هكذا يخطف اليمنيون ليلة أخرى من الحب والسلام، ها هي الموسيقى تؤلف قلوبنا مرة أخرى. هذه الليلة أيضًا لا تحتاج إلى منصورين ومهزومين؛ إنها فقط تحتاج إلى آذان مصغية وقلوب مرهفة أعادت ضبط إيقاعها على وتر ناي. من المؤسف بالطبع أن يكون مسرح هذه الأمسية هو المنفى، اختياريًّا وقسريًّا، لكننا بالطبع -اليمنيين- الذين استطعنا ونستطيع بعث رسائلنا من تحت أكوام الرماد، رسائل مختلفة عن التي بعثتها السياسة وقد أخفقت، وفاز من لم يتلوث بعد بمطامعها.
يا ليدك الجميلة التي تلوح، محمد القحوم! أنت المايسترو القائد والزعيم والرئيس الفعلي ليمنيي هذه الليلة العظيمة، نعم، لقد استطعت بهندامك الرائع، وعصاك الرهيفة الرائعة، أن توحد قلوبنا. كيف استطعت أن تأتي باليمن، كما أحببناها وأردناها، على سطح منصة واحدة، كيف استطعت؟! ها أنت تذكِّرنا بأن حضرموت وعدن وصنعاء وتعز، ...، لا يمكن لها أن تتوارى أو تموت، هي هذه التوليفة الرائعة من الطرب الذي تقشعر لروعته الأبدان.
ليلة أخرى، لا تقل روعة عن التي صنعها لنا الناشئة الصغار قبل أشهر. كيف لا، وقد استطعنا الاحتشاد بقلوبنا أمام الشاشات الصغيرة، لنبعث برسائلنا الجماعية مرة أخرى، لكل أعداء الفن والسلام، للذين لا يرون إلا بنادقهم: لا مكان لكم، وكل هذا إلى زوال. لن تستطيعوا أن تلووا عنق التاريخ ولا أن تجردوا شعبًا من حضارته ومستقبله.
هل لكم أن تروا، كيف أن القنبوس والعود والربابة والتنكة والمزمار، أمضى من بنادقكم التي مزقت عشرات السنين من مستقبلنا، وذهبت بنا إلى الفرقة والتشريد والموت؟! لكن ما يفرقه الوطن يجمعه الشتات، لقد دارت العجلة، ويمكن للوطنيين الحقيقيين أن يبعثوا برسائلهم حتى لو عدموا سوى المريخ وطنًا. من الوهم إعادتُنا للوراء، من الوهم السيطرةُ علينا، من الوهم استعبادُنا وقهرنا وإخضاعنا. نعم، إنه الوهم لا أكثر، فيما المستقبل بهناته وهباته في الانتظار، ولن نتوانى إجابة ناديه.
لكننا نبقي على الحسرة قليلًا، أن يفرغ هذا الوطن من أجياله، من بناته. كان لهذا الجمال أن يضيف في التراكم التاريخي لبناء يمننا، كان عليه أن يحتضن في مدننا التي سبقت الدنيا تحضرًا وحضارة. آن مرة أخرى، وألف، للحرب أن تتوقف. آن لهذا الشعب المتعب والمظلوم أن يصنع مستقبله بنفسه، وأن يضع شروطه الموضوعية بما يتناسب مع العصر ومتطلباته.
من المخزي أيضًا، داخل هذه النشوة، أن ننفق أعمارنا، ونهدر مواهبنا في البحث عن أسطوانة غاز، أو 20 لترًا من المازوت. إن هذه الرسائل الخاطئة التي تبعث للسواد الأعظم، لن تزيده إلا تصميمًا ومتانة، على أنه يستحق دولة أفضل، وقادة أفضل. لقد ولى إلى الأبد الزمن الراديكالي الذي ينظر إلى الناس باعتبارهم رعايا، ولى الزمن الذي ينظر فيه إلى الموسيقى على إنها رجس، وإلى المرأة على إنها خطيئة.
سنعيش، ونستطيع ذلك، لن يقهرنا زمن الطغيان والجباية هذا، ولسنا قطيعًا في حضيرة أحد. صحيح أن هذه الليلة الموسيقية التي ستسطر في السفر البهي لليمنيين، لا تحتمل السياسة والتسيس، لكن لها رسائلها، البليغة الأخرى، التي فيما إذا فوتها القادة، لن يفوتها الشعب، إنها حلقة أخرى في إعادة بناء الهيكل العظمي للأمة اليمنية المكسورة، في توحيد القلوب، وفي قول ما عجزت عنه السياسة وأساطينها البلداء.