ما يزال صوتها متجذرًا في أذهان الناس، رغم ما ألحقته الحرب بها، من قطع للراتب، ونزوح، إضافة إلى المرض والعجز الذي قابله جحود وتجاهل الجهات المعنية.
حكايتها تفوق كتب الأدب العربي سردًا، وأطول من مسلسل ليالي الحلمية بكل أجزائه" كما تقول زهور ناصر -المذيعة في إذاعة صنعاء منذ 1986 وحتى 2018- في حديثَها لـ"خيوط".
التحقت ناصر بإذاعة صنعاء سنة 1986، بداية في برامج الأطفال، ثم مذيعة ربط على الهواء، للتعريف بالأغاني، والتنويه في حال حدوث توقفٍ للبث، إذ كانت نبرة صوتها سببًا في اختيارها كمذيعة ربط.
تتابع ناصر: "كنت أقوم أيضًا بتعريف المستمعين بموجات البث، والتذكير بمواعيد البرامج مع الفواصل الموسيقية، وهي مهمة دقيقة وحساسة، بالنظر لوظيفة مذيع الربط في الإذاعة، الذي ينتظر منه أن يكون طاردًا للملل، ومؤنسًا للمستمعين".
أعمال كثيرة قدّمتها ناصر في بداية مشوارها الإذاعي، حتى أصبحت من رواد الإذاعة ومن أقدم الأصوات الإذاعية فيها، "بدأتُ بعدها في المشاركة في تقديم البرامج، وبالصدفة تم طلبها من بعض مخرجي الفضائية اليمنية للمشاركة في البرامج المنوعة أسبوعيًّا، في حلقة لمدة ساعة فيها من كل بستان زهرة.
تضيف زهور أنها انتقلت للإعداد والتقديم في البرامج المنوعة؛ الثقافية، الاجتماعية، إضافة لخروجها للميدان في برنامج (نزهة الجمعة).
تؤكد زهور ناصر أنها تتقاضى نصف راتب كل ستة أشهر، لا مواد غذائية ولا قسائم تموينية تمنح للجميع، مع تحوّل موضوع صرف الكروت التموينية إلى عراك وفساد تمنحها الجهة الحكومية سرًّا لأشخاص بعينهم دون الآخرين
وفق حديثها فقد كانت تخرج للميدان لإعداد فقرة ميدانية تبث في (نزهة الجمعة)، ثم شاركت في إعداد وتقديم برنامج (صباح الخير) بفقرات بث مباشرة صباحية مدتها ساعتين، إضافة للقيام بالربط مع زميل أخر بجانبها.
تقول زهور: "كنا نتطرق لكل ما يخطر على بال المستمع من مشاكل وهموم ونطعمها بالأغاني بين الفقرات، بعدها قدمت برنامج (سهرة على الهواء)، وهو برنامج يومي ليلي بثّته إذاعة صنعاء لفترة من الزمن، يبدأ من الساعة 11 مساء وحتى الواحدة صباحًا، وتقديرًا لظروفنا كأمهات ونساء كنّا نضطر للانسحاب من الساعة 12 صباحًا وترك زميل مذيع يستكمل البرنامج".
مكانة إذاعة صنعاء
احتلت إذاعة صنعاء مكانة مميزة بين الإذاعات العربية، بما تقدمه من مستوى رفيع وخطط برامجية مدروسة بعناية، وكان لوجود المذيعين المدربين وذوي الخامات الصوتية الإذاعية التي تتمتع بسلامة النطق، وإتقان مخارج الحروف، وعذوبة السرد مثل الأستاذة زهور، دورٌ في هذا الحضور والتميز.
حضور ناصر، لم يقتصر على الإذاعة بل امتدّ للفضائية، حيث كان لها مشاركات أسبوعية منتظمة، إضافة إلى تقديم الأخبار بشكل يومي، "كنتُ أنقل الأخبار الرئيسية كل يوم من الساعة التاسعة مساء في الفضائية اليمنية، ولكن في 2007 أصبحت مشاركتي في البرامج التلفزيونية مقتصرة على دورة شهر رمضان بدلًا عن المشاركة الأسبوعية سابقًا"- تقول ناصر.
قدّمت زهور ناصر العديد من البرامج والأفكار واشتغلت بشغف وحب وعطاء غير محدود سواء للإذاعة أو للتلفزيون، إلى أنْ حلّ كابوس الحرب وتسييس الرسالة الإعلامية لخدمة طرف بعينه استولى على مقاليد الأمور، بعيدًا عن الهدف الوطني والمصلحة العامة، إذ فرضت جماعة أنصار الله (الحوثيين) قيود وقرارات تتماشى مع مصالحها.
وتتابع ناصر شارحة الوضع الصعب الذي يعيش الموظف في ظله، قائلة: "نتقاضى نصف راتب كل ستة أشهر، لا مواد غذائية ولا قسائم تموينية تمنح للجميع، تحول موضوع صرف الكروت التموينية إلى مضاربة وفساد تمنحها الجهة الحكومية سرًّا لأشخاص بعينهم دون الآخرين، نحن نعيش مأساة حقيقية اضطررنا خلالها لبيع كل شيء في المنزل، حتى الثياب الجديدة، أما القديمة فقد أحرقناها لإشعال تناوير الخبز".
رحلة صعبة مع المعاناة تعيشها ناصر وموظفي الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، ما دفعها للسفر لمحافظة مأرب على أمل أن تجد نفسها مجددًا، وتجد ما يحفظ كرامتها، خاصة أنها أفنت عمرها في الميدان الإعلامي، ودخلت مرحلة الشيخوخة، وعليه كانت سنة 2018 السنة التي انتقلت فيها لإذاعة مأرب.
مرحلة جديدة
تؤكد زهور ناصر أنه بعد وصولها إلى محافظة مأرب، التحقت بإذاعة مأرب الرسمية، إذ استقبلتها الإذاعة برحابة وحب، اجتهدت -في المقابل- كثيرًا وفق حديثها، رغم مرضها وكبر سنها ومعاناتها الشخصية إلى جانب معاناة الحرب والنزوح التي حمّلتها معها هي الأخرى هموم إيجار مرتفع، وأسعار فاقت قدرتها، إلى جانب كونها وضعت على كاهلها مسؤولية ابنها المريض وطفلتيه وزوجته.
تضيف بالقول: "حاولت الوصول مرات عدة للجهات الرسمية وللمحافظ، ولكن لم يحالفني الحظ مع الكثير من الخجل والعزة التي تمنعني من الاستجداء وطلب المساعدة، على الأقل في الحصول على منحة علاجية أو مبلغ مالي لا أستطيع توفيره من دخلي الشهري يساعدني في علاج مشاكل في الأوعية الدموية والعمود الفقري الذي كشفه لي تقرير طبي في أحد مراكز جراحة المخ والأعصاب".
كما أن المنظمات استغلت ظروفها كما تقول زهور ناصر، وكانت تأتي بعضها لخيمتها الصغيرة التي سكنت فيها مؤخرًا بعد تعب الإيجار، لتسجيل اسمها ضمن المساعدات، ثم تختفي بعدها لا علم ولا خبر، ووحدها الآمال تظل معلقة، بلا طائل".
وتستطرد ناصر: "أحدّث نفسي أنهم ربما يتصورون أنّ لدي من الإمكانيات -بحكم شهرتي وحضوري الإعلامي الذي تجاوز خمسين سنة- ما يجعلهم يتجاهلون وضعي، في الوقت الذي أفكر بالتقاعد، أتذكر أنّ عملي الحالي ليس حكوميًّا؛ وبالتالي فإنّ ما أتقاضاه من مال سينقطع ويزداد الأمر سوءًا". وتنهي ناصر حكايتها التي يكاد يشاركها نفس المعاناة معظمُ المبدعين والفنانين والأكاديميين والصحفيين الذين داست الحرب عليهم وجرّدتهم من كل مقومات الحياة والعيش الكريم "لا شك أني سأقضي بقية حياتي على الفراش، ونهايتي لن يعلم بها أحد، بعد أن كان صوتي يحلّق في الأرجاء والعموم ويحظى بحب الجميع، ولكن أين الحب الآن والألفة التي أطلبها في آخر أيامي؟!".
ضربت زهور ناصر أروع صور المرأة العنيدة والصلبة التي قدّمت كل شيء من أجل الوطن، فماذا سيقدم -في المقابل الوطن- لها ولأمثالها.