يوم الأغنية اليمنية

حتى لا تصبح مناسبة حبيسة في الفضاء الالكتروني
جمال حسن
July 2, 2024

يوم الأغنية اليمنية

حتى لا تصبح مناسبة حبيسة في الفضاء الالكتروني
جمال حسن
July 2, 2024

مضى يوم الأغنية اليمنية بمشهد احتفالي متخيل يمارسه الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي. عدا ذلك يفوتنا سؤال: ما حال الغناء في اليمن؟

قبل كل شيء، اكتسبت الأغنية اليمنية حالة مناسباتية، يمكن من خلالها أن يعبر اليمنيون عن تقديرهم لموروثهم الغنائي. وتحديد الأول من يوليو يوما يخص الأغنية اليمنية كان نتاج تفاعل ناشطين على الفيس بوك. وهو ما أكسب تلك المبادرة خصوصية من حيث طبيعة التفاعل معها، لتنتقل من الخاص إلى العام، وتصبح أمرا واقعا. كما أن الدوافع التي أنتجت ذلك على صلة بحملات مارستها جماعات سياسية وراديكالية لحظر الغناء وتسفيهه.

على أن تلك المبادرة عكست طبيعة تفاعلنا الارتجالي مع أي قضايا أو شأن عام. كما أن طبيعة الاحتفال لا يتسم بأي نوع من الأنشطة الحية. وحتى لا نقفز  علينا وضع الاعتبار لافتقار الفضاء العام إلى المسارح أو لأي نشاط موسيقي حي. 

وهناك عوامل عديدة تحول دون أن تكون هناك قاعدة واسعة لأي نشاط غنائي، سواء من حيث الإنتاج أو الفعاليات الحية. لكن ذلك لا ينبغي أن يحول دون إيجاد طرق للتفاعل خارج فضاء وسائل التواصل الاجتماعية، ليصبح ممارسة حية.

لابد من مبادرة متعددة للاحتفال بهذا اليوم، بحيث يحضر الغناء والأداء الموسيقي الحي. وهذا من شأنه أن يضفي شكلا احتفاليا حقيقيا وليس افتراضيا، ويمكن له أن يصبح مع الوقت إحدى الممارسات الاجتماعية.

ولأن ذلك غير ممكن في الوقت الحالي، بسبب القيود المفروضة على الفعاليات والأنشطة الفنية، يمكن أن تحتضن تلك الأنشطة مجالس متنوعة ومختلفة. بحيث تكون وسيلة للاجتماع والالتقاء بصورة مناسباتية يحضرها الغناء الحي والموسيقى. 

وحقيقة، لم ألحظ أي شكل تفاعلي خارج وسائل التواصل الاجتماعي، باستثناء مبادرة يحتضنها "ديوان السعادة" القائم عليه محمد سعيد قائد. ويحضر في الديوان الغناء والموسيقى الحية، بشكل أسبوعي. لكنه أيضا شهد حضورا استثنائيا بمناسبة يوم الأغنية اليمنية. وهذه المبادرة لوحدها ليست كافية لجعل مناسبة بهذه المسمى تتخذ شكلا من العُرف الاجتماعي. 

وأن تكون هناك مبادرة متعددة للاحتفال بهذا اليوم، وعبر مجالس متنوعة، بحيث يحضر الغناء والأداء الموسيقي الحي، من شأنه أن يضفي شكلا احتفاليا حقيقيا وليس افتراضيا. ويمكن له أن يصبح مع الوقت إحدى الممارسات الاجتماعية.

وربما تشهد مثل تلك التجمعات تنافسا يتبارز فيه رعاة الأماكن بتطوير مضامين الاحتفال، وتوسيع الاستخدام الآلاتي، لأن هذا شأن الأعراف الاجتماعية. إنها مع الوقت تتحول مجالا للفخر، والامتياز. وفي نفس الوقت ستتيح لظهور مواهب في الغناء والعزف.  

وهذا لا يعني أن يتوقف الأمر عند هذا الحد، إنما أيضا أن تكون هناك نقاشات وندوات تقترح طرقا لدفع الأغنية اليمنية، بل أيضا أن تكون هناك فرصة للاستفادة من موضوع الأغنية، حتى بالنسبة لأولئك الذين يمكن لهم خوض مجال الاستثمار في الأغنية، والاستفادة من إمكانياتها المادية، وذلك من خلال جعلها أيضا وسيلة لتحقيق مداخيل. 

ولا شك أن الأغنية اليمنية، بموروثها وتنوعها، قابلة لتحقيق انتشار ومداخيل، لكنها بحاجة إلى استثمار إمكانياتها، وأيضا إلى تشجيع الأصوات والمواهب والتطرق إلى تجارب عديدة، من خلال مواءمة اللحن اليمني بقالب حديث وقابل لتحقيق انتشار على المستوى العربي. 

وهذا أمر لا يتحقق بيوم وليلة، إنما يتطلب الاستمرار والتنقيب في عناصر موسيقية مختلفة ومتعددة، لكن دون أن يفضي ذلك لطمس شخصية الأغنية اليمنية، وما له علاقة بالتجانس مع الأساليب المختلفة، كما يتطلب تدرجا وهضما لتلك الأشكال ضمن النسيج اللحني اليمني وخصائصه. فتحقيق انتقال في أسلوب الغناء هو نتاج تراكم مستمر يتخلله البناء على أشكال تجريبية وتشجيع الابتكار والتنافس في مجال الموسيقى. 

لا يعني أن يصبح يوم الأغنية اليمنية حدثا متداولا عبر الفضاء الإلكتروني، وإنما عليه أولا أن يتحول إلى عُرف لممارسات اجتماعية واسعة ومتنوعة على صلة بإحياء الغناء، والاحتفال به عبر أداء حي.

وبطبيعة الحال، إحداث تحول نوعي في النشاط الموسيقي يتطلب تفاعل مؤسسات اجتماعية عديدة مثل المؤسسات الثقافية والعلمية والإعلامية، فضلا عن الاقتصادية. أما إبقاؤه في فضاء التفاعل الفيسبوكي فيضعف من قيمة الحدث ويبخس به. بمعنى أنه أقل بكثير من الهالة التي يحيطها مُسمى بهذا البريق، "يوم الأغنية اليمنية."

لذا يتطلب منا الأمر البحث عن ماهية المُسمى، ماذا نريد من إحياء دائم لمناسبة كتلك؟ هذا أولا، ثم كيف يمكن إحياؤها بالشكل الأمثل؟ فعلى سبيل المثل، نعتقد أن مسؤوليتنا، نحن الكتاب، أن نتفاعل مع الحدث، ونتحدث عنه باعتباره يوما يخص الأغنية اليمنية، ونتعاطى مع ذلك وكأننا فقط نختلق مناسبة لتمضية وقتنا بالحديث عن الغناء، أكثر من الاحتفال به وممارسته فعليا بصفته نشاطا. 

وفي حال نظرنا إلى الغناء اليمني، وما أصبح عليه اليوم، نجد أنه يقف على ما أنتجه التراث، بما في ذلك موروثنا من الأغاني والألحان التي أنتجها كبار الفنانين اليمنيين خلال القرن الماضي، ولا يعني ذلك عدم وضع الاعتبار للنشاط الغنائي الحالي، وما نتج عنه من أعمال غنائية. 

لكن هذا النشاط الموسيقي يقتصر على إنتاجات محدودة، كما أن نشاطه الحي ما زال غالبا يتطفل على أغاني التراث. فأشهر الفنانين الشباب يقدمون في حفلاتهم كثيرا من التراث، وقليلا مما تم إنتاجه خلال العقدين الأخيرين. كما أن الممارسات الموسيقية لم تتغير، وما زالت تعتمد على مصاحبة العود والإيقاع.

وحتى لا نغالي كثيرا بإحاطة المناسبة ضمن جملة من التعقيدات منها المذكورة سلفا ومنها ما لم تذكره المقالة، فإن وجود مناسبة كتلك تحت مُسمى "يوم الأغنية" ليست من مسؤولياتها وضع حلول لمشاكل الأغنية اليمنية، بما في ذلك قضايا تطويرها. 

إذ يجب أن ننظر له بوصفه يوما للاحتفال، وإحياء الغناء، بما في ذلك الاحتفال عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لكن لا يعني ذلك أن يصبح حدثا متداولا عبر هذا الفضاء الإلكتروني. إنما عليه أولا أن يتحول إلى عُرف لممارسات اجتماعية واسعة ومتنوعة على صلة بإحياء الغناء، والاحتفال به عبر أداء حي. ولا بأس أن نستدعيه باعتباره فرصة لإثراء موضوع الغناء اليمني، عبر إثارة قضايا فنية ومناقشات. وذلك حتى تكون هناك مقاومة فعالة في مواجهة الحرب ضد الغناء.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English