، ولا يبايعون فيه بشيء مهما كان الإغراء شديداً.

في هذا السياق، يقول ابن قتيبة بما معناه إن الحجاج بن يوسف الثقفي، قائد الجيش الأموي الذي كان يقاتل المناوئين لبني أمية، صرخ منادياً جنوده ليجتمعوا للعطية، ففرق العطية على الناس، وأقام متربصاً ومنتظراً ليوم الأربعاء. فلما رأى ابن الأشعث أن الحجاج لا يتقدم لقتاله وأنه متربص ليوم الأربعاء، بعث رجلاً من معسكره ليتحرش بمعسكر الحجاج حتى يغريه بالقتال قبل يوم الأربعاء. لهذا الغرض ذهب الرجل حتى دنا من معسكر الحجاج، فنزل قريباً منه رجاء أن يتقدم له أحد من معسكر الحجاج، فينشب القتال قبل يوم الأربعاء، حسب ترتيب ورغبة ابن الأشعث. فلما رأى الحجاج ذلك، علم ما أراده ابن الأشعث، والذي توقعه. عندها، تقدم الحجاج إلى أمراء أجناده وقواده وإلى أهل عسكره عامة، محذراً إياهم بأن لا يكلم أحدهم أحداً من عسكر ابن الأشعث ولا يقاتله حتى وإن أمكنته الفرصة منه بقتله أو بأسره، حتى يأتي يوم الأربعاء. فلما كان صبيحة يوم الأربعاء، وهو يوم يتطير به أهل العراق (والمقصود بـ”أهل العراق” هنا الجيش الذي ينتمي إلى المعسكر الخصم للأمويين والذي كان يقوده ابن الأشعث الكندي)، هاجم جيش الحجاج جيش الكندي.

وكان التطير من يوم الأربعاء يسري فيه الامتناع عن بعض الأعمال، فكانوا لا يتناكحون، ولا يسافرون فيه، ولا يدخلون من سفر، ولا يبايعون فيه بشي مهما كان الإغراء شديداً. (ابن قتيبة: الإمامة والسياسة، الجزء الثاني، ص 52-53).

 وعليه، يمكن أن يُستدل، أولاً، على أن التطيّر من يوم الأربعاء ليس مقصوراً على قبائل مناطق المشرق فقط، لأن الجيش الذي كان يقوده ابن الأشعث لم يكن مؤلفاً من قبائل المشرق فقط، وإنما كانت مشاركة فيه غيرها من القبائل اليمنية وغير اليمنية، ولو أن المهم عند الحجاج كان تطير ابن الأشعث.ما  كما يمكن أن يُستدل، ثانياً، أن هذا التطير يضرب إلى تاريخ أبعد عما هو شائع لدى بعضنا اليوم. ذلك أنه، كما يبدو من النص، ليس وليد فترة زمنية قصيرة، وإنما كان يمتد إلى زمن بعيد حتى استطاع هذا التطير، تحت تأثير مجريات الفترة الزمنية المديدة، أن يترسخ لدى القوم ليسري عليهم تحريم جملة من الأعمال والأنشطة الإجتماعية والاقتصادية في يوم الأربعاء.

وإذا حق لي أن أجتهد في هذا الصدد، فإنني، وبعد التأكيد على جملة المحرمات المذكورة

أعلاه، أزعم بترجيح أن يكون هذا التطيّر عائداً إلى تحريم ديني وثني قديم كانت تعتقد به هذه القبائل، ضمن طائفة من العبادات والمعتقدات، لم يبق من ذلك الدين الوثني إلا هذا التطير من “يوم

الربوع”. وقد قيل في ما مضى: “دين القبيلة عُرفها”.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English