اقشعرّ بدني وأنا أسمع تلك المرأة من أبين، تناشد الجميع باسم الجميع، الجميع في عموم البلاد: "إلى كل الدول، إلى كل الأحزاب، إلى المبعوث الدولي الذي يأتي ويذهب بلا جدوى، الناس تعبت حرب 7 سنوات، الناس تعاني المرض والجوع، الحبة البندول بـ200 ريال…". وأضيف أنا هنا: والحبة الدجاج في تعز بـ10 آلاف ريال! وفي بقية المدن اليمنية يعلم الله بالحال.
تلك صرخة المرأة الموجوعة، والتي لن يكون لها أي أثر، الصوت الوحيد المسموع، هو صوت الرصاصة.
ماذا يمكن للأطراف كلها أن تقول لها وأمثالها من الموجوعين، ومن فقدوا الأمل في كل شيء، إذا كانوا يتحاربون من أجل الشعب كما يقولون، فالشعب تعب من الجوع والمرض وفقدان الأمل؛ فعن أي شعب يتحدثون؟!
يشرق الصبح في الدنيا كلها على أمل جديد، وهذه البلاد تشرق صباحاتها على أخبار القتل والقتل الآخر، صار الناس يكرهون أن يطلوا على وسائل التواصل، أو قراءة ما تيسر من صحف ومواقع لا تسمن ولا تغني من جوع!
ماذا يمكن أن يقال لتلك المرأة المسِنّة الموجوعة وهي تناشد المجتمع الدولي المشغول بمصالحه، وصارت أزمة اليمن مجرد ورقة في ملف الأزمات الدولية لن تضع حربها أوارها إلا بحل كل القضايا التي يحملها الملف!
لذلك، فدعوتها ودعوات غيرها ستذهب أدراج الرياح.
يأتي المبعوث الجديد، وسيذهب، وفي الأخير ستجده بلا حول ولا قوة مثل الذين سبقوه، فالحل ليس بيد الأمم المتحدة كجهاز دولي مفترض لحل أزمات العالم، الحل بيد اللاعبين الإقليميين ومن وراءهم اللاعبين الأكبر، ونحن لم نفهم، والغريب أن هناك من يصر على أن المبعوث سيأتي وبيده الحل! لا، فالحل ليس بيده، وهو موظف لدى التوازنات التي تصنعها وتشكلها المصالح.
أما المشكلة الأكبر، والتي لا تدركها تلك المرأة الأبينية الطيبة، فهي أن الأطراف اليمنية أيضًا ليس الحل في يدها، باعتبارها وكيلة لأجندات قوى إقليمية مهما ادعت الاستقلالية في اتخاذ القرار. نعم، قرار الطلقة الأولى ربما، أما إيقاف الطلقة الأخيرة فبيد اللاعبين الذين يتصارعون على زعامة المنطقة، وبيد الكبار الذين يسعون وراء الثروات.
قد تموت تلك المرأة الخيّرة قبل أن ترى السلام يعم ربوع البلاد، فالمسلسل طويل كتلك المسلسلات المكسيكية التي تظل تعرض حلقاتها سنوات.
كان الأمل في بداية الصراع، أن تحتكم الأطراف اليمنية إلى العقل، تبيّن فيما بعد أن العقل والحكمة صارا في خبر كان.
بلد يتشظى، موزع بين صنعاء وعدن ومأرب والساحل الغربي ومصيبته الجيوسياسية موزعة بين الرياض وطهران وأبوظبي؛ كيف يمكن لك أن تلملمه إلا بطريقتين، إما أن تتفق أطراف المعادلة الإقليمية، أو ينتصر طرف وتنتهي الحكاية. غير ذلك لا يمكن.