في منشور له على صفحته بالفيسبوك، عبّر طلال الشاوش، عن رحلة معاناته مع محيطه الذي يثبطه بين الحين والآخر عند قيامه بأي خطوة قد تصنع الفرق على مستوى حياته الشخصية، وهذه المرة مع محاولته زراعة البن بطريقته الخاصة، إذ يرى أن مسؤوليته الاجتماعية توجب عليه دعوتهم لتبني أفكاره، حتى وإن لم يستجيبوا.
يقول الشاوش لـ"خيوط": "بدأتُ بجهد ذاتي وعبء كبير، بعمل حاجز يستوعب ما يقارب 4 مليون لتر ماء قابل للتوسعة إلى 10 مليون لتر، فلم أسلم من النقد والتخذيل، لكني أتطلع لعمل بصمة زراعية بعيدًا عن القات. سأعمل على تشييد بيوت محمية لزراعة 1000 شجرة بن."
وعن صعوبة ما يواجهه، يضيف بلغة الأرقام: "متوسط استهلاكنا السنوي قيمة ديزل فقط، من بئر واحدة، 230 ألف ريال سعودي، وعندما أقترح على الناس عمل حواجز مائية وطاقة شمسية كأنني أدعوهم إلى اعتناق دين جديد".
دعوات شبابية
غير بعيد، تشهد اليمن منذ سنوات دعوات عدة، يقودها ناشطون شباب للعودة إلى زراعة البن والفواكه والخضروات اليمنية على حساب شجرة القات، التي تحظى بمساحات زراعية شاسعة، وتستهلك المياه الجوفية بكميات غير معقولة.
"حُرّاس البن"، هي إحدى المبادرات الشبابية التي تعمل من أجل عودة البن اليمني إلى الصدارة، زراعةً وتجارة. يعمل منظمو المبادرة وفق ذلك عبر حملات إعلامية افتراضية مركّزة، تصاحبها أنشطة وفعاليات جماهيرية للتوعية وحشد الدعم الشعبي لزراعة البن، لكي يستعيد مكانته التي كان عليها. "لا يجمعنا سوى أن يكون البن في مكانه الطبيعي كمحصول نقدي يستفيد منه أبناؤه، فهو الذي لازم هذه الأرض منذ الأزل، ولا منطق في أن يتلاشى بل يجب أن يحظى بالأهمية والمكانة التي تليق به". هذا ما يراه مراد الدبعي، المسؤول الإعلامي لمبادرة "حراس البن" دافعًا لما يقومون به اليوم.
يقول الدبعي في حديثه لـ"خيوط"، إن فكرة "حراس البن" وما تنفذه من أنشطة افتراضية وواقعية، "جاءت من الزخم الكبير الذي قاده ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول البن في اليمن، ونحن ركزنا على ذلك، مع التركيز على مناطق ذات صيت ذائع في زراعة البن، كمنطقة "بني حماد" في ريف محافظة تعز الجنوبي، ومنطقة "حُفاش" في محافظة المحويت، ومنطقة "حراز" في صنعاء، والأخيرة بدأ مزارعوها فعلًا في قلع القات واستبداله بالبن".
عودة البن
اختار "حرّاس البن" الثالث من مارس/ آذار يومًا وطنيًّا للبن، وعملوا ابتداءً من العام الجاري (2021) من أجل ذلك على كافة المستويات؛ حيث شجعوا عددًا من المقاهي في أكثر من مدينة، على مواكبة هذا اليوم بجلسات تذوق مفتوحة، ومهرجانات تسوّق، إضافة إلى التنسيق مع "سفراء موكا"، وهم ناشطون يمنيون في عدد من الدول، للتعريف بالبن اليمني، وهو هدية اليمنيين للعالم. تضمنت فعاليات الثالث من مارس/ آذار 2021، أيضًا، فعاليات أخرى أكاديمية وعلمية في عدة جامعات يمنية، على رأسها جامعتا صنعاء وعدن.
في الوقت ذاته، استجابت شركات تجارية ومصارف مالية لهذه المبادرة بتغيير بعض هوياتها الإعلامية بشكل مؤقت، إضافة لتبني البعض منها حملات زراعة شتلات البن في مناطق مختلفة؛ فعلى سبيل المثال، تمت في بعدان فقط زراعة نحو 200 ألف شتلة بن لمواكبة الحملة، وهو ما يعني أن هناك استجابة واسعة لمثل هذه الدعوات ذات الأثر الوطني الملموس.
تحتل اليمن حاليًّا المرتبة الـ42 من بين الدول الـ65 المصدّرة للبن. ومن حيث الجودة ما زال البُنّ اليمني متمسكًا بريادته مع افتقاده للتقنيات الزراعية الحديثة التي ستسهم حتمًا في استعادته لمكانته العالمية، متى ما كان هناك توجّه فاعل من الجهات الزراعية الرسمية
يرى يحيى الفقيه، مهندس زراعي، أن التوجه الراهن لزراعة البن فتحت آفاقه الثورة الرقمية والصيت الذائع للبن اليمني، وهذا بحد ذاته كافٍ لأن يتجه المزارعون اليمنيون لزراعته، خصوصًا أن هناك مردود مالي مناسب، وكُلَف زراعته والاهتمام به لا تُقارن بكُلَف زراعة القات. فالبن، بنظر المهندس الفقيه، يعيش دورة حياته بشكل طبيعي ولا يحتاج إلى تدخلات كيميائية كما يحتاج القات، وهذا -كما يرى- دافع آخر لأن يكون البنّ محل إجماع زراعي، وأن يتم تبني ذلك على المستوى الوطني إلى جانب خيرات اليمن الأخرى.
رغم ذلك فإن بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، تُشير إلى أن مساحة زراعة البن اليمني تقلّصت من 33,959 ألف هكتار في العام 2015، إلى حوالي 33,544 ألف هكتار في نهاية العام 2017، بفارق مقداره 415 هكتارًا من الأرض الزراعية، وفق ما أورده موقع حلم أخضر.
وتراجع إنتاج محصول البن السنوي من حوالي 19,257 ألف طن في العام 2015، إلى قرابة 18,767 ألف طن في العام 2017، بفارق مقداره 490 طنًا.
حظوة البن
من الواضح أن الحراك الحاصل لاستعادة زخم البن اليمني، لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة تراكمات إيجابية ارتأى أصحابها أن يعود هذا المنتَج الوطني عالي الجودة، إلى سابق عهده. فقد كان خلال القرن العشرين الفائت، في مقدمة الأصناف المنافسة عالميًّا، بل وله مكانة فريدة كميزة تسويقية، وعلى مستوى الجودة من حيث السعر والتذوق، حيث ارتبط وجدانيًّا وروحيًّا وحتى تاريخيًّا، على المستويين المحلي والخارجي.
لكن اليمن تحتل اليوم المرتبة الـ42 من بين الدول الـ65 المصدّرة للبن. ومن حيث الجودة ما زال البن اليمني متمسكًا بريادته مع افتقاده للتقنيات الزراعية الحديثة التي ستسهم حتمًا في استعادته لمكانته العالمية، متى ما كان هناك توجّه فاعل من الجهات الزراعية الرسمية، والشركات التجارية المحلية، وحتى تلك الشركات المتخصصة الناشئة.
بارتياح بالغ يتحدث مراد الدبعي عن نتائج ملموسة لمبادرة "حراس البن" خلال العامين الماضيين، واصفًا إياها بالمبهرة وغير المتوقعة، حين أطلقوا خطة خمسية لزراعة مليون شتلة بُنّ في جميع محافظات الجمهورية. وفق هذه الخطة، يقول الدبعي إن وزارة الزراعة في حكومة صنعاء شكّلت إدارة عامة لزراعة البن، ومنعت استيراد البن من خارج اليمن، تفاعلًا مع توجه مبادرة "حراس البن"، وهو ما مثّل دافعًا كبيرًا لتكون هناك أولوية لزراعة البن في محافظات كالضالع والبيضاء وتعز وأبين.
ويتضح جليًّا كم أن اليمنيين يتفاعلون مع الحملة الحالية بوصفها ذات أبعاد وطنية، تروّج لاستعادة أمجاد شجرة ارتبطت بالكيان اليمني عبر الأزمان؛ لسان حالهم يقول: "أيوه بن"!