في النصف الثاني من شهر مارس/ آذار 2022، وبالتزامن مع مرور الذكرى الثامنة للحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، يلاحظ بروز مستجدات وتحولات طارئة في ملف الأزمة اليمنية التي استعصت على الحل طوال سبع سنوات، وسطَ حرب وصراع طاحن، تسببت في تفجير أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، وَفقَ تصنيف الأمم المتحدة.
كانت البداية مع المشاورات التي عقدها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في عَمَّان- الأردن، والتي سبقها جلسة مفصلية لمجلس الأمن، استخدم فيها ما يشبه الإنذار للضغط على أحد الأطراف ودفعها إلى القَبول بمسارات الحلول والمشاورات الهادفة إلى إحلال السلام في اليمن؛ شملت وفودًا من أحزاب يمنية، يليها التشاور مع شخصيات يمنية فاعلة، فيما كانت الخطوة الأهم تتمثل في جمع الأطراف المتصارعة؛ الحكومة المعترف بها دوليًّا، وأنصار الله (الحوثيين)، والتحالف بقيادة السعودية والإمارات.
بعد إعلان مجلس التعاون الخليجي عن عقد مشاورات "يمنية – يمنية" في العاصمة السعودية الرياض في 30 مارس/ آذار 2022، أعلنت جماعة أنصار الله (الحوثيين) عن مبادرة للحل تتضمن عددًا من النقاط وهدنة مبدئية لثلاثة أيام تستمر بعدها إلى وقت غير محدد، وهو نفس الإعلان الذي صدر عن التحالف بقيادة السعودية والإمارات بإيقاف عملياته في اليمن، لإعطاء الفرصة لإنجاح مؤتمر الرياض.
وفي الوقت الذي ترجح فيه مصادر مطلعة لـ"خيوط"، عن وجود توافق "سعودي – حوثي" حول المبادرة التي أعلن عنها رئيس المجلس السياسي في سلطة صنعاء في 26 مارس/ آذار، وسبقها تسريبات مسؤولين سعوديين تشير إلى توافق على صيغة مبدئية تمهد للحوار والحل السلمي للحرب في اليمن- تم الإعلان عن اتفاق بين طرفي الحرب؛ الحكومة المعترف بها دوليًّا، وأنصار الله (الحوثيين)، بعقد صفقة لتبادل نحو 2223 محتجزًا من الجانبين، بمن فيهم شقيق الرئيس المعترف به دوليًّا ناصر منصور هادي، ووزير الدفاع السابق محمود الصبيحي، مع استثناء الشخصية السياسية البارزة والمعروفة والقيادي في التجمع اليمني للإصلاح محمد قحطان، بصورة تثير الشكوك والغموض حول مصيره، في ظل تحفظ الطرفين عن الإدلاء بأي معلومات بخصوص احتجازه.
على الرغم من وجود دلائل على إحداث اختراق في المحادثات السياسية بين الأطراف، فإن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، المعيَّن مؤخرًا، أشار إلى أن الخلاف بين أطراف النزاع يتعمق، وهناك جهود مضنية وإصرار لاختراق تعقيداته
في الأثناء، يحذّر تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية من استمرار التعقيدات الحاصلة في الأزمة اليمنية، في ظل استمرار جميع أطراف النزاع في اليمن، في ارتكاب انتهاكات للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، مع الإفلات من العقاب.
انتهاكات متواصلة
كما استمر كلٌّ من التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية الداعم للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، والقوات الحوثية، "وفق العفو الدولية"، في شن هجمات أسفرت عن قتل وجرح مدنيين بصورة غير قانونية، وتدمير أهداف مدنية، بما فيها البنية التحتية للغذاء. فيما نفَّذت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي عمليات قتل بإجراءات موجزة. وقامت أطراف النزاع بعمليات مضايقة واعتقال تعسفي واخفاء قسري وتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وإجراء محاكمات جائرة لأشخاص على أساس انتماءاتهم السياسية أو الدينية أو المهنية، أو بسبب أنشطتهم السلمية أو نوعهم الاجتماعي.
وفق تقرير العفو الدولية، فقد مارس جميع الأطراف العنف والتمييز المجحف على أساس النوع الاجتماعي. واستخدمت قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا والمجلس الانتقالي الجنوبي العنف المميت لقمع الاحتجاجات التي كانت سلمية في معظمها، والتي طالبت باتخاذ تدابير للتصدي لتدهور الأوضاع الاقتصادية.
وعرقلت أطراف النزاع وصول المواد الغذائية والأدوية والوقود والمساعدات الإنسانية. ومنعت سلطة صنعاء اللقاحات المضادة لفيروس "كوفيد-19". ومارست السعودية والبحرين ضغوطًا على الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان ضد تجديد عمل فريق خبراء الأمم المتحدة البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن؛ ممّا أدى إلى إنهاء آلية التحقيق الدولية المحايدة الوحيدة الخاصة باليمن. وأسهم جميع أطراف النزاع في حالة التدهور البيئي. وصدرت أحكام بالإعدام، ونُفّذت عمليات إعدام.
استمر النزاع المسلح طيلة عام 2021، وتصاعَد بشكل كبير في فبراير/ شباط وسبتمبر/ أيلول، عندما شنّت القوات التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، هجماتٍ باتجاه محافظات مأرب والضالع والبيضاء وشبوة، أسفرت عن الاستيلاء على أراضٍ جديدة من قبل قوات الجماعة الذين كانوا يُطْبقون على مدينة مأرب في نهاية عام 2021. وشهدت تلك الجبهات وغيرها نزوح 573,362 شخصًا، وفقًا لبيانات المنظمة الدولية للهجرة.
كما استمر القتال في محافظات عدن وأبين وشبوة، بما فيها المناطق المأهولة بالسكان، بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من قبل الإمارات العربية والقوات الحكومية، وبين فصائل المجلس الانتقالي الجنوبي، وبين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي والقبائل المحلية. ومع أنّ ممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة المعترف بها دوليًّا أعلنوا مجددًا عن التزامهم باتفاق الرياض لتقاسم السلطة، فإنه لم يتم تنفيذه بحذافيره، وظلت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي خارج سيطرة الحكومة.
في عدن، وهي محافظة تحت سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، تمّ تنفيذ 38 اغتيالًا أو محاولة اغتيال، ضد مدنيين في عام 2021، بحسب ما ذكرت منظمة سام للحقوق والحريات.
ففي 8 سبتمبر/ أيلول، أوقفت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي طبيبًا وقتلته عند نقطة تفتيش الفرشة في طور الباحة بمحافظة لحج. في 4 أكتوبر/ تشرين الأول، وعند نقطة تفتيش أخرى في طور الباحة بمنطقة خاضعة لسيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، أوقف رجال مسلحون مجهولو الهوية ممرضًا يعمل مع منظمة أطباء بلا حدود، وقتلوه.
وعلى الرغم من وجود دلائل على إحداث اختراق في المحادثات السياسية بين الأطراف، فإن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، المعيَّن مؤخرًا، أشار إلى أن الخلاف بين أطراف النزاع يتعمّق، وهناك جهود مضنية وإصرار لاختراق تعقيداته.
الاعتقال والاحتجاز التعسفي
بينما أعلنت أطراف النزاع الدائر في اليمن للعام الثامن على التوالي، عن تفاهمات لحلحلة ملف المحتجزين والمعتقلين "والأسرى" بعقد صفقة لتبادل نحو 2223 محتجزًا من الطرفين، بمن فيهم شخصيات وقيادات سياسية وعسكرية ومحتجزون من السعودية والسودان- تؤكد العفو الدولية استمرار جميع أطراف النزاع في احتجاز أشخاص وإخفائهم قسرًا وتعذيبهم على أساس انتماءاتهم السياسية أو الدينية أو المهنية، أو أنشطتهم السلمية أو نوعهم الاجتماعي.
كما عمدت جميع أطراف النزاع إلى فرض واستغلال معايير أبوية متعلقة بالنوع الاجتماعي، وممارسة العنف والتمييز المجحف على أساس النوع الاجتماعي من أجل أهدافهم، واحتفظوا بطائفة واسعة من الأحكام العرفية والقانونية اتسمت بالتمييز المجحف والقمع. واحتلت اليمن المرتبة الثانية الأسوأ في المؤشر العالمي لفجوة النوع الاجتماعي لعام 2021.
بحسب العفو الدولية، فقد استمرت سلطات أنصار الله (الحوثيين) في احتجاز مئات الرجال والنساء والأطفال المهاجرين، ومعظمهم مواطنون إثيوبيون وصوماليون، بصورة تعسفية في ظروف متردية لفترات غير محددة في مدينة صنعاء، واحتجاز أربعة صحفيين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام.
ووثَّقت منظمة العفو الدولية كيف أُخضع صحفيون من مجموعة المحتجزين نفسها، ممن أُطلق سراحهم في عام 2020 مع رجال من الديانة البهائية، للاختفاء القسري والتعذيب أثناء احتجازهم، قبل إرغامهم على الذهاب إلى المنفى كشرط لإطلاق سراحهم.
كما استهدفت في الإجراءات القانونية البهائيين بسبب دينهم، وجمَّدت أو صادرت أصولًا يملكها 70 شخصًا منهم. كما استمرت في احتجاز رجل يهودي تعسفيًّا منذ شهر مارس/ آذار 2016 بسبب دينه، على الرغم من صدور أحكام قضائية تقتضي إطلاق سراحه.
وتقول العفو الدولية، إن سلطات صنعاء استمرت في حملة الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري للنساء والفتيات، ولا سيما المدافعات عن حقوق الإنسان والنساء والفتيات اللائي يُتصوَّر بأنهن يشكّلن تحديًا لمعايير النوع الاجتماعي التي يفرضها الحوثيون. ففي عام 2021 وحده، احتجزت تلك السلطات ما لا يقل عن 233 امرأة وفتاة في مراكز في صنعاء، واتَّهمتهن بدعم التحالف، أو ممارسة "العمل في مجال الجنس" أو ارتكاب جرائم "الأفعال غير الأخلاقية".
بينما تركز مسودات الحلول التي يتم تسريبها، على إيجاد تسوية لإعادة فتح مطار صنعاء وتخفيف القيود على ميناء الحديدة (غربي اليمن)، تشير العفو الدولية إلى مواصلة جميع أطراف النزاع في فرض حالة شبيهة بالحصار، والإغلاق، ومنع الاستيراد، والبيروقراطية غير الضرورية، أو وضع قيود على حرية التنقل، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية
بالمقابل، تؤكد العفو الدولية أنه في مطلع عام 2021، احتجزت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي رجلين تعسفيًّا في عدن، بسبب انتقادهما المجلس. وفي مايو/ أيار، في عدن أيضًا، احتجزت قوات مكافحة الإرهاب التابعة للمجلس الانتقالي رجلًا ظل مصيره مجهولًا في نهاية العام، وفي سبتمبر/ أيلول، اختطفت أربعة طلاب جامعيين كانوا عائدين من رحلة خارج البلاد، أثناء عبورهم مطار عدن. وتمّ الإفراج عنهم في أواخر سبتمبر/ أيلول.
فيما قامت قوات الأمن السياسي التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا في مأرب في يناير/ كانون الثاني 2021، باعتقال امرأة تعسفيًّا لأن شقيقها عمل مع الحوثيين، وقد تُوفيت المرأة في وقت لاحق، في الحجز، بحسب ما ذكرت شبكة التضامن النسائي.
في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب، تعرضت امرأتان من المدافعات عن حقوق الإنسان، إحداهما من ذوات الإعاقة، للمضايقة والاعتداء من قبل القوات المسلحة الحكومية في تعز التي اتَّهمتْهما بممارسة "الدعارة" والعمل لصالح الحوثيين.
وفي سبتمبر/ أيلول، ذكرت منظمة مواطنة من أجل حقوق الإنسان، أن قوات الأمن السياسي في مأرب قامت باحتجاز امرأة أخرى تعسفيًّا وإخفائها قسرًا لمدة شهر، وهي ناشطة حقوقية وعاملة إنسانية.
تقييد الحرية والحركة
بالمجمل، استمرت جميع الأطراف في تقييد حرية التعبير والتجمع للمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمعارضين السياسيين والأشخاص الذين يُتصوَّر أنهم ينتقدون السلطات.
أدّت الضغوط المكثفة بقيادة السعودية طوال عام 2021، إلى جانب معارضة تجديد صلاحيات فريق خبراء الأمم المتحدة البارزين الدوليين بقيادة البحرين في أكتوبر/ تشرين الأول، إلى إنهاء آلية التحقيق الدولية المحايدة الوحيدة في انتهاكات القانون الدولي الإنساني في اليمن. وحثَّ التقرير الختامي لفريق خبراء الأمم المتحدة مجلسَ الأمن على إحالة أوضاع اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، ودعا إلى إنشاء هيئة تحقيق جنائية دولية بشأن النزاع في اليمن.
في يناير/ كانون الثاني، توقفت الحكومة الإيطالية بشكل دائم عن إصدار رخص تصدير الأسلحة لاستخدامها في اليمن، وألغت عمليات الشحن إلى السعودية. وبدأ المدعي العام في روما من جديد التحقيقات في تواطؤ الهيئة الوطنية الإيطالية لمراقبة تصدير الأسلحة والشركة المصنِّعة للأسلحة "آر دبليو إم إيطاليا سبا"RWM Italia SpA – في ضربة جوية شنَّها التحالف بقيادة السعودية، وأسفرت عن مقتل ستة مدنيين في عام 2016.
في أغسطس/ آب، قدَّم محامون، نيابة عن مشتكين يمنيين، شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية، طالبوا فيها بإجراء تحقيق في المسؤولية الجنائية لقيادة قوات التحالف بقيادة السعودية والمرتزقة الذين يشغِّلهم متعاقد عسكري أمريكي، عن الضربات الجوية غير القانونية التي قتلت مدنيين، وعن عمليات التعذيب والقتل. وفي أكتوبر/ تشرين الأول، قدّموا الشكوى نفسها إلى خدمة شرطة العاصمة البريطانية.
وبينما تركز مسودات الحلول التي يتم تسريبها، على إيجاد تسوية لإعادة فتح مطار صنعاء، وتخفيف القيود على ميناء الحديدة (غربي اليمن)، تشير العفو الدولية إلى مواصلة جميع أطراف النزاع في فرض حالة شبيهة بالحصار، والإغلاق ومنع الاستيراد والبيروقراطية غير الضرورية، أو وضع قيودٍ على حرية التنقل؛ ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الغذاء، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، وتأجيج حالة انعدام الأمن الغذائي. وأدّت تلك الأفعال إلى تقويض إمكانية منع وقوع المجاعة، وأسهمت في خلق ظروف على شفير المجاعة.
في الفترة ما بين مارس/ آذار ويونيو/ حزيران، منع التحالف بقيادة السعودية والإمارات دخول 13 باخرة تحمل 350 ألف طن من مشتقات الوقود. وخلال عام 2021، تُركت باخرتان تحملان مشتقات النفط بانتظار إجراءات التخليص لمدة 200 يوم تقريبًا. وبالإضافة إلى الإسهام في نقص الوقود، الذي أثَّر على إنتاج المواد الغذائية وتوزيعها، فإن خسارة العوائد شكّلت تهديدًا لقدرة السلطات على دفع رواتب موظفي القطاع العام.
كما أعاقت القيود التي فرضها جميع أطراف النزاع، إمكانيةَ الحصول على الأدوية والمعالجة الطبية، بما في ذلك لقاحات مضادة لفيروس "كوفيد-19" وعلاجه. وحرَمَ استمرارُ إغلاق مطار صنعاء من قبل التحالف بقيادة السعودية اليمنيين من الحصول على المعالجة الطبية الضرورية المنقِذة للحياة.