في مطلع يوليو/ تموز الفائت، ضج الرأي العام المحلي استهجانا لجريمة اغتصاب تعرضت لها طفلة لم يتجاوز عمرها تسع سنوات في منطقة الحيمة جنوب صنعاء، من قبل شخص متزوج (29 عاما)، له انتماء عضوي لإحدى الجماعات المسلحة.
جاءت هذه الواقعة عقب مرور شهر واحد فقط من طي قضية الشاب أحمد الزويكي التي عرفت إعلاميا بـ "قضية الزويكي" الذي صدر ضده حكم بالإعدام بتهمة القتل العمد، بعد التوصل إلى تسوية مع أسرة القتيل (المغتصِب،) بحكم قبلي يقضي بإلزام أسرة "الزويكي" دفع دية قوامها 40 مليون ريال يمني (ما يعادل 80 ألف دولار أمريكي،) لأسرة القتيل، وتهجير أسرة الفتاة التي تعرضت للاغتصاب، مقابل أن يتم إعفاء وإطلاق سراح شقيقها أحمد الزويكي، الذي أدين بقتل مغتصب أخته، وهو شاب متزوج نال حكما مخففا لا يتناسب مع نمط الجريمة (5 سنوات سجن.) بيد أن الحكم سليم من الناحية القانونية، إذا ما تم الأخذ في الاعتبار الفجوات "المطاطية" الموجودة في قانون العقوبات اليمني في شأن هذا النوع من الجرائم.
المقنن اليمني قام بتحديد الحد الأعلى للعقوبة ولم يحدد الحد الأدنى في الحالة الأولى، وحددها بسنتين أو ثلاث سنوات في الحالتين التاليتين، وبهذا فإن الحد الأدنى للعقوبة أصبح القاضي منوطا به؛ يقوم بتكييفه حسب اطلاعه على القضية، وهو قد يصل للحبس لمدة 24 ساعة فقط مقابل جريمة وحشية كالاغتصاب!
اللافت أن مبلغ الدية التي أقرها الحكم القبلي يفوق ثمان مرات قيمة دية القتل العمد المقررة بنص المادة 40 من قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم 32 لسنة 2006: "دية العمد وشبه العمد خمسة ملايين وخمسمائة ألف.. ودية الخطأ مليون وستمائة ألف ريال.." يدل ذلك على الميل الجائر لبعض "الأحكام القبلية" التي تبلورها شخصيات جماهيرية بمحض الاجتهاد الذاتي المجافي للقانون العرفي والرسمي، ولقدسية العدالة القضائية التي تتكئ على النصوص والأدلة والشهود والحيثيات والقرائن.
جريمة مركّبة
كل التشريعات القانونية في العالم جرمت الاغتصاب واعتبرته من "جرائم الدرجة الأولى،" نظرا لخطورة آثاره الجسدية والنفسية على الضحية، سواء أكان الضحية امرأة أم رجلا، قاصرا أم بالغا. كما أن جريمة الاغتصاب لا تعد جريمة مفردة، بحسب المحامي الجنائي معاذ القرشي لخيوط.
يوضح: "جريمة الاغتصاب لا تحدث بصفتها جريمة مفردة ومجردة، بل يلحقها سلسلة من الجرائم حتى يكتمل حدوثها، مثل: جريمة الخطف، وجريمة الإيذاء الجسدي، وجريمة اللواط، وقد تنتهي بجريمة القتل، وإخفاء الجثة وأدوات الجريمة.. وكل واحدة من هذه الجرائم تعد جريمة مكتملة الأركان. أيضا قد يتم ارتكاب جريمة الاغتصاب من قبل أشخاص تحت تأثير المخدرات، بالتالي تعد جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي جرائم مركبة."
وبحسب المحامي القرشي لخيوط فإن قانون الجرائم والعقوبات رغم اهتمامه بجريمة الاغتصاب بوضع نصوص لها، فإنه لم يحدد العقوبة التحديد الأمثل، فقد شابها نوع من القصور والضعف. مثلا تنص المادة (269) من قانون العقوبات اليمني أنه "متى سقط الحد الشرعي لسبب من الأسباب المقررة، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سبع سنين، كل من اعتدى بالاغتصاب على أي شخص، ذكرا كان أم أنثى بدون رضاه. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على عشر سنين إذا ارتكب الجريمة شخصان فأكثر، أو كان الجاني من المتولين الإشراف على المجني عليه، أو حمايته، أو تربيته، أو حراسته، أو معالجته، أو أصيب المجني عليه بسبب الحادث بضرر جسيم في بدنه أو صحته، أو حملت المجني عليها بسبب الجريمة. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز خمسة عشرة سنة، إذا كان سن المجني عليها لم تبلغ الرابعة عشرة، أو تسبب عن الفعل انتحار المجني عليها.."
"يعني ذلك أن المقنن اليمني قام بتحديد الحد الأعلى للعقوبة ولم يحدد الحد الأدنى في الحالة الأولى، وحددها بسنتين أو ثلاث سنوات في الحالتين التاليتين، وبهذا فإن الحد الأدنى للعقوبة أصبح القاضي منوطا به، يقوم بتكييفه حسب اطلاعه على القضية، والذي قد يصل للحبس لمدة 24 ساعة فقط مقابل جريمة وحشية كالاغتصاب!" كذلك يضيف المحامي.
عدالة الجهلة
تؤكد المحامية سمر العريقي لخيوط كونَ الحلول التي تتمخض عن التحكيم القبلي في القضايا التي تمس الشرف، وبالتحديد في جرائم الاعتداء الجنسي، تكاد تكون أحكاما مبنية على الجهل والعاطفة، وقد يميل ميزان العدالة للجاني على حساب الضحية في حالة لم يكن للضحية قبيلة ذات شأن أو كان مدنيا لن يفكر يوما بالثأر.
في حالات كثيرة أخرى يكون السبب إدمان الفاعل على مشاهدة الأفلام الإباحية والتعرض المباشر لكمّ هائل من الصور غير الأخلاقية، بالإضافة إلى تعاطي المخدرات والانخراط في تجمعات غير سوية، وهذه الأسباب جميعها تؤثر بشكل أساسي على القاصرين.
وتنوه العريقي بأن "الأحكام التي يتم العمل بها بعيدا عن القضاء هي بالضرورة لن تكون أحكاما منصفة، فهي تخلو من إجراءات المحاكمة الصحيحة، عبر رفع الدعاوى ومقابلة الشهود وعقد الجلسات وأخذ معلومات الطب الشرعي، وغيرها من الإجراءات التي تتم حتى صدور الحكم."
أسباب نفسية
يشير الدكتور صخر الشدادي (طبيب نفسي) من ناحيته إلى أن من أهم الأسباب السيكولوجية التي تدفع الجاني إلى ارتكاب جريمة الاغتصاب هي في الأغلب ترجع "إلى التعرض للعنف الجنسي أو الجسدي للجاني/ الفاعل في طفولته، الأمر الذي يسوغ له ارتكاب الجريمة من جديد ضد أطفال ذكور أو إناث، لينتقم من المجتمع بعد أن تحول إلى شخص "بيودفيلي." ذلك أنه ينشأ لديه نوع من التكيّف مع الأمر، وفي حالات كثيرة أخرى يكون السبب إدمان الفاعل على مشاهدة الأفلام الإباحية والتعرض المباشر لكم هائل من الصور غير الأخلاقية، بالإضافة إلى تعاطي المخدرات والانخراط في تجمعات غير سوية، وهذه الأسباب جميعها تؤثر بشكل أساسي على القاصرين.
أعراض اجتماعية
منذ ما يقارب تسع سنوات على اندلاع النزاع المسلح في اليمن ساهمت تبعاته في ازدياد معدل الجرائم التي باتت تتخذ أنماطا أكثر عنفا وتنظيما من ذي قبل، سواء أكان من جانب المسلحين الذين ينتمون لأطراف النزاع، أم من قبل المدنيين الذين أصيبوا باضطرابات نفسية جراء الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي يشهده اليمن، وهذا ما يؤكده الارتفاع التصاعدي لعدد جرائم الاغتصاب المرفوع أمام القضاء في أكثر من محافظة يمنية.
فقد رصدت خيوط 964 قضية اعتداء جنسي تم رفعها أمام نيابة واحدة فقط من نيابات العاصمة صنعاء، وهي نيابة "شمال الأمانة،" خلال الفترة ما بين 2019 حتى 2024.
جدير بالذكر أن اليمن صادق على كافة القوانين والمواثيق الدولية، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما جرى إقرار حظر الاغتصاب بموجب القانون الدولي الإنساني في مدونة "ليبر،" وهو يعد جريمة ضد الإنسانية بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى مصادقته لاتفاقية جنيف الرابعة، والبروتوكول الإضافي الأول، اللذين يأمران بالحماية للنساء والأطفال من الاغتصاب والإكراه على الدعارة، وأية صورة من صور خدش الحياء.