إعداد التحقيق: محمد راجح & د. عبدالغني جغمان
تستمر الحكومة المعترف بها دوليًّا بتجاوز التشريعات الدستورية والقانونية في انتهاك القطاعات الاقتصادية السيادية والعبث بها وإداراتها بطريقة عشوائية غير مسؤولة، مع توالي فضائح الصفقات
المشبوهة كما هو حاصل حاليًّا في قطاع النفط، وعقد صفقات غير شرعية مع شركات خارجية لتسويقه وبيعه بثمنٍ بخس.
وتتهم الحكومة المعترف بها دوليًّا "الحوثيين" باستهداف منشآت وموانئ تصدير النفط في محافظتي حضرموت وشبوة، وذلك في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي 2022، وهو ما أدّى إلى توقف تصدير النفط وخسارة الحكومة أكثر من مليار دولار.
ودفع تعثر تمديد الهدنة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2022، "الحوثيين" إلى مخاطبة الشركات الاستثمارية في قطاع النفط والغاز، بأن عليها التوقف بشكلٍ نهائيّ عمّا أسموه نهب الثروات اليمنية السيادية، وتحميلها المسؤولية الكاملة في حال عدم الالتزام، إذ أتبعوا ذلك باستهداف موانئ لتصدير النفط في شبوة وحضرموت (جنوب اليمن) بالطائرات المسيرة.
منذ ذلك الوقت، يمر اليمن بأوقات صعبة وحرجة مع تفاقم الأزمة الإنسانية، ووصولها إلى ذروتها وتهاوي الاقتصاد الوطني وتوسع الانقسام، بالتزامن مع توغل العبث والصفقات المريبة التي تثار حولها شبهات فساد في كلٍّ من عدن وصنعاء، مع تصدر حكومة معين عبدالملك في عدن للمشهد بصفقات مدوية أثارت جدلًا واسعًا؛ من الصفقة الاستثمارية التي انتهكت بها قطاع الاتصالات، إلى عقد صفقات تطال الاحتياطيات المثبتة من النفط في حقول حضرموت وشبوة -وفق معلومات مدعمة بالوثائق، تنفرد "خيوط" بالكشف عنها- وبيعه وتسويقه بالاتفاق مع شركة إماراتية بطريقة بدَت صادمة لليمنيين في ظروف صعبة وحرجة تمر بها بلادهم.
الحكومة ممثلة بوزارة النفط، قررت منح هذه العقود إحدى الشركات الإماراتية، تحمل اسم "شركة مليح للاستثمارات وتطوير المشاريع". وهي نفس الشركة التي منحها مجلس الوزراء بحكومة عدن، ترخيص إنشاء مصفاة تكرير المشتقات النفطية وصهاريج خزن ومنطقة صناعية حرة في منطقة الضبة بمحافظة حضرموت (جنوب شرقي اليمن).
وفي تحديث لما يتم حاليًّا في أروقة الحكومة المعترف بها دوليًّا، ذكرت مصادر مسؤولة لـ"خيوط"، أنّ الحكومة ممثلة بوزارة النفط، بعد الجلوس مع عدة شركات في القاهرة وفي كندا، قررت منح هذه العقود لإحدى الشركات الإماراتية تحمل اسم "شركة مليح للاستثمارات وتطوير المشاريع". وهي نفس الشركة التي منحها مجلس الوزراء بحكومة عدن، ترخيص إنشاء مصفاة تكرير المشتقات النفطية وصهاريج خزن ومنطقة صناعية حرة في منطقة الضبة بمحافظة حضرموت (جنوب شرقي اليمن)، بقرار مجلس الوزراء رقم (6) لعام 2023، وبتاريخ 26 مارس/ آذار 2023.
وهي في الواقع -وحسب موقع الشركة الرسمي (http://www.malaih.ae/) الذي تحقّقت "خيوط" منه- شركة لا علاقة لها بالصناعة النفطية، إنما هي شركة مقاولات لبناء المباني السكنية فقط.
وحسب بيانات نشرها أعضاء مجلس النواب، اتضح أنّ هنالك شركة أخرى تدعى شركة (إيمو) ومقرها في الإمارات العربية المتحدة هي المشتري لكميات تصل إلى 18 مليون برميل على عدة دفعات بمبلغ يتجاوز مليار دولار أمريكي.
تبرر الحكومة المعترف بها دوليًّا البيعَ بأنه الوسيلة الأفضل للحصول على مبالغ مالية من خلال التعاون مع مثل هذه الشركات التي سوف توفر السيولة لميزانيات الصيانة والتشغيل، ومِن ثَمّ تنفيذ أعمال الصيانة وحفر الآبار التي كان من المفترض أن تقوم بها الشركات الوطنية لو كان هنالك إدارة مالية وحكومة تهتم بثروات البلاد السيادية والوطنية.
أيضًا من المبررات، أنّ الشركة سوف تساعد الحكومة في توفير بعض المشتقات النفطية التي تقوم بشرائها لمحطات الطاقة المشتراة في عدن لتوليد الكهرباء، وتبلغ أكثر من 3 ملايين دولار يوميًّا كقيمة وقود لهذه المحطات، وهذا كان محور الصراع بين أحمد العيسي- نائب مدير مكتب رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء- معين عبدالملك، الذي انتشر وظهر على السطح في تبادل تهم بالفساد والرشاوى وإرساء العقود بالأمر المباشر، وظهر للعلن بشكل مزرٍ.
شكل رقم (2) خريطة توضح القطاعات التي تم بيعها (باللون الأبيض لشركة أوكتافيا& وباللون الأزرق ما كان سيتم بيعه لشركة زينيث الهولندية)
التفاف على أجهزة الدولة التشريعية
تكشف بيانات ووثائق حصلت عليها "خيوط"، عن جود تجاوزات جسيمة في بيع النفط الخام لجهة خليجية (شركة إماراتية) بدون اتباع الإجراءات المتعارف عليها في تسويق النفط الخام، في مخالفة -كما يعتبرها مختصون واقتصاديون وقانونيّون- للتشريعات والقوانين اليمنية النافذة التي نظمت طرق ومعايير التعامل مع القطاعات النفطية ومختلف القطاعات السيادية، مع وصول الأمر إلى بيع النفط، وهو لا يزال في باطن الأرض بكميات كبيرة تشمل إنتاج أكثر من عام.
في نوفمبر 2022، نشر الخبير النفطي والباحث الاستقصائي الدكتور عبدالغني جغمان، ما أسماه الخطة القادمة لبيع 500 مليون برميل من الاحتياطيات النفطية المتبقية (Remaining Proved Reserve) في حقول حضرموت ومارب وشبوة (بقيمة قد تصل إلى 35 مليار دولار)؛ وذلك من خلال التعاقد مع شركات من الباطن لتعمل على إنتاج الاحتياطيات المثبتة والتي تعود ملكيتها لليمن 100%.
وذلك من خلال توقيع الشركات الأم (بترومسيلة، وصافر، ووايكوم) مع شركات بعقود من الباطن اتفاقيات خدمات، هذه الاتفاقيات لا تتطلب موافقة من أيّ جهة حكومية عليا ولا تشريعية، في حيلة والتفاف على أجهزة الدولة التشريعية، حيث سيعفيها من الحصول على موافقة مجلس النواب أو حتى الحكومة بشكل رسمي، وتكتفي فقط بالتوقيع مع الشركة الأم (بترومسيلة أو صافر).
هذه الخطة، كما يؤكّد جغمان لـ"خيوط"، جاءت نتاجًا لضعف الإدارة المالية، وقيام الشركات بتوريد كافة المبالغ من قيمة النفط المَبيع إلى البنك الأهلي السعودي لدفع التزامات الحكومة الشرعية ومرتبات مجلسي النواب والشورى والقطاع الدبلوماسي في الخارج، بدون تخصيص ميزانيات خاصة بالتطوير والصيانة للحقول النفطية.
الاحتياطيات المثبتة هي التي لها درجة عالية من اليقين (لا تقل عادةً عن 90% من الثقة)، ويمكن استخراجها في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية القائمة، بالاستعانة بالتكنولوجيا المتاحة، وتعد مضمونة، وتحسب كرأس مال للشركات المشغلة للحقول.
شكل رقم (3) خطة بيع الاحتياطيات المثبتة المتبقية في الحقول النفطية بمحاصصة مع الشركات المقاولة من الباطن
كما أنّ هذه الميزانيات التطويرية، التي تمثّل ما نسبته (15-25%) من الميزانية العامة، هي ضرورة مهمة في ضمان استمرار إنتاج النفط من الحقول النفطية، إذ تتطلب آبارها صيانة وتثقيب مكامن جديدة وصيانة معدات الإكمال والإنتاج بشكل دوري، إضافة إلى حفر آبار تطويرية جديدة لضمان إنتاج الاحتياطيات النفطية في باطن الأرض.
في يناير/ كانون الثاني 2023، صرح وزير النفط في الحكومة المعترف بها دوليًّا، سعيد الشماسي، في تقرير منشور في مجلة النفط والمعادن (العدد 48)، بقيام الوزارة بتنفيذ خطوات جادّة لبيع الاحتياطيات النفطية من خلال التعاقد مع شركات أجنبية بعقود خدمات من الباطن، بدلًا عن عقود المشاركة.
وأكّد الوزير آنذاك أنّ الوزارة بدأت هذه الخطوات في محافظة حضرموت، وأنّ التفاوض جارٍ على قدم وساق مع كثير من الشركات التي تعمل في مصر، وشركات عالمية أخرى، للعمل في القطاعات التي انخفض إنتاجها، في المسيلة وقطاع عياذ (4)، شبوة، الذي تشغله الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية.
ويقدر المخزون النفطي في اليمن بنحو (11.950) مليار برميل، منها (4.788) مليار برميل نفط قابل للاستخراج بالطرق الأولية والحالية، في حين عدد الحقول في مناطق الامتياز العاملة في اليمن، يصل إلى نحو 105 حقول، منها 13 حقلًا تخضع لأعمال استكشافية، ونحو 12 حقلًا منتجة، بينما 81 حقلًا قطاعات مفتوحة للاستكشاف والتنقيب، أغلبها في المياه اليمنية. ويصل عدد الشركات العاملة في مجال الاستكشاف في اليمن إلى حوالي تسع شركات، وهناك تسع شركات إنتاجية عاملة في المحافظات المنتجة.
مجلس القيادة الرئاسي وصفقة المليار دولار
يُبدي برلمانيون ومسؤولون حكوميون صدمتهم ودهشتهم من عملية بيع الحقول والاحتياطيات النفطية، بالذات ما يتعلق بهذه الصفقة وقيمتها ومبالغها والجهة التي تم إرساء الصفقة عليها؛ وبالتالي توزيع الحصص.
النائب في البرلمان، علي عشال، وصف ما يجري بفضيحة مدوية وفساد على المكشوف، لافتًا إلى أنّ الحكومة تهدر "نصف مليار دولار" وتُقر بيع 18 مليون برميل من النفط الخام لشركة إماراتية بقيمة أقل من 30%-35% من سعره العالمي بحجة أن الشركة ستقوم بحمايته.
وأضاف أنّ هذه الصفقة كشفت المستور في حكاية ضرب ميناء التصدير، والآن بدأت مسرحية (حاميها حراميها)؛ متسائًلا: "كيف ستحمي شركة (إيمو) وهي تجارية، تصديرَ النفط؟! هل تعلم بالجهة التي استهدفت الميناء لتقوم بالتفاهم معها بعدم استهداف شحناتها؟ هل ستقوم الجهة التي تنتمي إليها الشركة وهي طرف في التحالف، بالحماية؟! وهل الشركة هي المالك لمصفاة النفط التي ستنشأ في حضرموت ولن تصدر النفط بل ستكرره؟!
أضاف: "في كل الأحوال الصفقة كارثية وغير مسبوقة أن يباع نفط البلاد بيعة "حرامية"، تستعجل الحكومة إتمامها رغم علمها بترتيبات إحلال هدنة دائمة يمكن أن تتيح معاودة تصدير النفط"، كما قال عشال إن مجلس القيادة الرئاسي معنيّ بوقف هذا الفساد، ما لم فسيكون طرفًا رئيسيًّا فيه.
الباحث الاقتصادي رشيد الحداد، يوضح لـ"خيوط"، أنه لهذا السبب ترفض حكومة عدن تحييد قطاع النفط والتفاهم على إدارته والتعامل معه، مشيرًا إلى أنّ الفوضى والعشوائية والعبث يجتاح القطاعات الاقتصادية والإيرادية والنفطية بسبب عدم وجود دولة في تلك المناطق.
وبحسب رسالة مرفوعة من رئيس الوزراء معين عبدالملك إلى رئيس مجلس القيادة، فأنّ وزارة النفط أجرت العديد من المفاوضات مع الشركات الأمنية والنفطية لتصدير النفط، في ظلّ استمرار استهداف الحوثيين لموانئ التصدير وناقلات النفط في الموانئ اليمنية، والتي اعتذرت جميعها لدواعٍ أمنية.
وأفادت الوثيقة التي نشرها البرلماني على عشال في صفحته على موقع X، أنّ الحكومة توصلت إلى أفضل العروض مع شركة إيمو التي مقرها في دولة الإمارات (16/7/2023)، لبيع كمية 3.5 ملايين برميل نفط موجودة في خزانات مينائَي الضبة والنشيمة، بخصم 35% من سعر برنت، وكمية 14.5 مليون برميل إنتاج مستقبلي بخصم 30%، وبالأمر المباشر وبالمخالفة لقانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية؛ ما يؤكّد ضياع نسبة كبيرة من موارد كانت مستحقة للدولة.
وأشارت مصادر حكومية إلى أنّ الاتفاق مع شركة (إيمو) الإماراتية تضمن شراءها لـ14.5 مليون برميل نفط من حقول الإنتاج بخصم 30% من سعر برنت المتداول، مع وعود بتزويد الشركة للحكومة بكميات من الوقود لتوليد الكهرباء بالسعر السائد بقيمة قد تصل إلى مليار دولار أمريكي.
هذا وقد طالعنا محضر وتوصيات اللجنة العليا لتسويق النفط الخام والتي طرحت بعض الاستفسارات والتأكيدات حول قيام دولة الإمارات بحماية وتنسيق بيع الاحتياطيات النفطية والنفط الموجود في خزانات الموانئ النفطية في النشيمة والضبة بالتعاون مع إحدى شركاتها والمسماة شركة (إيمو).
ونحن بدورنا بحثنا عن تفاصيل هذه الشركة ووجدنا أنها شركة لديها موقع على شبكة الإنترنت، https://emoinvestment.com/
ولكن لا دليل على تنفيذها لمشاريع في أي دولة، كما تعد حديثة التأسيس في العام 2019؛ فكيف يتم التخاطب والإتفاق مع شركة لا تمتلك أي خبرة فنية، أو قدرة مالية، إضافة إلى أنه لم يكن هناك أي جدوى من البيع حتى لو كانت شركة معروفة في المجال النفطي.
مخالفات للقوانين والتشريعات
تعاني الحكومة من شح الإيرادات الناجم عن نقص الإنتاج النفطي، حيث نقص الإنتاج بما معدله 80% عما كان عليه في بداية الألفينيات، وحاليًّا توقف التصدير منذ أكتوبر 2022، بعد أن ضُرب مينائي النشمية (شبوة) والضبة (بحضرموت) من قبل قوات حكومة صنعاء (الحوثيين)، بسبب الاختلاف على توريد إيرادات النفط ودفع الرواتب وجوانب اقتصادية ما زالت محل نقاش وتفاوض بين السعودية والحوثيين منذ هدنة أبريل 2022 وإلى اليوم.
فيما يخص بيع الاحتياطيات النفطية، يتم حاليًّا مناقشة حيثيات هذه الصفقة على مستوى أعضاء البرلمان اليمني، التي سوف تصل قيمتها إلى أكثر من مليار دولار في حال تم الموافقة عليها.
تعاني ثروات اليمن النفطية من عبث وإهمال وتسيب منذ خروج الشركات النفطية من اليمن، بحجة القوة القاهرة في ديسمبر 2014. حيث قامت الحكومة خلال فترات متلاحقة ببيع عده قطاعات نفطية خلال الفترة (2019-2023) أيد بعضًا منها مجلس النواب واعترض على بعضها في مؤشر يدل على عدم وجود خطة استراتيجية لتطوير وإدارة قطاع النفط، وإنما فقط بيع وبحث عن مشترٍ يدفع أكثر، وبغض النظر عن ثروات البلاد واستغلالها الأمثل.
وتعتبر عوائد إنتاج وتصدير النفط والغاز أهم مورد سياديّ لليمن، لكنها تمثّل أهم بؤر الصراع والقتال بين أطراف الحرب في البلاد، بينما تقتضي الضرورة اتساق سيناريوهات الهدنة خلال الفترة القادمة مع اعتماد معايير لتقاسم عوائد الموارد النفطية والغازية بين الحكومة اليمنية والحوثيين من جانب، وبين المحافظات المنتجة للنفط والغاز والحكومتين من جانب آخر.
وتناقصت الإيرادات النفطية والغازية في اليمن، بشكل كبير مقارنة بمستوى الإنتاج في عام 2014، الذي وصل إلى نحو 167 ألف برميل يوميًّا من النفط، لكن التقديرات الحكومية تشير إلى أنّ متوسط إنتاج النفط بلغ 50 إلى 60 ألف برميل يوميًّا فقط خلال الفترة بين عامي 2020 و2022، في حين لا تزال صادرات الغاز متوقفة منذ العام 2015 وحتى الآن، وسط انتقادات واسعة للحكومة المعترف بها دوليًّا بعدم مبادرتها لتصحيح العقود مع الشركات الاستثمارية وإعادة التصدير من مشروع الغاز الطبيعي المسال.
مخالفات جسيمة
وفق الاختصاصي في القانون التجاري فؤاد السماوي، في حديثه لـ"خيوط"، فإن ما يجري يمثل مخالفات جسيمة وفقًا للقوانين اليمنية النافذة التي حددت طرق ومعايير التعامل مع المشتريات والمشاريع الحكومية وربطها باللجنة العليا للمناقصات والمزايدات واللجان الحكومية المختصة بتسويق النفط. لكن بحسب السماوي، فإن مثل هذه الصفقات كبيع النفط وقبلها الترخيص للاستثمار في قطاع الاتصالات، وهي قطاعات سيادية، يتم عقدها في السر ولم تخضع للإجراءات المتبعة في القوانين اليمنية النافذة وبطريقة علنية وشفافة، مع العلم أن أهم جهاز مختص بالبت في أعمال ومشاريع المناقصات والمزايدات والمشتريات -وهي اللجنة العليا للمناقصات- لا يزال معطًلا حتى الآن من قبل الحكومة المعترف بها دوليًّا في عدن.
وواجه القطاع النفطي انكماشًا كبيرًا خلال العام 2023، وذلك بسبب الحصار المفروض من قبل "الحوثيين" على صادرات النفط بحسب البنك الدولي، وأدّى إلى خفض متوسط الإنتاج اليومي من النفط من 61600 برميل في عام 2021 إلى 51400 برميل في عام 2022.
من يوقف العبث بثروات البلاد؟
لا يزال مجلس النواب يحاول تلافي الكوارث التي تسبّبها الحكومة اليمنية، والتي كان آخرها المعركة الصاخبة بين رئيس الحكومة والبرلمان بشأن تمرير صفقة بيع بوابة الاتصالات الحكومية "عدن نت" لشركة NX الإماراتية التي يجادل البرلمان في عدم قانونيتها من خلال تقاريره، التي كان آخرها تقرير اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق بتاريخ 24/8/2023، أوصى فيه الحكومةَ بضرورة إلغاء كافة الإجراءات فيما يخص التعاقد بين وزارة الاتصالات وشركة NX الإماراتية، واعتبار ما تم غير مُلزم للدولة في كافة الجوانب القانونية والمالية والإدارية. إلا أنّ معين عبدالملك لا يزال يصر على تمرير هذه الصفقة، ضاربًا عرض الحائط بتوصيات مجلس النواب.
وفي نفس الصدد، فيما يخص بيع الاحتياطيات النفطية، يتم حاليًّا مناقشة حيثيات هذه الصفقة على مستوى أعضاء البرلمان اليمني، التي سوف تصل قيمتها إلى أكثر من مليار دولار في حال تم الموافقة عليها، حيث أشارت مصادر رسمية في مجلس النواب (نتحفظ على ذكر أسمائها) أنه تم التوقيع من قبل وزير النفط في أغسطس/ آب 2023، على صفقة بيع كمية 14.5 مليون برميل بشكل مبدئي لنفس المستثمر الذي أجيز له مشروع مصفاة في حضرموت مؤخرًا (شركة مليح الأماراتية أو شركة إيمو)، كما وردت أنباء عن توريد مبلغ بما يعادل قيمة ثلاثة ملايين برميل من النفط الخام في حسابات البنك المركزي ببنك دبي الإسلامي بتاريخ 21 أكتوبر الجاري.
هذه الإجراءات لم تتم حسب المعايير المتعارف عليها في تسويق النفط الخام، ولم تتم عبر أصول المناقصات والمزايدات المتبعة في قرار تشكيل لجنة تسويق النفط الخام.
كما يرى المصدر الحكومي أنه ولأول مرة في تاريخ تسويق وبيع النفط الخام، يتم بيع نفط خام لم ينتج وما يزال في باطن الأرض لفترة قد تتجاوز خمسة أعوام، وحسب المصدر فإنّ المشتري سيقوم بتوريد كميات وقود مازوت وديزل وبترول من الخارج بدلًا عن الدفع إلى البنك المركزي، وهذه الدورة النقدية والمحاسبة ستتم خارج الأطر الرسمية، وتعد في حدّ ذاتها فسادًا ماليًّا وإداريًّا كبيرًا ومؤشرًا لحجم الفساد الحكومي الذي وصل إلى نهب وبيع موارد البلد الطبيعية والاستخراجية.
بالمقابل، طالَب نائب رئيس مجلس النواب البرلماني، محسن علي باصرة، في مذكرة رسمية، رئيسَ الحكومة المعترف بها دوليًّا بتوضيحات حول ما جاء في المذكرة المرفقة، وعن حيثيات الموافقة على بيع نفط خام تحت الأرض بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الدول.
الخلاصة
الجدير بالذكر، أنّ عددًا من أعضاء مجلس النواب يُحمّلون مجلس القيادة الرئاسي كافة المسؤولية، ويطلبون منه وقف هذا الفساد، ما لم فسيكون طرفًا فيه، على حد تعبيرهم.
وهنا يخلص الخبير النفطي والباحث الاستقصائي عبدالغني جغمان، إلى أنّ ما يحدث حاليًّا هو عبارة عن بيع النفط الذي في الخزانات ونفط إنتاج مستقبلي (18 مليون برميل) في أسرع وقت بقيمة مليار دولار، إضافة إلى بيع الاحتياطيات النفطية في باطن الأرض (500 مليون برميل)، بسبب عجز وفشل الحكومة ووزارة النفط وشركة بترومسيلة وصافر بما قيمته 35 مليار دولار.
كل هذه العمليات تعد تفريطًا في ثروات اليمن من خلال صفقات مشبوهة تدار في غرف مظلمة، وبدون الرجوع لأي أدبيات أو مرجعيات حكومية أو قانونية أو تشريعية، وهي بكل بساطة صفقات فساد بالمليارات.
ولم يكتفِ المسؤولون السابقون والحاليون بما قاموا به، وإنما يواصلون تدمير وتضييع ثروات اليمن النفطية والغازية، فلا هم الذين بنوا اقتصادًا وطنيًّا قويًّا، ولا هم الذين حقّقوا أي تنمية بشرية فعلية، ولم يعملوا على بناء أو دعم لأي قطاع اقتصادي آخر، لذا وبالرغم من أن البلاد في حالة فوضى وانهيار اقتصادي كبير؛ لا يزال بعض المسؤولين ينهبون من الجسد المريض، في ظل عجز واختلاف في مجلس القيادة الرئاسي، وفشل وفقدان للحيلة في مجلس النواب المشتت في أصقاع المعمورة.
ملحق
المشروع: شراء 14 مليون برميل من النفط الخام
الموقع: حضرموت وشبوة
المشروع: إنشاء وتحويل وتشغيل وامتلاك مصفاة تكرير النفط الخام واستخلاص المشتقات النفطية
الموقع: منطقة الضبة بمحافظة حضرموت
وقد أبرم الاتفاقية مع الشركة الإماراتية وزير النفط التابع للمجلس الانتقالي سعيد الشماسي، وذلك بعد أشهر على تعيينه في منصبه خلال التغيير الوزاري في يوليو 2022، عقب تشكيل مجلس القيادة.
وستعمل المصفاة بقدرة إجمالية يومية تقدر بـ(٢٥,٠٠٠) برميل بالمرحلة الأولى، إضافة إلى صهاريج تخزين كافية ومنطقة صناعية لربط البواخر بخط بحري Spm للأنشطة الإنتاجية والخدمية المرتبطة بها، بالإضافة إلى منطقة صناعة حرة في نفس منطقة المشروع.
المشروع: إنشاء وتشغيل وحدة إنتاج غاز منزلي بقطاع (۱۰)
الموقع: حوض المسيلة، في محافظة حضرموت
المشروع جرى التوقيع عليه في أبوظبي بحضور محافظ حضرموت، مبخوت بن ماضي، من قبل وزير الشؤون القانونية أحمد عرمان، في الـ22 من فبراير 2022، ضمن ثلاثة مشاريع استراتيجية في مجال النفط والكهرباء والغاز، وقعت من قبل وزير الكهرباء والطاقة مانع بن يمين، ووزير النفط سعيد الشماسي، وتنفذها جميعًا "شركات متخصصة في دولة الإمارات"، وفقًا لوكالة سبأ الرسمية.
وكشفت مصادر حكومية، أن وزير الكهرباء منح الشركة ذاتها (باسكو إنيرجي) عقدًا لتوريد المشتقات النفطية لمحطات الكهرباء في عدن وبسعر أعلى من سعر السوق، ما كبّد الخزينة العامة للدولة، مبلغًا قدره (۱٥۰) مليون دولار خلال العام ٢٠٢٢، ذهبت كأرباح لصالح الشركة الإماراتية، وهو ما أكّده تقرير لجنة تقصّي الحقائق البرلمانية.