إلى ما قبل أيام، لم يكن أحد من اليمنيين يعلم أن فكرة ستتحول إلى احتفالية فنية غير مسبوقة ويوم وطني يحظى باهتمام واسع، لكن ذلك ما حدث بالفعل، بعد أن تطورت فكرة يوم الأغنية اليمنية إلى واقع تصدر اهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن.
وعلى الرغم من أن نسبة التفاعل والاحتفال بالنسبة للكثير من اليمنيين كانت مفاجئة، إلا أن سلوى الأهنومي إحدى اليمنيات اللواتي احتفلن في الأول من يوليو/ تموز بهذه المناسبة تقول: "كيف لا نحتفل بالأغنية اليمنية ونحن أول من عرف الغناء وأشهر الشعراء والمغنين والملحنين في شبة الجزيرة العربية من اليمن، كما هو معروف".
بداية الفكرة
بسبب التفاعل الكبير الذي لقيته المناسبة في أوساط اليمنيين، اتجهت الأنظار نحو مصدر الفكرة، التي تحولت إلى عيد رقم "1"، للفن اليمني، حيث بدأت من خلال منشور للناشط في مواقع التواصل الاجتماعي، لؤي النزاري، أشار فيه إلى أن "مجموعة من الأصدقاء والفنانين والشعراء والملحنين والناشطين والمؤثرين، قرروا إطلاق يوم الأغنية اليمنية".
وكتب النزاري على صفحته بموقع فيسبوك أنها "دعوة عامة للرسامين، المصممين، النحاتين، المصورين، الفنانين، الشعراء، الملحنين، المؤثرين، الكُتّاب، صُنّاع الأفلام وصُنّاع المحتوى، المخرجين، الصحفيين، المذيعين، وكل فنان في عمله ومهنته ومهارته، ولكل أطياف الشعب اليمني من جميع المحافظات، للمشاركة الواسعة للاحتفال بهذا اليوم، كلٌّ بأسلوبه وبطريقته، تعزيزًا للثقافة اليمنية والتراث اليمني".
ولقيت الدعوة صدى واسعًا في جميع مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر، حيث أحصت "خيوط" بيانات كل التغريدات التي حملت الهاشتاج #يوم_الأغنية_اليمنية، منذ 24 يونيو/ حزيران حتى صباح الثاني من يوليو/ تموز.
أظهرت البيانات تصاعد عدد التغريدات، بدءًا بتسجيل اليوم الأول 24 يونيو/ حزيران 17 تغريدة، وتصاعدت حتى الأول من يوليو/ تموز، الذي كان الأعلى بأكثر من 54%، واحتلت الساعات الأولى من يوم الثاني من يوليو المرتبة الثانية بما يقارب ربع التغريدات
وأظهر تحليل خيوط للبيانات، تغريد أكثر من 5 آلاف و700 تغريدة، غردت من 2380 حسابًا متوافرًا على مواقع تويتر.
وأُعيد تغريد الهاشتاج من 388 حساب؛ منها حساب وزير الإعلام في الحكومة المعترف بها دوليًّا معمر الإرياني، والذي أعاد تغريدة لأكثر من 190 مرة بنسبة 5%. وشارك الفنان أحمد فتحي بـ170 إعادة تغريد بنسبة 4.6%.
وتأتي مشاركات فتحي، الذي سجل أغنية مع فاطمة مثنى، في إطار تفاعل الفنانين، الذين أكد النزاري أنهم تفاعلوا وعملوا على تذليل الصعوبات، كما أن البعض تركوا أعمالًا مهمة ليتفرغوا للمشاركة في المناسبة.
ويتحدث لـ"خيوط"، أنه لم يكن يتوقع هذا الزخم الهائل والمشاركة الشعبية الواسعة، مشيرًا إلى أهمية تخصيص يوم للأغنية اليمنية، ولفت الأنظار لهذا الإرث الفني الغزير الذي تتفرد به اليمن.
وعن كيفية احتفالها بيوم الأغنية اليمنية تقول الفنانة فاطمة مثنى لـ"خيوط"، إنه تم الاحتفال في بيت الثقافة بالغناء الذي شمل أكثر من لون غنائي في يوم بهيج كان بمثابة عيد لكل اليمنيين، إذ عكس تفاعلهم الكبير معه الافتقاد لروح الفن والسلام والحب في البلاد.
يوم مختلف
أظهرت البيانات، أن 30% من التغريدات كانت من أجهزة أندرويد، ونحو 5% من أجهزة آيفون، و6% منها عبر أجهزة حاسوب، بينما تصدرت اللغة العربية المرتبة الأولى للتغريد بأكثر من 97% منها، تليها اللغة الإنجليزية في المرتبة الثانية بما يقارب 2%.
الصحافي غمدان اليوسفي، الذي ظهر اسمه خلال تحليل البيانات بين الحسابات الأعلى في إعادة تغريد للهاشتاج، يؤكد لـ"خيوط"، أن "هذا اليوم بمثابة بصيص نور في زحمة الأيام المظلمة من واقع اليمنيين".
ويضيف قائلًا: "طوال سبع سنوات من عمر الحرب والأغاني الوطنية في مواجهة الزوامل الحوثية، خلفت واقعًا موجعًا جعلت الناس يتناسون ما لدينا من إرث عظيم، وأصبح حتى لدى كثير من الناس شعور بالذنب حين يسمع موسيقى أو ينشر مقطعًا غنائيًّا في ظل الأخبار اليومية للموت".
ويرى أن فكرة يوم الأغنية اليمنية جاءت من الناس البسطاء، وبعيدًا عن تسلق المسؤولين الحكوميين أو غيرهم على هذه المناسبة، ستظل مناسبة شعبية سنوية ستغير الكثير، ويعتقد اليوسفي أن هذا اليوم سيكون مختلفًا في كل عام؛ نظرًا للثراء الغزير الذي تتمتع به الأغنية اليمنية والتي ستظل في حالة اكتشاف دائم طوال الدهر؛ لأنها متجددة ومتعددة وليست محدودة العدد والألحان والأصناف.
كما أظهرت البيانات تصاعد عدد التغريدات، بدءًا بتسجيل اليوم الأول 24 يونيو/ حزيران 17 تغريدة، وتصاعدت حتى الأول من يوليو/ تموز، الذي كان الأعلى بأكثر من 54%، واحتلت الساعات الأولى من يوم الثاني من يوليو المرتبة الثانية بما يقارب ربع التغريدات.
عبدالفتاح صالح، والذي ظهر حسابه بين الأعلى تغريدًا يعبر في هذا الخصوص لـ"خيوط"، عن سعادته بالاحتفال بهذا اليوم، ويرى صالح أن ما تحتوي عليه الأغنية اليمنية من الحكم الكثيرة يجعلها تليق بشعب الحكمة والإيمان، ومتنفس لكثير من اليمنيين في ظل هذه الحرب.
المساء المفضل للتغريد
ما يقارب نصف التغريدات، غردت خلال الفترة المسائية من الساعة 12 حتى 6 مساء، ومن بين كل 100 تغريدة، غرد المشاركون في ثمانٍ منها الساعة الخامسة مساء وسبع تغريدات الساعة الرابعة.
الناشط الإعلامي والمهتم بالأغنية اليمنية شفيق الغرباني يقول لـ"خيوط"، إن اليوم الذي توحد فيه كل اليمنيين في تعبير قوي وبارز وملفت يؤكد مدى تأثير الأغنية اليمنية في عقول ووجدان الإنسان اليمني، والفن المرتبط بإرث تاريخي كبير، قدّم اليمن على مر المراحل والحقب التاريخية كمنبع للفن الغنائي الأصيل.
ويعكس هذا اليوم، وفق حديثه، مدى حب الناس للغناء وللفنانين، واعتزازهم بموروثهم وبجميع الألوان الغنائية المعروفة ارتباطها بمناطق ومحافظات يمنية مختلفة، مؤكدًا أن الفن الغنائي جمع شمل اليمنيين، رغم الظروف الصعبة التي خلفتها الحرب الدائرة في البلاد منذ ست سنوات.