لم تكن الحرب في اليمن معزولة عما دار ويدور في المنطقة العربية كلها. هزيمة 1967 بوابة كبرى لما تلا، أما حرب الخليج الأولى والثانية، وتدمير العراق، فقد كانت بوابة أخرى للهزائم اللاحقة.
لا يمكن إعفاء الرجعية والإمبريالية والصهيونية مما لحق بأمتنا العربية، بالقدر الذي لا يمكن إعفاء الاستبداد الحاكم مما وصلنا إليه.
انطلقت ثورة الربيع العربي (ثورة اللاعنف) في مواجهة العنف، فانتصر العنف مؤقتًا، وهرب الحكام إلى تسعير الحروب.
الحرب تغطي سماء الأمة من الماء إلى الماء، ولم تكن الحرب إلا استمرارًا لنهج وأسلوب القوى الحاكمة، رجعية كانت أو قومية، وكردٍّ على ثورة الربيع العربي السلمية، تصاعد العنف، وسعرت الحروب.
الحرب في اليمن كانت بوابتها الكبرى حرب 1994، التي دمرت الوحدة السلمية، وأقامت "وحدة معمدة بالدم".
لا يزال الدم ينزف في كل مدن اليمن وقراها، شرقًا وغربًا، وشمالًا وجنوبًا. حروب صعدة الستة، والحرب المشتعلة منذ سبعة أعوام وتلج عامها الثامن، مخلوقات شائهة لحرب 1994، وكان الرد الوحيد الإيجابي عليها ثورة الربيع العربي التي رفعت صوت السلام في مواجهة آلة الحرب الجهنمية التي احترفها الطغاة، وحتى عندما كانت الحرب موجهة ضد الرجعية والاستعمار، كانت توجه في الوقت نفسه ضد الشعب، وضد المعارضة السياسية، وضد الحريات العامة، وحرية الرأي والتعبير؛ فــ"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".
تعاني أمتنا العربية ويلات الحروب وعلى رأسها حرب إسرائيل المستمرة منذ ثلاثينيات القرن الماضي ضد الشعب الفلسطيني، وضد أمتنا، وحروب الأنظمة الفاسدة والمستبدة ضد بعضها، وغالبًا ضد شعوبها.
قمعت السعودية الربيع داخل أراضيها، ودعمت الأردن، وقام درع الجزيرة السعودي بقمع الانتفاضة في البحرين، ودعمت جيش علي عبدالله صالح وفرقة علي محسن لاحتواء الربيع، وفيما بعد إعلان الحرب
بعد أكثر من ثلثي قرن على فجر الثورات القومية نقرأ النتيجة المفجعة في تدمير العراق وسوريا ولبنان وليبيا والسودان واليمن، وإضعاف مصر والجزائر وتونس.
لا يمكن الاغترار بالحالة القائمة في دول مجلس التعاون الخليجي، وبالأخص العربية السعودية والإمارات؛ فهذه الدول لا يمكن أن تحل محل العراق وسوريا ومصر؛ لأن ضعف هذه المراكز الحضارية، وشن الحرب ضد اليمن، والحرص على تدميره لا يمكن أن يكون مصدر قوة لهذه البلدان.
استوقفني مقال للصحفي القدير والشجاع خالد سلمان، يقول فيه: "لم تغير المملكة سياستها إزاء اليمن؛ حيث ما زالت تقتفي أثر نظرة الأجداد ووصاياهم في ضرورة فرض التبعية والانسياق خلف إملاءاتهم، وعدم الاعتراف بوجود دولة يجب أن يكون لها قرارها المستقل، تدار من القصر الجمهوري لا من سفارة المملكة في صنعاء.
تثبت كل التصدعات والحرائق التي تطال السعودية الآن، أن الأمن منظومة متكاملة، حيت يكون جارك الإجباري بحكم سلطة الجغرافيا غير آمن؛ فأنت وأمنك الداخلي بالنتيجة ضحية.
ويضيف: "إضعاف اليمن لم يفتح أبواب السيطرة عليه، بل فاقم في داخله مشاعر الغبن والتوق للخلاص من مثل كهذا تبعية وارتهان".
يتناول الصحفي القدير عبث السعودية، وتدخلاتها في الشأن اليمني، وفرض المشايخ والأتباع، وعبثها بأمن اليمن وسلامته واستقراره واستقلاله، واغتيال الرؤساء، وفرض الاتباع، وينتهي إلى القول بأن السعودية لم تستوعب يومًا أنّ جارًا مستقرًّا يعني داخلًا سعوديًّا آمنًا، وأن كل انفجار اجتماعي عسكري على تخوم حدودك يعني حصد المزيد من الشظايا والتداعيات الناسفة لاستقرار نظامك السياسي.
والواقع أن السعودية لم تكن بعيدة عن هزيمة 1967، بسبب الحرب في اليمن، ولم يكن الحكام في دول الخليج ومصر وسوريا بعيدين عن تدمير العراق المدان باجتياح الكويت؛ وهو ما استفادت منه أمريكا وإسرائيل وإيران، وأسهمت بعض دول مجلس التعاون في الحرب على سوريا وليبيا والسودان واليمن.
السعودية الآن هي الداعم الأساس إلى جانب إسرائيل للعسكر في السودان، وتخوض الحرب في اليمن، لا لعودة الشرعية؛ وإنما لتفكيك اليمن، وانتهاب جزره وموانئه، وبعض محافظاته.
منذ تأسيس الكيان السعودي، كان مطامع حكامه في كل الخليج، والعراق، وشرق الأردن، وبالأخص في اليمن، وخاضت السعودية -ولا تزال تخوض- الحرب عليه، واتخذ الصراع البعد الأخطر بعد قيام الثورة القومية في مصر 1952، وثورة الـ26 من سبتمبر 1962، والـ14 من أكتوبر 1963، واعتقد حكام المملكة أن التوقي من أثر الثورتين لا يكون إلا بالحرب، وعندما قامت الثورة الإسلامية في إيران كان الرد دعم المواجهة العسكرية مع إيران عبر حرب الخليج الأولى.
عندما شكا حكام السعودية إلى الرئيس الأمريكي أوباما خطر إيران، قال لهم: إن الخطر داخلي؛ يقصد طبيعة النظام، وعلاقته بمواطنيه، وبالأخص الشيعة.
عندما تفجرت ثورة الربيع العربي، وامتدت إلى مصر وسوريا وليبيا واليمن والبحرين، تصدت السعودية للربيع العربي، وجيشت المرتزقة متحالفة مع ثماني دول بقيادة أمريكا وإسرائيل؛ لإعلان الحرب على سوريا.
قمعت السعودية الربيع داخل أراضيها، ودعمت الأردن، وقام درع الجزيرة السعودي بقمع الانتفاضة في البحرين، ودعمت جيش علي عبدالله صالح وفرقة علي محسن لاحتواء الربيع، وفيما بعد إعلان الحرب.
الحرب الروسية في أوكرانيا تفتح الباب أمام احتمالات ومخاطر يتداخل فيها الإقليمي بالدولي بالأهلي، ويكون الدولي ذا حضور أكبر.
في الحرب على اليمن يتسيد الإقليمي، والتصعيد الأخير في اليمن مرده إلى الاحتمالات الناجمة عن الحرب، كما أن قرب توقيع الاتفاق مع إيران من حول ملفها النووي، وفك الحصار عن إيران حاضر في التصعيد، وفي ظل العجز الواضح الفاضح عن تحقيق حسم عسكري، واستعصاء الحل السياسي، يبرز السؤال: هل تكون التطورات الدولية الخطرة مؤشرًا لكل أطراف الحرب بضرورة استشعار وضع جديد يفضح حربهم العبثية، ويدفعهم للسلام.