في الوقت الذي يتأرجح فيه الريال اليمني بين هبوط قياسي، ثم هدوء وارتفاع وتحسن في سعر صرفه أمام الدولار والعملات الأجنبية، تقف الأجهزة المالية والنقدية المعنية التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، في حالة عجز تامّ عن التدخل وكبح جماح العملة وضبط سوق الصرف، أو حتى تفسير ما يحدث للريال من اضطراب محيّر في عالم الصرافة والاقتصاد.
كان الريال الذي يمر بحالة انهيار منذ بداية ديسمبر/ كانون الأول 2020 قد تجاوز في عدن حاجز 900 ريال للدولار الواحد، قبل أن يتموضع لأيام عند هذا المستوى منتصف الأسبوع الأول من الشهر نفسه، لكنه افتتح الأسبوع الثاني بهبوط مفاجئ إلى 845 ريال مقابل الدولار، فيما استقر في صنعاء عند 599 ريال للدولار الواحد.
وبعد توقفٍ، تلبيةً لدعوة موجهة من جمعية صرافي عدن منذ بداية ديسمبر، عاودت محلات وشركات الصرافة في عدن والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، فتح أبوابها ومزاولة العمل؛ الأمر الذي انعكس -وفق مراقبين وخبراء مصرفيين- على تحسن سعر صرف الريال.
وتعيش عدد من مدن اليمن، مثل عدن وتعز وغيرها من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، حالة من الاضطراب الشديد في العملة، ما أثر سلباً بشكل كبير على الأسواق التجارية في ظل ارتفاع قياسي لأسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية والخدمات العامة من كهرباء ومياه، وسط سخط شعبي في أوساط المواطنين الذين يكتوون بجحيم هذه الاضطرابات في العملة وأسعار السلع في ظل تردٍّ في الوضع المعيشي الذي يطال غالبية اليمنيين في جميع المحافظات.
تستمر حكومة عدن في استخدام النقد المطبوع في ظل انقطاع الدورة النقدية، ونفاد الاحتياطي من الدولار الذي كان عبارة عن وديعة سعودية في البنك المركزي، والذي حد من التدخلات الفاعلة لكبح تدهور الريال، فيما تصر سلطة أنصار الله (الحوثيين) على عدم قبول الطبعة الجديدة من العملة؛ وبالتالي توسع هوة الانقسام المالي، وتجزئة العملة واستمرار تدهورها
جمعية صرافي عدن، وبناءً على ما قالت إنها "تطمينات علاجية للبنك المركزي في عدن وتلبية للحاجة الإنسانية لصرف الحوالات"، نفذت مجموعة من الإجراءات منتصف الأسبوع الماضي، تضمنت إعادة استئناف عمليات الحوالات المصرفية التي كانت متوقفة منذ بداية الشهر، والتقيد الزمني بصرف الحوالات وتشغيل أنظمة الشبكات.
الخبير المصرفي في محافظة عدن وسيم الحريبي، تحدث في اتصال هاتفي لـ"خيوط"، عن خروج السوق النقدية من سيطرة المؤسسات والجهات المالية الرسمية المعنية؛ لافتقادها للأدوات النقدية اللازمة التي تمكنها من التدخل الفاعل للتحكم في سوق الصرف، وضبط انهيار العملة الوطنية التي تفقد قيمتها بشكل كبير.
وفي رده على استفسار "خيوط" حول هذه الأدوات التي يقصدها، أشار الحريبي إلى انعدام الاحتياطي من النقد الأجنبي في البنك المركزي اليمني في عدن، وعدم قدرته على إعادة الدورة النقدية والتحكم بالإيرادات العامة والارتباط المعتاد بالمؤسسات المالية والإيرادية العامة، إضافة إلى التضخم النقدي الناتج عن استخدام العملة الجديدة المطبوعة.
وبشأن الطبعة الجديدة من العملة، أعلنت سلطة أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء، عن مصادرة كميات من العملة الجديدة المطبوعة، قدّرتها بنحو 7 ملايين ريال نهاية الأسبوع الماضي، في مناطق التماس مع الحكومة المعترف بها دوليًّا، في محافظة تعز جنوب غربي اليمن، التي تنشط فيها وغيرها من المناطق والمحافظات، مثل دمت في الضالع جنوبًا، وإب وسط اليمن، عملياتُ البيع والشراء في العملة الجديدة المطبوعة التي يتم قبول تداولها بقيمة أقل بنحو 20-30% مقابل العملة القديمة.
معالجة التداعيات الاقتصادية
إلى جانب المضاربة الحاصلة في سوق صرف العملة بالعاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا؛ مدينة عدن وبعض المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، التي يفسرها خبراء بأنها ناتجة عن تعقيدات البيئة السياسية، وبأنها عبارة عن أموال مغسولة خارج القانون، تؤدي إلى تدهور سعر صرف الريال- يبرز الانقسام المالي والنقدي الحاصل في البلاد بفعل النزاع المسلح، الذي دخل عامه السابع، كسبب رئيسي في انهيار العملة والتدهور الاقتصادي الذي تعيشه اليمن، وكعقبة أمام أي جهود محلية أو دولية للتصدي لهذا الانهيار ووضع الحلول والمعالجات اللازمة للحد من انهيار الريال والتدهور الاقتصادي والمعيشي.
تعاني البنوك اليمنية من أزمة سيولة؛ الأمر الذي أدى إلى سحب كثير من العملاء لودائعهم وانتقالهم من البنوك إلى قطاع وشركات الصرافة، إذ أصبحت شركات ومَحالّ الصرافة تمارس دورًا أكبرَ من حجمها ومن المصرّح به لها
بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور حمود النجار، وهو أستاذ في قسم الاقتصاد والمالية بجامعة صنعاء في حديث سابق لـ"خيوط"، فإن الحل الأنسب لمعالجة التداعيات الاقتصادية، والمتمثلة في انهيار أسعار الصرف، هو العمل على إنهاء الانقسام المصرفي، والاتفاق على مصرف مركزي موحد تورد إليه كل إيرادات الدولة شمالًا وجنوبًا؛ إذ يرى النجار، أنه الحل الوحيد للحفاظ على ما تبقى من الأنشطة الاقتصادية والحيلولة دون حصول المزيد من الإخفاقات الاقتصادية والإنسانية.
وفي حين تستمر حكومة عدن في استخدام النقد المطبوع مؤخراً في ظل انقطاع الدورة النقدية ونفاد الاحتياطي من الدولار، الذي كان عبارة عن وديعة سعودية في البنك المركزي بعدن، والذي حد من التدخلات الفاعلة لكبح تدهور الريال- تصرّ سلطة أنصار الله (الحوثيين) على عدم قبول هذا النقد الجديد؛ وبالتالي توسع هوة الانقسام المالي وتجزئة العملة واستمرار تدهورها.
وتعاني البنوك اليمنية من أزمة سيولة؛ الأمر الذي أدى إلى سحب كثير من العملاء لودائعهم وانتقالهم من البنوك إلى قطاع وشركات الصرافة، إذ أصبحت شركات ومَحالّ الصرافة تمارس دورًا أكبرَ من حجمها ومن المصرّح به لها، وفق القوانين المصرفية المعمول بها، وهو الدور الذي تمارسه على حساب القطاع المصرفي بشكل عام وتدهور العملة وتوسع عمليات المضاربة فيها.
جحيم الأسعار
من أبرز انعكاسات الانقسام المصرفي في اليمن منذ شهور، يتمثل في ارتفاع عمولة الحوالات المرسلة بالعملة المحلية من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، حيث سعر العملة المحلية أكثر تدهورًا، في ظل أزمة سيولة خانقة تعيشها صنعاء ومناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، ومع اندثار أربع فئات من العملة القديمة، واستخدام التالف من الأوراق النقدية.
وارتفعت أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، خصوصًا في عدن ومناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، والتي تخوض مفاوضات شاقة في الرياض مع المجلس الانتقالي الجنوبي لتشكيل حكومة جديدة مناصفة بينهما، في ظل أنباء ترجح قرب الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة بعد تعثر تجاوز السنة منذ توقيه "اتفاق الرياض".
ويشكو مواطنون في هذه المناطق والمحافظات من ارتفاعات قياسية في أسعار السلع، بنسبة تتجاوز 300% للمواد الغذائية والاستهلاكية، خصوصًا القمح والدقيق الذي اقترب سعرهما من 20 ألف ريال للكيس الواحد، إضافة للأرز والسكر والزيوت والأسماك التي شهدت موجة كبيرة من الارتفاعات السعرية مؤخرًا في عدن، الأمر الذي تطلّب تدخل السلطات المحلية لضبط أسواق ومراكز بيع الأسماك.
الباحث الاقتصادي عمار الأديمي يقول في حديث لـ"خيوط": "لا أحد يعنيه أمر الناس في اليمن"، مع اشتداد الصراع الدائر، الذي أصبح يتركز في الجانب الاقتصادي على أكثر من اتجاه، ليس فقط في العملة وتجاذب المؤسسات المالية، بل يشمل استيراد الوقود وتصدير النفط وإدارة الموانئ والمنافذ والقطاعات الخدمية والإيرادية.
ويؤكد الأديمي أن إنقاذ العملة والاقتصاد اليمني من التدهور بات أكثر أولوية من إيقاف الحرب نفسها؛ لأن استمرار تهاوي الريال يفاقم الأوضاع المعيشية، ويوسع الفجوة الغذائية وانتشار الجوع، في ظل افتقاد معظم شرائح المجتمع لمصادر الدخل التي تساعدهم على مواجهة هذا التدهور المعيشي المريع.