لا شكّ أن الإنسان بشكل عام، والشباب على وجه الخصوص، كائن متقلب المزاج، يخضع مزاجه وأخلاقه وتصرفاته للظروف المحيطة به والمجتمع الذي يعيش فيه؛ فحينما يشعر بالاطمئنان والأمان، يكون مزاجه مستقرًّا ونفسيته منشرحة؛ وبالتالي يكون إنسانًا طبيعيًّا بتصرفاته وألفاظه وأعماله، وليس ثمَّة ما يقلق سكينته، وحين تحل به الحروب والمشاكل يتعكّر مزاجه، وتضطرب مشاعره وأحاسيسه، فيفقد السيطرة على ملكاته وحواسه وتصرفاته، مِن ثَمَّ يمكن أن يتصرف بتصرفٍ متهورٍ لا إرادي. فالحرب قد تتزيّن عند البعض الذين يجنون ثمارها بمكاسب دنيوية رخيصة، لكنها تعود عليهم بالوبال.
الحرب تَسُوقُ الناسَ، وخاصة الشباب منهم، إلى طرقٍ غير سويّة، فتسلب من الناس هدوءَهم وطمأنينتهم، ويسكنهم القلق والخوف على أنفسهم ومستقبلهم وأولادهم، ومن هذا المنطلق يحاول المواطن في أيّ بلدٍ تشوبها الحرب، التمسكَ بأدنى درجات الأمل، وقد يتخلّى بعض الناس عن خُلقه الذي عاش معه طوال عمره، في سبيل الحصول على ما تيسّر من لوازم معيشته وقوت أولاده، لكن ثمَّة من يكون مستفيدًا في الطرف الآخر من استمرارها.
ففي الوقت الذي يتضرّر من الحرب غالبيةُ السكان، خاصة الشباب منهم، تكون ثمّة فائدة عند البعض، وهذا البعض هم تجّار الحروب والانتهازيون وبائعو الضمائر والأوطان، فالحرب ينجم عنها تشرّد ونزوح كثير من الناس، وتتسبّب في كثير من الكوارث الاجتماعية على مستوى الأسرة الواحدة، فما بالك بالمجتمع الذي يكون مزيجًا من الكيانات الاجتماعية؟!
فالحروب تختلف في أهدافها عن الكوارث الطبيعية، ففي حالة الكوارث الطبيعية، كالزلازل والفيضانات والأعاصير مثلًا، تزيد اللحمة الاجتماعية تماسكًا -وقد رأينا ذلك على أرض الواقع في زلزال تركيا وسوريا- بينما في حالة الحرب، العكس تمامًا؛ تتفكك الكيانات الاجتماعية، ويتغيّر السلوك الاجتماعي إلى الأسوأ، ويتوق الشباب إلى ترك أوطانهم، والبحث عن ملاذٍ آمنٍ في بلدان ما كانوا بالغيها إلا بتضحياتٍ جسيمةٍ، قد يكون آخرها الموت في طريقهم إلى تلك البلدان، أكانت برًّا أم بحرًا، وقد عشنا هذه الحالة في بلدان الحروب في اليمن، وسوريا، والعراق، وليبيا، إذ أودى هذا النزوح بحياة كثير من الشباب العربي في تلك البلدان، أكان في عرض البحر أم البَرّ! فضلًا عن الانتحار الذي يكون مآل البعض الذين لا يستطيعون الخروج بسبب عدم توفر القدرة المادية التي تقف حائلًا في وجه الكثير من الشباب.
وأمام كلّ تلك الموجعات، ينزلق الشباب إلى التفلّت والتفكّك داخل الأسرة الواحدة، فقد تجد من الأسَر من تتخلى عن بعض أفرادها، ويتخلى الابن عن أبيه، والأب عن ابنه، والأخ عن أخيه، والأسرة مجتمعة عن بعض أفرادها، وحين نجد بعض الأسر المتماسكة والمتكافلة في ظل هذا الوضع السيئ، يكون ذلك إنجازًا كبيرًا وشهادة لرب الأسرة وبقية أفرادها، ومحط فخرٍ في نظر أصدقاء تلك الأسر. من جانب آخر، نجد بعض الأصدقاء قد يتخلّى عن أصدقائه، بل قد يحاول أذاهم إذا أدّى ذلك إلى فائدة تعود عليه بوجهٍ عام، وعلى وجه الخصوص في سلك الوظيفة العامة، فقد تصدّر المشهدَ الوظيفي، في ظلّ الحرب، المنافقون، واللصوص، والانتهازيون، وكل ذلك بسبب الطاقة السلبية التي حملتها آلة الحرب إلى نفسية الإنسان المثالي الذي تمنعه قيمه وأخلاقه عن ممارسة أو ارتداء تلك الصفات.
هذا في حالة الحروب العادية أو الطبيعية، فما بالك بحربنا في اليمن، والتي حرمت المواطن من أهم حقّ من حقوق المواطنة، وهو مصدر رزقه (مرتّبه)، ونظرًا لذلك دفعت بالمواطن بشكل عام، والشباب على وجه الخصوص، إلى مزالق الانتحار والسرقة، وولّدت في داخله لبانة الإجرام والقتل، خاصة إذا كان هذا المواطن ذا أسرةٍ يعولها.
