بالرغم من أن مجتمعنا ما زال حبيس عاداته، التي تعطي الذكور نصيب الأسد من العلم والمعرفة مقارنة بالإناث، إلا أن الإناث يحصدن المراتب الأولى في كل حقول العلم والمعرفة، وبرز ذلك جليًّا في نتائج الثانوية العامة بشهادتيها الأدبية والعلمية في الأعوام السابقة.
وطيلة تلك الفترة عجز الذكور عن مجاراتهن، مما ترك انطباعًا لدى الشارع اليمني بأن المرأة أكثر اجتهادًا ومثابرة من أخيها الرجل، في كافة جوانب الحياة المختلفة. فقد أظهرت نتائج الثانوية العامة التي جرى الإعلان عنها في الأعوام الماضية أن نصيب الإناث أضعاف نصيب الذكور.
ففي العام الماضي 2019/ 2020؛ أظهرت نتائج الثانوية العامة تميزًا ملحوظًا للفتيات، فقد كان عدد الإناث المتفوقات 20 فتاة مقابل 17 فتى في القسم العلمي، وهو ما يكشف تنافسًا ملحوظًا بين الطلاب والطالبات يحدث لأول مرة، مقارنة بنتائج الأعوام السابقة التي كانت الأفضلية فيها للفتيات. وفي القسم الأدبي تم تسجيل تفوق واضح للفتيات على حساب الفتيان بنسبة 80%.
ترى إيناس صالح عقلان، الحاصلة على معدل 89٪ في القسم العلمي، في حديثها لـ"خيوط"، أن السبب في تفوق الفتيات هو أنهن مجتهدات ويعطين الدراسة أولوية قصوى في حياتهن، عكس الفتيان الذين دائمًا ما يشكو المدرسون منهم ومن إهمالهم.
تفوق متواصل
بالنسبة لعام 2018/ 2019، فقد كانت النتيجة على عكس الأعوام السابقة، فقد حاول الفتيان مجاراة الفتيات والحفاظ على ماء وجوههم، وكانت النتيجة بين كرّ وفرّ في المراكز الأولى، تارة الفتيات غالبات وتارة الفتيان.
فأما المركز الأول فقد كانت كِفّة الميزان باتجاه الفتيات، وهن: أماني أحمد عبدالله، وسارة عبدالله سيف، مقابل الطالب أحمد محمد العصري بمعدل 99,88%.
الدكتورة نجيبة مطهر، نائبة رئيس جامعة صنعاء للشؤون الأكاديمية، ترى في هذا الجانب أن تفوق الفتيات يعود إلى أنّ طبيعة التربية التي تتلقّاها الإناث، مختلفة جذريًّا عن نظيراتها التي يتلقّاها الذكور
أما المركز الثاني فقد كان من نصيب الفتيان، وهم: نبراس مثنى، وأيهم الشرجي، ويونس شمسان، ويوسف النهاري، مقابل جلين عبدالسلام محمد بنسبة 99,75%. فيما كان نصيب الطالبات مساويًا لحصة الطلاب في المركز الثالث، حيث حصل كلٌّ من عبدالرحمن علي النظاري، وعبدالحكيم محمد العبسي، وخيرالله أحمد محمد على المركز الثالث بمعدل 99,63%، بالمقابل حصلت كلٌّ من قمر محمد مسعود، وآلاء ياسين العطاب، وشيماء الحميدي على نفس المعدل والمستوى. وعلى هذا المنوال جرت بقية المراكز، كما أظهرتها نتائج الثانوية العامة للعام السابق.
العام الدراسي 2016/ 2017، تصدرت الإناث الخمس المراكز الأولى في القسم العلمي من بين ١٢ متفوقًا في أوائل الجمهورية، كما استحوذن على المركز الأول والثاني في القسم الأدبي من بين ١٥ متفوقًا.
وأما بالنسبة للمناطق الجنوبية، فقد استأثرت الطالبات بستة عشر مركزًا من بين اثنين وعشرين مركزًا، هم إجمالي المتفوقين بالعشرة الأوائل في القسمين الأدبي والعلمي.
وقد بلغ عدد الطالبات الأوائل في القسم العلمي 8 طالبات مقابل ٤ طلاب، و٨ طالبات في القسم الأدبي من إجمالي عشرة أوائل، للعام 2016/ 2017.
في هذا الخصوص، يرجع باحثون تفوق الفتيات في التعليم، خصوصًا الثانوي والأساسي، إلى عدة عوامل اجتماعية ونفسية، من بينها أن المجتمع وعاداته يهمشون الفتاة ويقصرون عليها التعليم المتوسط وأعمال المنزل وغيرها من الحرف اليدوية، مما يبعث في أنفسهن الرغبة في خوض غمار المنافسة وتحقيق أفضل النتائج.
أمل الضيعاني الحاصلة على الترتيب السابع في أوائل الجمهورية لعام 2016/ 2017 بمعدل 94% في القسم الأدبي، توكد لـ"خيوط": "إننا جميعًا خلقنا أذكياء، والفطن المتفوق هو من يستخدم ذكاءه وينميه، ولا غبي إلا من أهمل ذكاءه، سواء كان ذكرًا أم أنثى".
إحساس الفتاة بأنها درجة ثانية
تشعر الفتاة بالإهمال الشديد في أوساط مجتمعها وأسرتها، الأمر الذي يدفعها إلى البحث عن أي فرص متاحة لتحدي هذا الإهمال الذي يشعرها بالإحباط، بالنظر إلى ما تراه من اهتمام يحظى به أشقاؤها الذكور على مستوى الأسرة الواحدة.
لذا فإن التعليم يكون بمثابة نافذتها لمواجهة هذا الإهمال وعدم الاهتمام واللامبالاة التي تجدها، الذي يجعلها في حالة تحدٍّ دائم من خلال التركيز على التعليم والمذاكرة وتنمية قدراتها التعليمية لإثبات تفوقها ومنافستها لأشقائها الذكور.
الدكتورة نجيبة مطهر، نائب رئيس جامعة صنعاء للشؤون الأكاديمية، ترى في هذا الجانب أن تفوق الفتيات يعود إلى طبيعة التربية التي تتلقّاها الإناث، المختلفة جذريًّا عن نظيرتها التي يتلقّاها الذكور. وتضيف مطهر في حديثها لـ"خيوط": "إنها تجعل الفتيات يتعوّدن على نوعٍ من الانضباط في السلوك، ما يجعلهنّ بالتالي أكثر انضباطًا من الذكور في المذاكرة وفي التحصيل العلمي، بينما ينشغل الشباب في كسب الرزق أو في جبهات الحرب".
كما أن التربية وعدم الاهتمام من قبل الأهل، في حال نجحت أم لم تنجح، جعل هذا العامل ينعكس بالإيجاب على نفسية الفتيات؛ مما يجعلانِها، في أغلب الحالات، تقوم بمجهودٍ أكبر حتى تُبرز نجاحها، ولو أنّ التميّز والتفوّق نِتاج لمجهودٍ شخصي ولا يتعلّقان بقُدراتٍ خارقة لأحد الجنسين.
فيما تتفق منى السفياني، موجهة تربوية، مع ما قالته الدكتورة مطهر، إذ ترى السفياني في حديثها لـ"خيوط"، بأن الفتيات أكثر تنظيمًا واجتهادًا لا ذكاءً، فمن خلال مسيرتها التربوية لاحظت بأن الفتيان أكثر ذكاء، فهم يستغرقون وقتًا قصيرًا في مطالعة دروسهم وقدرتهم الاستيعابية أسرع من الفتيات، لكنهم يقتلون ذلك بالإهمال- حسب قولها.