بما قيمته 50 ألف ريالٍ يمنيّ (80 دولارًا أمريكيًّا)، بدأت عنود السقاف (23 سنة)، مشروعها الاقتصادي الأسري لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية والحرب، ليرتفع رأس مالها إلى مليونَي ريال في غضون عامين اثنين، من أعوام الحرب التي تمضي في عامها الثامن.
نهار كل خميس تعرض الشابة عنود –حاصلة على دبلوم قبالة وتوليد- منتجاتها اليدوية من الإكسسوارات والورود الصناعية والفضيات، فيما يعرف بـ"سوق الخميس"، الذي يجمع أسبوعيًّا نحو 100 سيدة يمنية، يبعن مشغولاتهن اليدوية في ساحة عامّة بميدان التحرير (وسط العاصمة صنعاء).
توقف صرف مرتب والدة عنود، التي تعمل في قطاع التربية والتعليم، وتضرر منزلهم متأثرًا بانفجار قنبلة لطيران التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في حي نُقم (شرقي صنعاء)، دفع بالأسرة المكونة من سبع أخوات ووالدتهن إلى النزوح بعيدًا، والبحث عن مصدر دخل يفي بمتطلبات الغذاء والدواء والسكن.
تصدرت عنود خوض غمار التحدّي، وأسّست معملًا للمشغولات اليدوية والإكسسوارات -تعمل فيه ست عاملات- وتعرض في "سوق الخميس" نماذجَ قديمة من منتجاته.
تستورد المواد الخام لبضائعها من الصين، وتقوم بتشكيلها في مشغلها إلى نماذج متعددة وألوان متفاوتة، بخلط مواد تصنيعية لمدة ثلاث دقائق، مشيرة في حديثها لـ"خيوط"، إلى صبغ المنتج بالألوان المناسبة ثم ترجمة الفكرة بصب الخليط داخل قوالب قالت إنه "يتم صنعها محليًّا من مادة السيليكون، أو استيرادها من الخارج"، وصولًا إلى مرحلة تجفيف المادة، بتركها لمدة ثلاثة أيام قبل منحها الشكل النهائي؛ وبالتالي عرضها للبيع.
تشرح عنود مراحل إنتاج مشغولاتها اليدوية، منوهة إلى ارتفاع نسبة الإقبال على منتجاتها في مواسم الأعياد، وتقول إنها تقوم بالتوزيع أيضًا لملاك المحلات والبسطات بالجملة، استجابة لطلبات تتلقاها من التجار. وهي تشتكي من "سرقة أفكار" تشكيلاتها عند تسويق النماذج إلكترونيًّا، ولذلك فهي لا تستخدم هذه الوسيلة للتسويق: "الطلبات تأتي بعد عرض النماذج على العملاء؛ لأن تصوير النماذج يعرّضها لسرقة فكرتها".
مشغولات يدوية تراثية وإقبال موسمي
تتنوع منتجات "سوق الخميس" ما بين الإكسسوارات والفضيات والملبوسات والحقائب النسوية ومستحضرات التجميل والعطور والبخور والحلويات والأغذية، وغيرها من المشغولات اليدوية ذات الطابع التراثي والمتنوع بتنوع وغزارة الموروث الشعبي في اليمن.
بالقرب من عنود، تعتقد بدور لطف الغشم، وهي صاحبة مشغل للإكسسوارات، أن منتجاتها المعروضة في السوق تراعي القدرة الشرائية للمجتمع، فقيمة بضائعها تبدأ بسعر 100 ريال للقطعة، ولا تزيد عن 1000 ريال، مشيرة إلى أنها كانت تنتج ما تسميها "حاجات حريم السلطان- منتجات نحاسية ضخمة"، لكنها لا تجد إقبالًا عليها.
للسنة الثالثة، تعمل بدور في إنتاج وبيع الفضيّات والإكسسوارات، لكنها ترى أنّ الإقبال على منتجاتها ما يزال موسميًّا، ولذلك فهي تعتقد أنّ المجتمع في اليمن "لا يقدّر أهمية الأشغال اليدوية". وتضيف: "في دول أخرى تحظى الأشغال اليدوية بتشجيع وتقدير باعتبارها تراثًا".
تعمل في السوق 90-100 امرأة، من الثامنة صباحًا حتى الخامسة عصرًا، ومعظمهن نساء معيلات لأسرهن، أرامل، مطلّقات، طالبات جامعة.
أرباح قليلة لوجبات غذائية شهيرة
من جانبها، تقول أم الحسين طه أبو طالب، وهي صاحبة معمل للحلويات والوجبات الغذائية، إنها اقتحمت مجال إعداد وبيع الوجبات الغذائية والحلويات منذ مقتل ابنها قبل أربع سنوات في إحدى جبهات الحرب، وأن هذا الفقدان لولدها منحها قوة وعزيمة لمساعدة زوجها بعد انقطاع صرف رواتب الموظفين الحكوميين.
تتضمن معروضات أم الحسين، حلويات البسبوسة، والكيك بالشوكولاتة، والكعك المعمول بدقيق الدخن، وكعك الدقيق الأبيض، وأنواعًا أخرى من الحلويات، إضافة إلى وجبات الزربيان، والمحشي، وبنت الصحن. لديها ثلاث عاملات في معملها، الذي تأمل أن تطوره إذا ما توفر لها المال الكافي لذلك. لقد بدأت نشاطها الاقتصادي هذا -كما قالت- بقرض مالي من "مؤسسة بنيان"، مشيرة إلى تلقيها طلبات لمنتجاتها من خارج اليمن، "من ماليزيا" تحديدًا.
تعتقد أم الحسين أنّ أسعار منتجات معملها تناسب مستوى الدخل في اليمن، فأرخص القطع لديها بـ(100) ريال، وأعلاها سعرًا 300 ريال، منوهةً إلى أن سعر وجبة الزربيان يصل إلى 1300 ريال، والمحشي 700 ريال، وتقول: "نرضى بالربح القليل".
أشغال نسوية نظيفة
كل يوم خميس، يحرص ماجد الريمي (27 سنة)، مالك بسطة في شارع جمال، على حضور السوق والاطلاع على جديد المنتجات من الإكسسوارات والمشغولات اليدوية.
يقول ماجد، إن الحرب والأزمات المصاحبة لها، أوجدت أنشطة اقتصادية جديدة للمرأة والأسرة اليمنية، ودفعت بعض النساء لاقتحام مجالات عمل لم تكن معروفة.
في حديثه لـ"خيوط"، يؤكد ماجد أنه يتعامل مع أكثر من 10 معامل إنتاج نسوية، تنتج الفضيات والخرز والأساور وغيرها، لافتًا إلى أن منتجات هؤلاء السيدات ذات جودة عالية: "شغلهن نظيف، وأجمل من الخارجي، ولبضائعهن إقبال في السوق".
أسفرت الحرب عن انزلاق غالبية السكان إلى دائرة الفقر، وحسب الباحثة شريان، تمثل النساء نسبة عالية، وصلت إلى 51% من إجمالي الفقراء.
جدارة نسوية في مواجهة تداعيات الحرب
أروى السواري، وهي عضوة في إدارة "مؤسسة بنيان للتنمية" والمنسقة للسوق، تقدّر ارتفاع حجم مبيعات السوق إلى قرابة مليون ريال (1500 دولارًا أمريكيًّا)، كل يوم خميس، رغم تأثر مستوى دخل الفرد في اليمن بالحرب وويلاتها، كما تعتقد أن المستهلك بدأ يركز على الأساسيات ويحجم عن شراء الكماليات؛ "نسبة المبيعات مرتفعة بالتوازي مع ارتفاع عدد الزوار". تقول أروى لـ"خيوط"، مقدرة النساء العاملات في سوق الخميس ما بين 90-100 امرأة، يعملن من الثامنة صباحًا حتى الخامسة عصرًا، ومعظمهن نساء معيلات لأسرهن، أرامل، مطلّقات، طالبات جامعة، وتعتقد أروى أنّ المرأة في اليمن "رائدة أعمال ومبدعة، وهي جديرة بمواجهة تداعيات الحرب"، ولذلك تقول إنهن يعتزمن دراسة خطة ترويج إعلامية لمنتجات الأسر.
تأثير الحرب على مشاريع النساء
الباحثة الاقتصادية، إيمان عبدالرحمن شريان، تذكر من جانبها أن المشاريع الاقتصادية النسوية التي توقفت عام 2016، بسبب الحرب، بلغت نسبتها 42% من إجمالي المشاريع، مقابل ما نسبته 19% يملكها الذكور. وتشير إلى أن حجم معظم المشاريع النسوية بين المتوسط أو الصغير، فضلًا عن أن هذه المشاريع أكثر حداثة، ولا تمتلك الخبرة الكافية والإمكانات المادية للاستمرار والصمود في ظروف الحرب.
في ورقتها المعنونة بـ"تمكين النساء المتضررات اقتصاديًّا من الحرب"، تلفت الباحثة إيمان شريان، إلى فقدان النساء العاملات في القطاع الحكومي، للمصدر الأساسي لدخلهن منذ انقطاع الرواتب والأجور الحكومية منذ سبتمبر/ أيلول 2016، موضحة أنّ حوالي 114.5 ألف موظفة يعملن في القطاع الحكومي، من أصل 612.2 ألف موظف/ـة يعيلون حوالي 8.406.9 مليون شخص.
لقد أسفرت الحرب عن انزلاق غالبية السكان إلى دائرة الفقر، وحسب الباحثة شريان، تمثل النساء نسبة عالية وصلت إلى 51% من إجمالي الفقراء، فيما بلغ عدد الأسر التي تعيلها نساء حوالي 141.8 ألف أسرة في الحضر، و271 ألف أسرة في الريف، تمثل 11.4% من إجمالي الأسر.
إعالة نسوية للأسرة في ظل الحرب
في سياق متصل، يؤكد تقرير لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، تأثير الحرب على النساء في القوى العاملة أكثر من الرجال، وأن الشركات المملوكة للنساء أكثر تضررًا من الشركات المملوكة للذكور، مشيرًا إلى أنّ العام 2015، شهد انخفاض عمالة الذكور بنسبة 11%، بينما انخفضت عمالة الإناث بنسبة 28%.
وفي تقريره المعنون بـ"تداعيات الحرب على القوى العاملة من النساء"، يرى مركز صنعاء أن النزاع المطول أدّى إلى بعض الزيادات في عمالة النساء، وارتفاع كبير في عدد الأسر التي تقودها النساء، مشيرًا إلى أن الحاجة المادية قادت عددًا متزايدًا من النساء إلى بَدء مشروعات جديدة، غالبًا ما تكون أعمالًا منزلية، مثل إنتاج الطعام في المنزل لبيعه، أو بيع الملابس والإكسسوارات عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.