يعيش محمد عبده (45 عامًا)، أوضاعًا معيشية قاسية هذه الأيام، فليس بمقدوره شراء الاحتياجات الرمضانية المتنوعة التي اعتاد شراءها سنويًّا، بسبب انعدام فرص العمل، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية جراء الحرب، وتداعيات التوترات العسكرية بين جماعة الحوثي وقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في البحر الأحمر.
يعمل محمد عبده عامِلًا بالأجر اليومي في مهنة البناء، في العاصمة اليمنية صنعاء الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، ويستقبل رمضان هذا العام وهو يعاني ظروفًا معيشية متدينة، فهو كما الملايين من اليمنيين، بالكاد يتمكن من تأمين متطلبات الحياة اليومية لأفراد عائلته المكونة من تسعة أفراد، في بلدٍ تعصف به الحرب منذ أكثر من ثماني سنوات.
بعد سنوات من الحرب، يحل شهر رمضان هذا العام وسط ظروف معيشية قاسية، أثقلت كاهل اليمنيين الذين يعيشون أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنّ 80% من سكان اليمن البالغ عددهم 32 مليونًا، بحاجة إلى المساعدات، في حين تعاني المنظمات الإغاثية من نقصٍ في تمويل عملياتها الإنسانية، ما يؤثر سلبًا على حياة الكثير من الفقراء في البلد.
ماذا أعددت لاحتياجات شهر رمضان؟
بالنسبة لمحمد فهو حتى اللحظة لم يتمكن من شراء الاحتياجات الرمضانية المتنوعة، مثل: التمور والمأكولات والخضروات، برغم انخفاض أسعارها مقارنة بالأعوام الماضية، بعد ما كان في السابق يقوم بشرائها قبل أيام قليلة من حلول شهر رمضان المبارك.
وفي ظل الظروف التي يمر بها عامل البناء محمد، فإن مائدة الإفطار بمنزله تفتقر هذا العام إلى وجود الأكلات الرمضانية والحلويات المتنوعة، فهو على غرار مئات الآلاف من المواطنين أجبرته الظروف على الاكتفاء بوجبة "الشفوت" و"العصيدة"، فهما الوجبة الوحيدة التي يمكنه توفيرها لأفراد عائلته في مائدة الإفطار.
يقول محمد لـ"خيوط": "يأتي رمضان هذا العام بالتزامن مع وجود حالة ركود غير مسبوقة في الأعمال مقارنة بالسنوات الماضية". فهو طيلة شهر رجب وشعبان، كان يذهب في الصباح الباكر إلى حراج العمال بحثًا عن عمل لتأمين لقمة العيش لأفراد عائلته، لكنه يعود إلى منزله في غالبية الأيام، دون الحصول على فرصة للعمل، وهذا حال معظم عمّال الأجر اليومي في صنعاء وبقية المحافظات اليمنية.
تمامًا مثل محمد، لم يتمكن ناجي مهيوب (50 عامًا)، من شراء الاحتياجات الرمضانية هذا العام بسبب تدهور وضعه المعيشي، فهو يعمل بالأجر اليومي بمهنة النِّجَارة في محافظة إب الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي (وسط اليمن).
يقول مهيوب لخيوط: "نستقبل رمضان هذا العام بظروف بالغة الصعوبة، همُّنا الوحيد هو كيف نوفر الأشياء الضرورية من الزبادي والأشياء الضرورية، أما الاشياء الأخرى مثل اللحوم والحلويات وحتى الخضروات، فأصبحت من الماضي؛ الجيوب فارغة، والأعمال متوقفة".
ثم يضيف: "أنا مثل غيري من العمّال والفلاحين، أصبحت الاحتياجات الرمضانية تمثل عبئًا كبيرًا علينا، حتى المساعدات الإنسانية التي نحصل عليها كل ثلاثة أشهر، أصبحت متوقفة منذ مدة طويلة، نعيش ظروفًا قاسية وهي أتعس أيام حياتنا".
رمضان بظروف قاسية
يعيش كلٌّ من مهيوب ومحمد، ومعهم مئات الآلاف من عمّال اليومية أوضاعًا قاسية، إذ يشكون من تدهور وضعهم المادي نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، وانعدام فرص العمل، التي بدورها انعكست سلبًا على حياتهم وحرمانهم من شراء الاحتياجات الرمضانية، خصوصًا في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية بشكل لافت، بالتزامن مع حلول شهر رمضان.
وعلى غرار مهيوب يعيش اليمنيون في صنعاء ومحافظة إب، وبقية المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، أوضاعًا معيشية قاسية منذ تسع سنوات، انعكست سلبًا على مختلف مجالات الحياة، وتسبّبت بحرمان غالبية المواطنين من شراء الاحتياجات الرمضانية، التي لطالما كانت تزيّن موائد الإفطار قبل اندلاع الحرب في اليمن.
ومؤخرًا، تضاعفت معاناة مئات الآلاف من الأُسَر اليمنية، خصوصًا الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية، إذ تجدر الإشارة إلى أن برنامج الأغذية العالمي في اليمن، كان قد أعلن في مطلع ديسمبر من العام 2023، عن إيقاف برنامج مساعداته الغذائية العامة في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، بسبب محدودية التمويل وعدم التوصل إلى اتفاق مع السلطات من أجل تنفيذ برنامج أصغر يتناسب مع الموارد المتاحة للأسر الأشدّ ضعفًا واحتياجًا.
وقال البرنامج في بيان صحفي: "يأتي هذا القرار الصعب، الذي تم اتخاذه بالتشاور مع الجهات المانحة، بعد ما يقرب من عام من المفاوضات، التي لم يتم خلالها التوصل إلى اتفاق لخفض عدد المستفيدين من المساعدات الغذائية المباشرة من 9.5 مليون إلى 6.5 مليون شخص".
وأضاف البرنامج أن مخزون الغذاء بدأ بالنفاد في المناطق الخاضعة لسلطات صنعاء، بشكل كاملٍ تقريبًا، وقد يستغرق استئناف المساعدات الغذائية -حتى في ظل التوصل إلى اتفاق فوري مع السلطات- ما يقارب أربعة أشهر، بسبب انقطاع سلسلة الإمداد للمساعدات الغذائية الإنسانية.
ويأتي رمضان هذا العام، بالتزامن مع أحداث التصعيد العسكري الحاصل في البحر الأحمر وتأثيرها على النشاط الاقتصادي بمختلف المحافظات اليمنية، إذ تبدو الأسواق التجارية خالية من المتسوقين، ويشكو ملاك المحال التجارية من تراجع القدرة الشرائية للمواطنين هذا العام بشكل لافت مقارنة بالأعوام الماضية.
توقعت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO)، أن ترتفع أسعار السلع الغذائية الأساسية والوقود بشكل موسمي، في الفترة من مارس حتى مايو 2024؛ استجابة للطلب المتزايد خلال شهر رمضان المبارك والعيد، وبسبب الآثار غير المتوقعة للتصعيد المستمر في البحر الأحمر.
أزمة الشحن البحري
خلال الفترة الماضية، شكا تجارٌ في العاصمة اليمنية صنعاء، ومحافظة إب ومحافظات يمنية أخرى، من نقص حاد في مخزون السلع الأساسية والغذائية، وارتفاع أسعارها نتيجة ارتفاع أجور الشحن والتأمين البحري، إثر التصعيد العسكري الحاصل في البحر الأحمر، واستمرار جماعة الحوثي في استهداف السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل تضامنًا مع سكان قطاع غزة.
وأكّد تجار في محافظة إب لـ"خيوط"، أنهم يعانون من كساد في بيع البضائع، خصوصًا البضائع الأكثر مبيعًا خلال شهر رمضان، لافتين إلى أنّ المحال والمراكز التجارية لم تشهد إقبالًا من المستهلكين الذين كانوا يبادرون إلى شراء المواد الغذائية المتنوعة في مثل هذه الأيام سنويًّا.
من جانبه، يعتقد الخبير الاقتصادي اليمني، رشيد الحداد، بأنه لا وجود لأي تداعيات ملحوظة على الوضع المعيشي حتى الآن؛ كون تداعيات الحرب أدّت إلى ارتفاع التأمين على السفن منذ تسع سنوات، وموجة الارتفاعات التي شملت التأمين على السفن يعاني منها الشعب اليمني منذ مطلع العام 2015. ويضيف الحداد لـ"خيوط": "ارتفعت أجور نقل الشحنات الغذائية والكمالية من الأسواق الخارجية إلى الموانئ اليمنية دون استثناء، نتيجة أزمة الشحن الدولي الناتجة عن عسكرة البحر الأحمر".
في السياق، توقعت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO)، أن ترتفع أسعار السلع الغذائية الأساسية والوقود بشكل موسمي، في الفترة من مارس حتى مايو 2024، استجابة للطلب المتزايد خلال شهر رمضان المبارك والعيد، وبسبب الآثار غير المتوقعة للتصعيد المستمر في البحر الأحمر.
وحذّرت المنظمة من تفاقم شديد للأزمة الغذائية في شمال البلاد مع الشهر الأخير للنصف الأول من العام الجاري، وقالت: "من المتوقع حدوث أزمة خطيرة لانعدام الأمن الغذائي في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين، اعتبارًا من يونيو القادم، عند بداية موسم العجاف، وفي ظل غياب المساعدات الغذائية الإنسانية".
لكن على الرغم من كل ذلك، لم يفقد اليمنيون في صنعاء روحَ الابتهاج بقدوم الشهر الفضيل، برغم المعاناة، فهم يستقبلون قدومه بتوفير ما يقدرون عليه، إذ تمكن عبدالغني قايد (40 عامًا)، من شراء بعض الاحتياجات الرمضانية، قائلًا لـ"خيوط": "رمضان شهرنا المقدس، سوف نبتهج به، برغم الظروف والمعاناة".
