اليمنيون والقضية الفلسطينية

إشارات لبعضٍ من الإسناد الشعبي للمقاومة
محمد عبدالوهاب الشيباني
October 27, 2023

اليمنيون والقضية الفلسطينية

إشارات لبعضٍ من الإسناد الشعبي للمقاومة
محمد عبدالوهاب الشيباني
October 27, 2023
.

ارتبط اليمنيّون وجدانيًّا بالقضية الفلسطينية منذ بواكيرها، ويرد -مثلًا- في سيرة الأستاذ النعمان أنه عندما وصل إلى القاهرة في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي (1938)، ذهب إلى مجلس الصحفي الفلسطيني وصاحب جريدة الشورى محمد علي الطاهر، وعرَّف بنفسه بأحمد محمد نعمان – ذبحان، فرحب به الطاهر ترحيبًا كبيرًا، ثم عرَّف الجالسين بضيفه وبصنيعه منذ كان يقوم بجمع تبرعات بسيطة من الأهالي والميسورين في منطقته لدعم فلسطين، وإرسالها بواسطته مغلفة وممهورة بخطه الجميل تحت هذا الاسم. وهذا الفعل صار موضوعًا لكتاب حسن شكري زيوار (مركزية النعمان القيادية للأحرار في دعم فلسطين؛ الثورة العربية الكبرى 1936-1939م أنموذجًا).

وفي قرابة تسعين سنة من هذه المبادرة، حضر النزوع الشعبي اليمني لدعم القضية الفلسطينية في أهم محطاتها، ابتداء من عام النكبة الأولى 1948 والثانية 1967، مرورًا بسبتمبر 1970 (أيلول الأسود)، وصيف 1982 حين اجتاحت القوات الصهيونية بيروت لإخراج المقاومة الفلسطينية منها، حيث وصلت على إثر ذلك بعضٌ من القوات والأُسَر الفلسطينية إلى اليمن شمالًا وجنوبًا واستُقبلت بحفاوة كبيرة، وفُتح لها معسكران كبيران؛ الأول في نواحي صنعاء وحمل اسم (صبرا)، والثاني خارج مدينة عدن وسمي (شاتيلا). واستقرت عشرات العائلات الفلسطينية في المدن اليمنية، وصار بعضها جزءًا من النسيج الاجتماعي بحكم التزاوج. وكان قبلها عشرات المتطوعين اليمنيين جزءًا من فصائل المقاومة الفلسطينية اللبنانية التي تصدت لقوات الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، ولم يزل الكثير يتذكرون صمودهم في معركة قلعة الشقيف الشهيرة واستشهاد بعضهم فيها.

في الانتفاضة الأولى 1987، شهدت اليمن حملات مساندة وكبيرة ومهرجانات سياسية وثقافية كبيرة، وأتذكر منها فعالية ندوة الفكر الفن والثقافة لدعم الانتفاضة التي تبنّتها جامعة صنعاء بإشرافٍ من رئيسها الراحل الدكتور عبدالعزيز المقالح، وحضرها الكثير من المثقفين والمفكرين والأدباء والفنانين العرب.

يتوحد وجدان اليمنيين شعبيًّا في التعاطف مع القضية المركزية الأولى للعرب، لنوازع قومية ودينية، لما تمثّله أرض فلسطين وعاصمتها القدس تحديدًا، من رمزية عند العرب والمسلمين، وعادة ما تُجاري الحكومات وسلطات الحكم هذا النزوع الشعبي التعاطفي لتقدم نفسها كصوت له، وهو أمر تفضحه تخادماتها السرية ومنافعها مع القوى المؤثرة والداعمة لدولة الاحتلال.

وفي الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى)، كان لليمنيين حضورًا إسناديًّا معنويًّا واضحًا، فتسمت بشهدائها ورموزها المدارسُ والشوارع، كالشهيد محمد الدرة، الذي قتلته قوات الاحتلال أمام مرأى ومسمع العالم في سبتمبر 2000، وهو إلى جوار والده في غزة. وها هم اليوم بكل جوارحهم معنيون بأحداث غزة الدامية، يدينون آلة القتل الصهيونية وداعميها من حكومات الغرب العنصرية.

في كل هذه السنوات، يتوحد وجدان اليمنيين شعبيًّا في التعاطف مع القضية المركزية الأولى للعرب، لنوازع قومية ودينية، لما تمثله أرض فلسطين وعاصمتها القدس تحديدًا، من رمزية عند العرب والمسلمين، وعادة ما تُجاري الحكومات وسلطات الحكم هذا النزوع الشعبي التعاطفي لتقدم نفسها كصوت له، وهو أمر تفضحه تخادماتها السرية ومنافعها مع القوى المؤثرة والداعمة لدولة الاحتلال، كما هو الحاصل اليوم مع دول المركز في الغرب الداعمة للعملية العسكرية في غزة بنزوعها العنصري والإجرامي في عملية إبادة وتطهير عرقي وتهجير للسكان، ولا تُقدِم مثل هذه الحكومات والقوى، التي ترفع شعارات المقاومة، على أي فعل لإيقاف عملية الإبادة الصهيونية المتواصلة بحق المدنيين الفلسطينيين.

خلال سنوات الحرب الثماني في اليمن، لم نشهد ما يجمع اليمنيين في الجنوب والشمال مثلما جمعتهم مؤخرًا الأحداث الدامية في غزة، فخرجت المظاهرات المسانِدة للصمود الفلسطيني في وجه آلة القتل الصهيوني في كل المدن، رغم محاولات سلطات الأمر الواقع تجييرها لصالح شعاراتها السياسية بكل فجاجة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English