أعلن مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هدنة مدتها شهرين. بالنسبة للشعب اليمني لا شيء يستحق الاحتفاء مثل هذا الخبر السعيد. لقد ضاق الخناق واستحكم، حتى صارت المعيشة ضربًا من الكوابيس. بالأمس، وجد الأهالي في مدينة يريم شابًّا مشنوقًا على أحد الأعمدة، وبجانبه ورقة، تضمنت رسالة من كلمة واحدة، لو أن في هذا العالم الرحمة: "تَعِبْت".
تَعبَ الشعب اليمني، وذاق ما لم تذقه أمم الأرض، صارت محاولة العيش داخل هذه الجغرافيا عذابًا، من طوابير الانتظار لجالون بترول معدم إلى الركض وراء أسطوانة غاز مختفية. لقد كذبتْ علينا كلُّ أطراف النزاع وداعموهم. كل دعاوى حرصهم، ما هي إلا كمين محكم لإهانة العامة، وسلبهم مصادر رزقهم. وها هم كأقليات سياسية وفئوية، ينعمون برغد العيش، على حساب أمة عظيمة، تم إذلالها وإهانتها دون أي مسوغ.
ثمّ إنّ إدارة الحروب بتجويع الناس لا يمكن أن يحوز أي فخر أو شرف، كذلك قطع الطريق عليهم لأنهم قرروا أن يعيشوا حياتهم بمنأى عن استبدادك، أو حرمانهم من حقوقهم المالية المكفولة بالدستور، وإغلاق المطارات أمام أوجاعهم، وجعل أسطوانة الغاز مادة للسيطرة عليهم والتحكم بقرارهم، لتأتي بعد ذلك وتمتلك الجرأة للتحدث باسمهم، وتدّعي الحرص عليهم، أيّ قلب مصمت، وأيّ ضمير ميت؟!
إعلان رمضان الإنساني هذا، إذا لم تعرقل الأطراف تنفيذه، هي الخطوة الوحيدة من سبع سنوات التي قدمت لأجل الناس، والتخفيف من معاناتهم. وهي على ما أشاعت من التفاؤل والأمل، ليست هبة، وإنما استحقاق، وكان عليها أن تتم منذ فترة مبكرة. بربك، من تُعاقب عندما تمنع مواطنًا من استخدام طريق مدينته؟ أو إغلاق مطار في وجه إنسان متعب يتوق لفرصة تعافٍ قريبة؟!
يجب ألّا تستثني هذه الاستجابة، أيّ قيود وقوانين عرفية، ومن ذلك وقف الانتهاكات بحق النساء والحريات العامة، وإنهاء القيود على المجتمع المدني والإعلام، ووقف كافة أشكال الدعم الإقليمي للجماعات المسلحة في البلد
إن الوضع الإنساني، كلٌّ لا يتجزأ، ويجب ألّا تُرتِّب الأطرافُ عليه أيَّ مكسب سياسي أناني؛ لأن من شأن النظرة القاصرة لهذا الملف على أنه فرصة للمناورة، أن يطيل أمد معاناة الأغلبية، ويضع على عاتق المعرقلين مسؤولية قانونية أكبر، من أنهم مجرمون خطيرون، لا يؤمنون بحق الشعوب في الحياة الكريمة، عوضًا عن أنه لا يجب على هؤلاء وأمثالهم ولو مجرد ذكر اسم اليمن وشعبه على ألسنتهم.
هناك أيضًا حزمة من الخطوات اللازمة لاختبار جدية الأطراف ونواياها الحسنة، وبما سيؤثر إيجابًا على حياة الملايين، ويمكن أن تتم بالتوازي، في الطريق إلى سلام دائم، ومن ذلك:
فتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية، وفتح طرق تعز، وعدن، ومأرب، وإنهاء القيود على الواردات عبر الموانئ البحرية والمنافذ البرية، وإنهاء القيود والعراقيل على العمليات الإنسانية، وتغطية خطة الاستجابة الإنسانية للعام 2022، وتسليم مرتبات الموظفين الحكوميين، والسماح الفوري بفحص وصيانة الناقلة صافر، وإنجاز تبادل كامل للمحتجزين، والإفراج عن المختفين قسريًّا، بما يشمل دول التحالف.
ويجب ألّا تستثني هذه الاستجابة، أي قيود وقوانين عرفية، ومن ذلك وقف الانتهاكات بحق النساء والحريات العامة، وإنهاء القيود على المجتمع المدني والإعلام، ووقف كافة أشكال الدعم الإقليمي للجماعات المسلحة في البلد.
ويتشارك المسؤولية في هذه الانتهاكات، التحالف العربي، وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، والحكومة المعترف بها دوليًّا، وقوات المجلس الانتقالي، كلٌّ بحسب السلطة والنفوذ الذي يرتبه وراء هذه القيود المفروضة على تحركات الناس ومصالحهم. وتقع على المجتمع الدولي والمبعوث الأممي مسؤولية أيضًا في بذل مزيد من الجهود، بما يحقق الوصول الدائم لسلام شامل، وينهي هذه الحرب العبثية التي أتت على البلد وأهله.