يتشابه روتين الحياة اليوميّ عند اليمنيّين طيلة فصول السنة، منذ نشوب النزاع بين الأطراف المحلية قبل ما يربو على تسع سنوات، إذ بدّدت الحرب أبسط أحلام اليمنيّين حتى الاستمتاع بأجواء الصيف، في ظلّ غياب شبه شامل للمصايف المحلية، ولو في شكلها المتواضع السابق، أيام كان الناس يقصدونها برفقة عائلاتهم لقضاء الإجازات الصيفية.
الوضع الأمني بدوره ساهم في تردّي السياحة والسفر الداخلي، وحدّ من إمكانية تنقّل المواطنين للتصييف؛ ما أدّى إلى شلل غير مسبوق في المصايف للصيف التاسع على التوالي.
في السياق، يفتقد القائم من المصايف، سواء تلك الواقعة في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) أو الواقعة في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، للخدمات الأساسية، مع تدني مستوى النظافة إلى جانب غياب وسائل الحماية؛ عدد من الأهالي أكّدوا لـ"خيوط"، عدم تفكيرهم بالسفر للتصييف، لأسباب عدّة من بينها عدم استتباب الأمن والأمان على امتداد الطرق لعدن أو للحُديدة، أشهر محافظتَي التصييف، إضافة إلى الغلاء الفاحش في أسعار السكن والأكل، في ظلّ وضعٍ معيشي خانق.
مقاصد معطلة
وبسبب تعطيل تلك الوجهات السياحية، شهدت حركة هذا القطاع الحيوي الهامّ انهيارًا حادًّا، برز بشكل واضح في تدهور معظم المرافق والملحقات السياحية والخدماتية الخاصة، مع بقاء سلبيات الإهمال وتشويه صورة المصايف من قبل بعض المتشددين وبعض الجهلة الذين طالما أساؤوا للسياحة عمومًا، والتصييف خصوصًا.
الأربعيني، خالد إسكندر، من أبناء مدينة جبلة، عمل سابقًا مرشدًا سياحيًّا. يقول لـ"خيوط": "قطع الناس زياراتهم للمناطق السياحية، منذ بداية اندلاع الحرب؛ لأنّ الوضع في البلاد ليس مستقرًّا، وغير آمن، مقارنة بالوضع السابق الذي كان فيه فصل الصيف موسم عمل لنا، بسبب الإقبال الكبير من قبل الزوار للأماكن السياحية بمحافظة إب، أما هذه الفترة فالحركة خفيفة بسبب المحاذير الأمنية، إضافة إلى وضع الناس المادي الذي لا يسمح لهم بالسفر والترويح عن أنفسهم".
هذا وتعدّ محافظة إب (وسط اليمن)، وجهة سياحية هامة في البلاد، يقصدها عدد كبير من المواطنين خلال الصيف، كون مناطقها المختلفة تتمتع بمناظر طبيعية خلابة، إضافةً إلى الأجواء الصيفية الساحرة والفريدة، ما جعلها من أهم الوجهات السياحية لدى اليمنيّين في الداخل والخارج، الذين يتهافتون على زيارتها من مختلف المحافظات.
من جانبه، يقول نعمان الدعيس، المسؤول الإداري في أحد فنادق المدينة، في حديث لـ"خيوط": "كان العمل لدينا في الفندق يمشي بطريقة جيدة، وكان الصيف هو ذروة نشاطنا، بسبب الحركة التي كان يسندها الأمان النسبي، علاوة على الوضع الاقتصادي المستقر إلى حدٍّ ما مقارنة باليوم، حيث كانت الرواتب سارية، والأسعار رخيصة، لكن هذه الشروط انعدمت حاليًّا، وبالتالي تجمّدت حركة السياحة الداخلية تمامًا".
ترف فائض
بين أربعة جدران، يعيش أغلب اليمنيّين سنوات الحرب الصعبة، وبالكاد يركضون خلف لقمة عيش تسد رمق جوعهم، وتغنيهم عن مد يد الحاجة لأحد، لتتحول السياحة الداخلية، والتمتع بالتنوع المناخي والتضاريسي إلى ترف فائض أمام أولويات البقاء.
يصف عددٌ من محبي المصايف الداخلية لـ"خيوط"، سوء الأوضاع وتعقدها، قائلين: "نحن محاصرون بكلّ ما للكلمة من معنى، محرومون من التنقل داخل بلدنا، ومكبلين بالصراعات التي عملت على قطع الطرقات، وشكّلت بيئة خصبة ومواتية للصوص وقطاع الطرق للنهب وإقلاق السكينة".
هذا، وتتنوّع المصايف والوجهات الطبيعية في اليمن بين الجُزر البديعة والشواطئ الجميلة الممتدة، والمناطق التي تكتسي باخضرار بديع صيفًا، إضافة إلى المواقع التاريخية والأثرية التي تزخر بها اليمن عمومًا.
الناشط السابق في المجال السياحي، علي إسماعيل، يقول لـ"خيوط": "مصايف بلادنا متنوعة بجمالها، وثرائها الطبيعي، هناك أماكن كثيرة لقضاء أوقات صيفية ممتعة، لكن الخدمات معدومة، وتكاليف التنقل إليها مرتفعة، أضف إلى ذلك أنّ الطرقات ليست آمنة".
مضيفًا: "تنفرد تلك المناطق السياحية بطقسها الساحر صيفًا، وبتنوع تضاريسها المختلفة، لكنها باتت عصية على المواطنين، الضحايا الحقيقيين للفوضى الدائرة".
غياب الرؤية
يتدرج الطقس الصيفي في اليمن بين قائِض في المدن الساحلية، إلى أقل حرارة في بعض المناطق الجبلية، ويكون معتدلًا في وسط البلاد نتيجة هطول الأمطار الموسمية بشكل شبه يومي، إلا أنّ هذا التنوع المتميز والخلاق في حالة الطقس لم تُحسِن الجهات المعنية استغلاله، وتسويقه باعتباره أحد عوامل الجذب السياحي في البلاد.
زادت الاضطرابات التي تعيشها اليمن من حدة هذا الفشل المريع في التسويق والترويج لمناطق الجذب السياحي، وبالتالي خسارة البلاد موردٍ هامٍّ كان من المحتمل أن يكون عمود الاقتصاد الوطني، إضافةً إلى غياب الرؤية والافتقار لخطط التنمية والتطوير الكفيلة بإنعاش هذا القطاع المحوري الذي كان مصدرًا رئيسيًّا لنهوض العديد من البلدان حول العالم.
مصادر مطلعة أكّدت لـ"خيوط"، أنّ خسائر القطاع السياحي تجاوزت 7 مليارات دولار أمريكي، بسبب حالة الحرب التي اندلعت قبل أكثر من ثماني سنوات، وأنّ (473) موقعًا أثريًّا وسياحيًّا تعرض للتدمير والتخريب بفعل القصف والاشتباكات المسلحة.
وأضافت أنّ الآلاف ممّن كانوا يعملون في قطاع السياحة خسروا وظائفهم، وأُغلقت نحو (345) وكالة سياحية أبوابها نتيجة الأوضاع المتردية في القطاع السياحي.
التدمير طال معظم المرافق الخدمية الخاصة بتلك المصايف، مثل: المتنزهات، المطاعم، الفنادق، الطرقات، وغيرها.