كانت اليمن قبل عام 1990، منقسمة لدولتين؛ إحداهما كانت تسمى الجمهورية العربية اليمنية ومساحتها تقدر بنحو 165 كيلو مترًا مربعًا، وعدد سكانها 13 مليون نسمة، وينتشرون في عشر محافظات، هي: "صنعاء، تعز، الحُديدة، إب، ذمار، مأرب، الجوف، صعدة، حَجّة، المحويت"، وتأخذ بنظام اقتصادي حر تابع لنهج التطور الرأسمالي، والأخرى تسمى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ومساحتها تقدر بنحو 390 كيلو مترًا مربعًا، وعدد سكانها 3.3 ملايين نسمة، ينتشرون في ست محافظات، هي: "عدن، لحج، أبين، شبوة، حضرموت، المهرة"، وتأخذ بنظام اقتصادي مقيد تابع لنهج التطور الاشتراكي. وفي عام 1990 اتحدت الدولتان ليشكّلا دولة واحدة، سميت الجمهورية اليمنية؛ فأصبحت اليمن دولة واحدة بمساحة إجمالية تقدر بنحو 555 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكان يقدر بأكثر من 16 مليون نسمة. تشكّل المحافظات الشمالية نسبة 42% من المساحة الإجمالية، ونسبة 75% من إجمالي السكان وتشكّل المحافظات الجنوبية نسبة 58% من المساحة الإجمالية، ونسبة 25% من إجمالي السكان.
كان من المتوقع أن يشكّل هذا الاتحاد قوة وتكاملًا اقتصاديًّا فريدًا بالاستفادة من تجربتي الشطرين السابقة وتحقيق استقرار سياسيّ يتبعه استقرار اقتصاديّ وتنمية متوازنة ومستدامة باستغلال لكافة موارد الدولة المتعددة والمتنوعة على امتداد واسع من الأرض وقدرات بشرية هائلة، غير أنّ ذلك لم يتحقّق؛ بفعل عدم الاستقرار السياسي الذي خلّفته عقلية الاستحواذ على السلطة والثروة والعمل على تمركزها بأيدٍ محدودة ومدينة واحدة؛ الأمر الذي عطل معظم مراكز النمو الاقتصادي، وبدأت مسيرة التراجع في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعاظمت فجوات التخلف والفقر على مستوى كافة أصعدة الدولة وأنشطتها الاقتصادية والاجتماعية؛ الأمر الذي أدّى إلى معارضة جنوبية ووجهت باغتيالات للقادة الجنوبيين، توجت بحرب عام 1994 وآثارها المدمرة التي أدّت إلى استبعاد القيادات الجنوبية من السلطة وتشريد الكثير منهم.
كل ذلك أدّى إلى اصطفاف واسع لقوى المعارضة السياسية، أبرزها ما أسمي بتكتل أحزاب المعارضة بمقابل النظام السياسي المستحوذ على السلطة والثروة بقيادة تنظيم المؤتمر الشعبي العام الذي كان يرأسه الرئيس علي عبدالله صالح إلى أنّ قامت ثورة 11 فبراير 2011، التي أدت إلى مصالحة سياسية بأسس المبادرة الخليجية، وبالتالي مشاركة قادة النظام وقادة الأحزاب السياسية بإعادة بناء الدولة، وأبرز منجزات ذلك كان انعقاد مؤتمر الحوار الوطني.
وبدلًا من ذلك، تبّددت كل تلك الآمال بانقلاب 21 سبتمبر عام 2014، ودخول البلاد في أتون حرب لم تزل قائمة وقتنا الحاضر، لتتحول اليمن إلى حلبة للصراع الإقليمي بين كلٍّ من إيران والسعودية وحلفائهما، وأفضت إلى تدمير البنية التحتية لاقتصاد اليمن، وتوقفت عجلة التنمية الاقتصادية، بل وتراجعت عشرات السنين بفعل الدمار والقتل والانهيارات المتصاعدة لمختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأدّت تلك الأوضاع إلى بروز انقسامات حادّة سياسية، طائفية ومناطقية بتشكيلات عسكرية واسعة وتبعية أيديولوجية للخارج؛ وبالتالي تعميق حالة الانهيار الاقتصادي وكذا المعيشي والإنساني، وأصبحت اليمن تصنف بدولة فاشلة مهددة بغياب الأمن الغذائي والمجاعة، وتعاني من أسوأ حالات الظروف الإنسانية، وتستعطف شعوب العالم بمد يد العون والمساعدات الإنسانية رغم كل ما لديها من موارد طبيعية، أبرزها النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، وتنوع واسع في موارد طبيعية أخرى، ومقومات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أبرز التقسيمات الحادّة المهددة لضياع فرصة التكامل الاقتصادي والاجتماعي لموارد الثروة ومقوماتها الاقتصادية والتهديد الأكثر بروزًا اليوم، هو إعادة تقسيم اليمن إلى شطرين، ويأتي ذلك تحت وَهْم أفضلية شطر على الآخر بالموارد الطبيعية والمقومات الاقتصادية، بتجاهل أنّ إعادة تقسيم الموارد الطبيعية والبشرية إلى ما كانت عليه قبل تحقيق الوحدة في عام 1990، سيضعف أهم عوامل القوة الاقتصادية والاجتماعية التي تؤهل اليمن للتسريع بالنهوض التنموي والتمكين من بناء اقتصاد متطور وتنمية متوازنة ومستدامة، كما أنّ ذلك لن يكون في صالح الاستقرار السياسي والأمني؛ وبالتالي تبديد كل ما هو متاح من عناصر القوة الاقتصادية والاجتماعية والعودة للأوضاع الاقتصادية المتخلفة التي عاشها كلا شطرَي اليمن قبل الوحدة.
تشير معلومات الأجهزة الإحصائية الرسمية إلى أنّ اليمن قبل بداية الحرب القائمة. كانت تنتج وتصدر بين (400-350) ألف برميل يوميًّا، وتشير تقديرات مصادر غير رسمية إلى أنّ أسواق النفط الدولية كانت تستقبل حوالي مليون برميل نفط خام يمني بمعدل يومي، ويعيدون السبب في الفجوة بين البيانات الرسمية وغير الرسمية، إلى تغلغل الفساد في مجال إنتاج وتصدير النفط في اليمن.
وبناء على ما سبق، ولتدعيم ما نراه في أنّ عامل الوحدة للموارد الاقتصادية والبشرية يكتسب أهمية خاصة للتطور الاقتصادي والاجتماعي، في حالة إعادة بناء الدولة بأسس اتحاد فيدرالي في ضوء ما خرجت به وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني- نناقش فيما يلي أمثلة لبعض الموارد المتاحة لليمن، جنوبه وشماله، وصولًا لاستنتاج ما نراه من التوصيات.
في مجال النفط الخام والغاز الطبيعي
تشير معلومات الأجهزة الإحصائية الرسمية إلى أنّ اليمن قبل بداية الحرب القائمة؛ أي قبل عام 2015، كانت تنتج وتصدر كميات من النفط الخام تتراوح بين (400-350) ألف برميل يوميًّا.
وتشير تقديرات مصادر غير رسمية إلى أنّ أسواق النفط الدولية كانت تستقبل حوالي مليون برميل نفط خام يمنيّ بمعدلٍ يوميّ، ويعيدون السبب في الفجوة بين البيانات الرسمية وغير الرسمية، إلى تغلغل الفساد في مجال إنتاج وتصدير النفط في اليمن.
وتشير المعلومات أيضًا، إلى وجود 83 قطاعًا إنتاجيًّا للنفط الخام، و30 قطاعًا استكشافيًّا، وكل هذه القطاعات موجودة في محافظات مأرب وشبوة وحضرموت، وقد تم قبل الحرب توسيع مجال البحث عن النفط في محافظات أخرى، بما في ذلك منطقة البحر الأحمر، وتوقفت أعمال البحث مع توقف إنتاج وتصدير النفط الخام بسبب الحرب القائمة.
معظم كميات النفط التي كانت تصدر لأسواق البيع من سفينة صافر الراسية قبالة ميناء الحديدة عبر أنبوب النفط الممتد من حقول الإنتاج في مأرب إلى منطقة التصدير في ميناء الحديدة والكمية الأخرى المنتجة من حقول نفط محافظتي شبوة وحضرموت، تصدر عبر أنابيب تمتد من حقول الإنتاج إلى كلٍّ من ميناء الضبة في حضرموت وميناء بئر علي في شبوة.
توجد محطة عريقة في عدن لتكرير النفط الخام، وقد كانت تستخدم لإنتاج مشتقات النفط للسوق اليمنية عبر شركة النفط، ويباع بسعر موحد في جميع المحافظات اليمنية، إلا أنّه بسبب تقادم آلات ومعدات المحطة، وكذا الحرب القائمة، فقد توقفت عن العمل تقريبًا؛ الأمر الذي أدّى إلى تحرير تجارة النفط، واستيراد مشتقات النفط من الأسواق الخارجية.
وبالنسبة للغاز الطبيعي المسال، فتشير المعلومات إلى أنّ الإنتاج منه للسوق المحلية، من محافظة مأرب، وتتولى عملية تسويقه للمحافظات شركة الغاز اليمنية وهي شركة حكومية، وكانت المحافظة قبل الحرب تنتج للتصدير طبقًا لعقود طويلة الأجل بأسعار منخفضة تقل كثيرًا عن السعر الدولي في الأسواق العالمية، وليس هناك أيّ مبرر لذلك سوى الفساد المعروف بتغلغله في مجالي النفط والغاز بشراكة محلية ودولية. وتشير المعلومات الصادرة عن الأجهزة الرسمية إلى أن احتياطي الغاز الطبيعي في حقول مأرب يتجاوز تريليونَي مترٍ مكعب (2000 مليار متر مكعب). ولا توجد معلومات أخرى خاصة بهذه الثروة. وعملية التصدير توقفت أيضًا مع توقف صادرات النفط الخام منذ عام 2015 مع بداية الحرب.
وقد أثّر ذلك بصورة كبيرة على ميزان المدفوعات اليمنيّ بالسلب؛ وبالتالي تفاقم الفجوة بين عرض وطلب العملات الأجنبية؛ الأمر الذي يعدّ من الأسباب الرئيسة لارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الريال اليمني، وتعميق مشكلة التضخم المتزايد، الذي يعاني منه الاقتصاد اليمني، ويشكّل أهم أسباب تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين اليمنيّين.
كما أن عائدات النفط والغاز كانت تشكّل رقمًا قياسيًّا في تغطية نفقات الدولة. إذ كان النفط والغاز قبل الحرب، يسهم بنسبة تقدر بنحو 70% من النفقات في الميزانية العامة للدولة. ويؤكّد ذلك اعتماد الدولة على إنتاج وتصدير النفط، وإهمال ما هو متاح من الموارد الطبيعية الأخرى رغم وفرتها وأهميتها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مثالًا على ذلك: إهمال الأراضي الزراعية والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها، كتربية الحيوانات والنحل، والصناعات الغذائية للمحاصيل الوفيرة التي تمتاز بها اليمن وتتوفر في معظم محافظات اليمن شماله وجنوبه، كالحبوب والطماطم والمانجو والفواكه وخامات الزيوت النباتية والملابس القطنية والبُنّ، بالإضافة إلى الصناعات الجلدية والخزفية، وجميعها من الممكن أن تحقّق عوائد اقتصادية مرتفعة وتشكّل بناء متينًا لمستويات عالية من الأمن الغذائي للمحافظات اليمنية وتكامل اقتصادي واجتماعي خلاق، بالإضافة إلى نهوض تنموي متوازن ومستدام.
موارد أخرى
تملك اليمن ثروات وموارد ومقومات اقتصادية عديدة ومتنوعة غير النفط والغاز، وتنتشر هذه الموارد في جميع محافظات اليمن شماله وجنوبه، وتشكّل معًا حالة من التشابك والتكامل الفريد في حالة ما استقر الوضع السياسي وتحقّق سلام دائم وحكم رشيد بإدارة اقتصادية وطنية مؤهلة تحمل همّ التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة والمستدامة بهدف إخراج اليمن من حلقة التخلف والفقر والفشل.
ومن تلك الموارد:
1- الثروات المعدنية: تشير نتائج البحوث والدراسات الجيولوجية إلى وجود ثروات معدنية عديدة ومتنوعة تنتشر في معظم محافظات اليمن، ولم يتم استغلال أيٍّ منها حتى الوقت الحاضر.
2- الثروات السمكية: تؤكّد المعلومات الرسمية وغير الرسمية امتلاكَ اليمن حقول واسعة من الأسماك بأنواع مختلفة، ذات جودة عالية، يُستغل جزءٌ بسيط منها بوسائل صيد تقليدية متخلفة، وتنتشر هذه الحقول بامتداد واسع في كلا البحرين؛ الأحمر والعربي.
3- المعالم السياحية: تؤكّد مصادر المعلومات ومشاهداتنا الميدانية وجود مئات المعالم السياحية التاريخية والترفيهية والدينية والرياضية والطبيعية بمناخات ومواصفات عالية المستوى والجودة للسياحة العالمية، وكلها مع بعض تشكّل تكاملًا خلّاقًا لجذب السياح العرب والأجانب، وتنشيط السياحة المحلية؛ وبالتالي إقامة أنشطة سياحية عديدة ومتنوعة من شأنها لعب أدوارٍ هامّة للتنمية المحلية والقطاعية على مستوى اليمن شماله وجنوبه، ولعب أدوارٍ أساسية للازدهار الاقتصادي.
2-النقل البحري: تتمتع اليمن بموقع استراتيجي هامّ، وتتحكم بواحد من أهم المضائق البحرية الدولية (مضيق باب المندب)، وتوجد على شواطئ البحرين الأحمر والعربي، ومعًا يشكلان منافذ ومعابر دولية لأهم قارات العالم، كما تتكامل الموانئ البحرية اليمنية، شمالًا وجنوبًا، وتشكّل معًا أهمية بالغة لمشاريع عالمية عملاقة، كمشروع طريق الحرير وجسر باب المندب - جيبوتي.
فشل اليمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد تحقيق الوحدة لا يعود لأسباب موضوعية، بل لأسباب ذاتية غذّتها مشاريع إقليمية ودولية بهدف تعطيل ما بدا من مؤشرات للنجاح في خلق دولة يمنية قوية عصرية ومتطورة تتقاطع مع أجندات دول إقليمية ومشاريع دولية.
ونستنتج من عرضنا السابق، جملةً من النتائج والتوصيات، أهمّها ما يلي:
1- أنّ اليمن قبل الوحدة كانت منقسمة إلى دولتين، وهذا الانقسام شكّل أهم أسباب عدم الاستقرار السياسي والتخلف الاقتصادي الذي كان يسود في كلا الشطرين؛ وبالتالي فليس هناك ما يدعم أحقية التيار الساعي للانفصال بما يدعو إليه. فالتجربة التاريخية العريقة لا تسند ولا تبرر العودة لتجربة فاشلة.
2- فشل اليمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد تحقيق الوحدة لا يعود لأسباب موضوعية، بل لأسباب ذاتية غذّتها مشاريع إقليمية ودولية، ونُفذت بأدوات داخلية بهدف تعطيل ما بدا من مؤشرات للنجاح في خلق دولة يمنية قوية عصرية ومتطورة تتقاطع مع أجندات دول إقليمية ومشاريع دولية.
3- إنّ ما يروّج له من مبررات للانفصال، وأهمّها أفضلية الجنوب في امتلاك الثروة والموارد الاقتصادية والبشرية ليس صحيحًا، فالمعطيات التي نراها في الواقع وتؤكّدها نتائج البحوث والدراسات، تؤكد بأن قوة اليمن وتطورها تكمن في تكامل مواردها الاقتصادية والاجتماعية وحسن إدارتها لو تم مواجهة عوامل الصراع والحروب على السلطة والثروة بإعادة بناء الدولة بصورة تؤمن الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وبرأينا أنّ ذلك يمكن أن يتحقق باتباع الخطوات التالية:
الأولى: وضع نهاية للحرب، وتحقيق سلام دائم.
الثانية: توفر إجماع وإرادة يمنية لدى كافة مكونات العمل السياسي والاجتماعي بأهمية التعايش والتبادل السلمي للسلطة، والتي من شأنها تعزيز التعاون والشراكة الوطنية لإعادة بناء وحدة اليمن والتسليم بحقيقة أنّ استقرار اليمن وتطورها الاقتصادي والاجتماعي لا يمكن أن يتحقق إلّا من خلال إعطاء أولوية للتنمية الاقتصادية المتوازنة والمستدامة من خلال تكامل خلّاق لما هو متاح من الثروات والموارد الاقتصادية والبشرية في كل محافظات اليمن، شماله وجنوبه.