لم يكن العام 2020، ضيفًا خفيفًا على العالم أجمع؛ كان مليئًا بالأحداث التي دخلت التاريخ لضخامتها وقوة تأثيرها على مسار الأحداث العامة، وحط بثقله على الكثير من البلدان، كان أبرزها تفشي جائحة كورونا التي فتكت بأكثر من مليون ونصف روح حول العالم في العام الماضي فقط، وإرغام الكثير من الدول على إغلاق حدودها، وما لحق ذلك من تبعات اقتصادية وسياسية وصحية، لم يتعافَ منها العالم حتى الآن.
عامٌ ساد فيه الخوف حتى من مصافحة الآخرين، واضطر فيه معظم سكان العالم على العمل من بيوتهم، وخسر آخرون وظائفهم، توقفت فيه العملية التعليمية، وساد فيه التعليم عن بعد، وملأت الاحتجاجات شوارع الكثير من المدن وعمت الفوضى والشغب فيها.
في اليمن، البلد الذي يعاني أصلًا من مشكلاته وحروبه الداخلية التي لا تنتهي، كان وقع العام 2020، أشد وطأة عليه، وزاد اليمنيين ثقلًا فوق ثقلهم، وهمومًا فوق همومهم.
مع أوائل أيام العام 2021، وما تفرضه البدايات من شعور بالرغبة بالتغيير والتجديد والتخلص من الماضي الأليم، يشترك اليمنيون على اختلاف مناطقهم وانتماءاتهم الحزبية والطائفية في أمنيات مشتركة كثيرة، أهمها انتهاء الحرب وحالة الحصار وتوافق الأطراف والعيش في سلام وأمن.
ضبابية الأفق السياسي
إعلان تشكيل الحكومة الجديدة أواخر العام الماضي أعطى آمالًا وتباشير خيرٍ لمعظم اليمنيين، الذين رأوا أنه قد يكون "ضوء" في آخر هذا النفق الطويل والمظلم الذي تعيشه البلاد منذ العام 2011، ولكن سرعان ما تلاشى هذا الأمل حين تم استهداف مطار عدن الدولي بقصف صاروخي لحظة وصول الحكومة الجديدة المعترف بها دوليًّا إليه، مخلفًا 25 قتيلًا و110 جرحى على الأقل.
في اليمن تحولت الحقوق البسيطة والطبيعية والمكفولة للإنسان إلى أمنيات، تتمحور أماني الكثير من اليمنيين في القرن الواحد والعشرين حول الحصول على الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والطرقات المعبدة والرعاية الصحية، وأن يتمكنوا من العيش بشكل كريم وآمن في بلادهم
هذه الفاجعة، التي ودع اليمنيون بها العام الماضي، والتي تركت أثرًا غائرًا في قلوب الجميع، فرضت أيضًا شعورًا عامًا بالحذر والتوجس مما هو آتٍ، وكأنها بطريقة ما تخبرهم أن الشر قريب منهم والموت كذلك، وأنه كلما حاولوا أن يتفاءلوا يباغتهم من جديد، ليُبدل أفراحهم أحزانًا وأعراسهم مآتم.
بالنسبة للكثير من اليمنيين، يمثل العام 2021 عامًا جديدًا من الحرب والحصار والمأساة، والكثير منهم أيضًا لا يستبشر خيرًا بما تحمله السنة الجديدة، لأنه –كما يقولون- لا توجد أية معطيات على الأرض تدعوهم إلى ذلك.
وعن التخبط السياسي الذي تعيشه البلاد في الفترة الحالية، وعدم وجود حلٍ واضح لإنهاء معاناة اليمينيين بشكل كلي في العام القادم، يقول الدكتور والكاتب اليمني مروان الغفوري، في حديثه لـ"خيوط"، إنها سنة جديدة في عمر الحرب، إذ توقف اليمني عن حساب كل شيء وتفرغ لحساب الحرب، سنوات الحصار، والضحايا في العام. "ففي المأساة يفقد الزمن كل معانيه، عدا كونه حسابًا"، وفق الغفوري.
لا يبدي الدكتور الغفوري أي تفاؤل، "ولن أكون كذلك في المستقبل" يقول، نظرًا لعدم وجود أي إشارات صريحة ولا خلفية واضحة بالإمكان تحليلها لكي "نضرب الودع" أو أن نقترح شكلًا للمستقبل.
ويرى أن الأسوأ من الحرب اليمنية أنها لم تعد حربًا بمعناها المتعارف، فلو أنها بقيت على حقيقتها كحرب، "لكنا الآن -على الأقل- قادرين على تخيل شكل معين ومحدد للمستقبل"، يضيف.
تحول الحقوق إلى أمنيات
في اليمن تحولت الحقوق البسيطة والطبيعية والمكفولة للإنسان إلى أمنيات، تتمحور أماني الكثير من اليمنيين في القرن الواحد والعشرين حول الحصول على الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والطرقات المعبدة والرعاية الصحية، وأن يتمكنوا من العيش بشكل كريم وآمن في بلادهم. يقول المواطن أحمد سلطان من سكان مدينة المكلا -محافظة حضرموت- عند سؤالنا له عن أمنياته :"أريد أن أشعر باستقرار في بلدي، ليس فقط سياسيًّا، أيضًا اقتصاديًّا ومعيشيًّا، أسعار الإيجارات والمواد الغذائية تستمر في الارتفاع، وقد لا أتمكن أنا والكثير مثلي من توفيرها في العام القادم".
يبدي سلطان تخوفه من المستقبل، والذي يعد بمثابة هاجس دائم يعيشه، ويعبر عنه بالقول: "أخاف ألّا أستطيع دفع إيجار البيت وتكاليف دراسة أبنائي وشراء الطعام لأسرتي، أخاف أن نصبح مشردين أو أن نضطر لمد أيدينا للغير".
يراقب اليمنيون أسعار الصرف باهتمام بالغ، صعوده ونزوله، فعلى ضوئه تتوقف قدرتهم على شراء حاجياتهم الأساسية وتلبية متطلباتهم المعيشية.
في هذا السياق، شهد نهاية العام الماضي وبالتزامن مع إعلان الحكومة المعترف بها دوليًّا الجديدة، نزولًا واضحًا في أسعار الصرف بالنسبة للريال اليمني في المناطق الخاضعة لسيطرتها، استبشر المواطنون بذلك، وأملوا أن يكون دليلًا على قرب انفراج اقتصادي ومعيشي لهم، حيث سيؤدي هذا الأمر إلى انخفاض أسعار المواد الغذائية والخدمية وتمكنهم من توفيرها، مما سيخفف العبء على الكثير، قبل أن يعود سعر الصرف إلى الاضطراب والتأرجح، بسبب ما أحدثه انفجار مطار عدن من تداعيات وتبعات أثرت على سعر الصرف والتحسن الذين طرأ على وضعية الريال.
بالمقابل يرى آخرون أن هذا الانخفاض "مؤقت" وغير دائم، وأنه جرعة لتهدئة الشعب، وليس حلًّا مثاليًّا للمشاكل الاقتصادية للبلاد، إذ يقول في هذا الجانب الناشط في مجال حقوق الإنسان أشرف العوبثاني لـ"خيوط"، إن هنالك الكثير من العوائق الاقتصادية التي تجعل الكثير غير قادرين على التفاؤل بتحسن الوضع الاقتصادي في العام الجديد، فسعر صرف العملة باعتقاده، لن يستقر بثبات كامل، وإنما يظل استقرارًا نسبيًّا بين الحين والآخر، بسبب عدم وجود صادرات من الدولة وغيابها عن القيام بواجبها الاقتصادي في تحصيل الإيرادات العامة، إضافة إلى ارتباط الملف الاقتصادي بالجانب السياسي، فعند حصول استقرار سياسي تحدث تنمية وينتعش الاقتصاد.
أمنيات السفر ولمّ الشمل
"السفر والهجرة" كانت الأمنية المسيطرة على أجوبة معظم الشباب، الذين تم استطلاع آرائهم في حضرموت، خصوصًا خريجي الجامعات الذين ضاقت بهم أرض الوطن، وتاهت أحلامهم بين متاهات الحروب وصراعات الأطراف السياسية، وعن حالة الإحباط العامة التي ألقت بظلالها على الجميع، يقول الإعلامي محمد خالد لـ"خيوط"، عند سؤالنا له عن "حلمه" وأمنياته في العام الجديد: "لدي العديد من الأحلام التي أسعى لتحقيقها في العام الجديد، جميعها أحلام "قصيرة المدى"؛ لأنه لا أحد يستطيع أن يضمن عمره في هذه البلاد، وهناك احتمالية للوفاة في أية لحظة".
جائحة كورونا، بالإضافة إلى حالة الحرب والحصار التي تعيشها البلاد، فرضت قيودًا إضافية على اليمنيين، تسببت في شتات وتفرق العائلات، وصعوبة إمكانية اجتماعهم تحت سقف واحد، الكثير منهم أصبح أقصى أمانيه يتمثل في "لمّ الشمل"، وأن يحظى بفرصة للقاء أحبابه وعائلته مرة أخرى في العام الجديد.
"أتمنى فقط أن يتمكن جميع أفراد أسرتي من حضور حفل تخرجي، الذي سيكون في شهر أغسطس/آب القادم"، هذه كانت أمنية بشرى صالح، طالبة في السنة الأخيرة في كلية الهندسة المعمارية بجامعة حضرموت.
تضيف بشرى لـ"خيوط"، أن كثيرًا من أفراد أسرتها متفرقون في دول الاغتراب، لذا كل شيء ناقص بدونهم، وجميع الإنجازات غير مكتملة، إذ إن فيروس كورونا وما رافقه من إجراءات احترازية أفشل ما كانت تخطط له أسرة بشرى في الاجتماع ولمّ الشمل، والتي تتمنى ألّا يتكرر الأمر هذه السنة أيضًا.