يبدو أن اللقاءات اليمنية-اليمنية منذ الكويت 2016، وحتى ستوكهولم 2018، حققت بعض النتائج، ولكنها لم تطبق، ولم يتم الالتزام بها، كذلك وصولًا إلى اللقاءات المتكررة في عُمان، كلها قد وصلت إلى زقاق مسدود، وحل محلها التفاوض بين الأطراف الإقليمية: إيران، والسعودية تحديدًا، وإيران-والإمارات، وإيران وأمريكا بصورة غير مباشرة.
التفاوض بين أطراف الصراع الإقليمي والدولي يعني أن الأمر قد خرج من أيدي اليمنيين، وهذه الأطراف يهمها بالأساس ضمان مصالحها، وإطالة أمد الحرب، لفرض الحلول الملبية لتلك المصالح.
شملت الحرب مختلف مناطق اليمن في الشمال والجنوب، ولكنها الآن أصبحت أكثر تركيزًا وتفجرًا في مناطق الثروة: الجوف، مأرب، شبوة، والمناطق الاستراتيجية: الموانئ، وباب المندب.
الأطراف الإقليمية والدولية حريصة على تدويخ اليمن -كل اليمن- بالحرب، وحريصة أكثر على توازن الضعف، لإبقاء اليمن كلها ميدان قتال، واليمنيون أدوات وضحايا هذه الحرب في مواجهة بعضهم.
في بداية الحرب، كانت دعاوى الأطراف الداخلية مرتفعة، وكل طرف يعتقد أنه صاحب الحق الأوحد، والأقدر على حسم الحرب لصالحه، ولكن بعد مضي سبعة أعوام، وتدمير الكيان اليمني، وتمزيق نسيجه المجتمعي، وتنامي أعداد القتلى الذين بلغوا الآلاف، إلى جانب ملايين المشردين والمعاقين والجرحى، وملايين الجوعى، بدأت الأطراف الإقليمية والدولية تتصدر المشهد، وتزيح أو تغيّب أطراف الصراع الأهلي، ولا تسمح لهم أن يتحاوروا أو يتلاقوا مع بعضهم. حتى التفاوض الآن لم يعد متاحًا أمام أطراف الحرب الأهلية، وحلَّ التفاوض بين أطراف الحرب الإقليمية والدولية محل أطراف الحرب الأهلية الذين أصبحوا ظِلالًا باهتة، وصدى خافتًا للممولين والداعمين، بل لصناع الحرب الحقيقيين.
في المراحل الأولى، كان طابع "الحرب الأهلية" هو المتسيد، وكان الممولون والمساندون شديدي الحرص على رفع مطالب أطراف الحرب المحليين.
المتحاربون المحليون غاية كل طرف منهم الانفراد بالسلطة، أو الاستيلاء على مناطق سيطرة ميليشياتهم، وحيازة الثروة، وبناء كانتونات خاصة، وكانت أوهام الحسم العسكري كبيرة؛ فكل طرف يعتقد أن الحسم لن يستغرق بضعة أشهر أو حتى أسابيع، ولكن بداية الحرب ليست كنهايتها؛ فما أن عمت الحرب الأهلية، وشملت الأرض اليمنية كلها، وانخرطت فيها مكونات ما قبل عصر الدولة، وانساقت أطراف وفئات وشرائح من المجتمعين الأهلي والمدني، حتى برز أطراف الحرب الأساسيون: إيران، والسعودية، والإمارات، بدعم ومساندة الأمريكان والبريطانيين والفرنسيين وآخرين، فلم يعودوا مجرد داعمين ومساندين للحرب، إنما صناع حقيقيون يقررون مصيرها، ويتفاوضون سرًّا وعلانية على ما يريده كل طرف.
عندما رفع الشباب في ثورة الربيع العربي شعار: "ارحل"، سخر صالح من شابات الثورة وشبابها متسائلًا: من يرحل؟! فهو يرى نفسه أعرق من جبلَي نُقُم وشمسان، وأقوى من الشعب كله.
تصعيد الحرب في شبوة، بيحان، والجوف، له ارتباط بالتفاوض في فيينا من حول النووي الإيراني، وله ارتباط وثيق بالتفاوض الإيراني-السعودي في العراق، واشتداد الحرب في مناطق الثروة، هدف رئيس للتحالف العربي المدعوم أمريكيًّا وبريطانيًّا وفرنسيًّا منذ الوهلة الأولى.
هدف هذه الدول السيطرة على مناطق الثروة، والسواحل ومدنها، وترك اليمنيين يتقاتلون كإخوانهم الصوماليين إلى ما لا نهاية.
القوى الإقليمية والدولية ضالعة منذ البداية في التخطيط للحرب، وجر اليمنيين إليها، والهدف الإقليمي المواجهة غير المباشرة، وبعيدًا عن حدودهم. وتهدف دول الجوار إلى الحيلولة دون بناء دولة يمنية؛ لأنها تمثل خطرًا على كياناتهم ذات الطبيعة القبائلية والأسرية المستبدة.
المتابعون للتطورات الأخيرة في انتقال الجيش التابع للسعودية والإمارات من تهامة دون معرفة أو علم قادة الحكومة المعترف بها دوليًّا، أو المجلس الانتقالي، يؤكدون أن السعودية والإمارات -بنصائح أمريكية وبريطانية- قد سوّيا خلافاتهما، وتوليا مباشرة قيادة المواجهة العسكرية مع أنصار الله (الحوثيين).
قيادة المعارك الآن بيد التحالف، والقادة العسكريون في العمالقة والحرس الجمهوري والألوية الأخرى، مرتبطون مباشرة بالتحالف العربي، ولا يعرف المسؤولون اليمنيون شيئًا عما يدور على أرضهم من حرب، ويجري الآن التفاوض في العراق بين الإيرانيين والسعوديين في غياب القيادات اليمنية.
كما أن الحرب اليمنية حاضرة في المفاوضات الأمريكية الأوروبية-الإيرانية في فيينا، ولا علاقة للقيادات اليمنية بما يجري، ولا دخل لهم في مصير حرب تدور على أرضهم وبلادهم.
مصير اليمن الآن رهن الصراع الإقليمي والدولي، وهو من يقرر وضع البلد بعيدًا عن مشاركة قيادة الحرب اليمنيين ومسؤوليهم السياسيين، أو حتى إطلاعهم على ما يجري.
مخاطر التسوية بدون مشاركة ألوان الطيف المجتمعي: الأهلي، والمدني، والشباب، والمرأة، والأحزاب السياسية، والشخصيات العامة، لا تقل عن مخاطر الحرب، والتشجيع على استمرارها بدون تبعات أو مسؤوليات.
عندما رفع الشباب في ثورة الربيع العربي شعار: "ارحل"، سخر صالح من شابات الثورة وشبابها متسائلًا: من يرحل؟! فهو يرى نفسه أعرق من جبلَي نُقُم وشمسان، وأقوى من الشعب كله.
ربما اعتقد صناع الحرب الأهلية -وهم تلاميذ بلداء لعلي عبدالله صالح، وأطراف الصراع الإقليمي والدولي- أن مصير اليمن بأيديهم، وأنهم الأقدر على اقتسامه وفق مصالحهم، وما يتوافقون عليه، ولكن مصير اليمن لن يقرره إلا شعبه.
النزول إلى الميادين، والاحتجاجات السلمية هي الخيار الوحيد أمام الشعب اليمني بمختلف مناطقه وفئاته وشرائحه، وألوان الطيف المجتمعي المدني والأهلي، ويبدو أنه طريق وخيار الأمة كلها من الماء إلى الماء.