أصدر الروائيّ والباحث أحمد عبدالله مثنى، كتابًا جديدًا، عن دار "النخبة" في القاهرة، حمل عنوان (قراءة في تاريخ الرواية اليمنية والبنية السردية في ثلاث روايات؛ مئة عام على إصدار أول رواية بتكنيك معاصر)، ويتناول فيه ثلاث أعمال روائية يمنية، صدرت في وقت مبكر من القرن الماضي، ويعود صدور أقدمها إلى العام 1927.
يقول المؤلف في مقدمة الكتاب، الذي يقع في 144 صفحة:
"لقد دأبت الرواية منذ بواكيرها الأولى على الوصول للقارئ، حيث ظهر الولع والافتتان بهذا الفن الحكائي النابع من الواقع المعاش، ومن المتخيل الإنساني وتجلياته السردية، وقد وجد المتلقون ضالتهم في هذا الأدب الجديد، ووجدوا فيه تعبيرًا حقيقيًّا عن الهمّ الإنساني، وكلِّ ما يتوافد على النفس من أحلام وطموحات. السرد الروائي في أزمنته المختلفة، يجد له قَبولًا وسِحرًا لدى المتلقين، وخصوصًا أولئك المأخوذين بالأحلام والفراديس المنتظرة".
تناول المؤلف، في المدخل، تاريخ الرواية في أوروبا، ويقول مستندًا على أحد الباحثين، إنّ البدايات كانت في إيطاليا التي أُصيبت إحدى مناطقها بوباء غامض أودى بحياة الكثير من السكان، ففرّ العديد من الناجين (شابات وشبان) إلى مناطق آمنة؛ وعلى مدى أيام كان كلّ واحدٍ منهم يروي حكاية أو قصة عن الوباء، وكان من نتيجة ذلك أن راجت أول رواية غربية، ثم تطوّرت لتكون على الحال الذي عليه من نضج فنّي في أيامنا.
ثم عرج الكاتب على إحاطة العرب واليمنيين بالعملية السردية، من خلال المقامات والكتب المقدسة، ومن خلال كتاب "التيجان" لوَهْب بن مُنَبِّه، الذي صوّر فيه ملوك حمير ونضالات بعضهم في التغلب على الجنّ والعفاريت والحِنْشَان والأفاعي، وخلاف ذلك من الصراع المرير والمشوق مع كائنات خرافية. ثم كتاب "النمر والثعلب" لسهل بن هارون، الذي يذهب الكثير من النقاد إلى اعتباره أقرب شكل إلى السرد الروائي، وفيه من الرمز للعاقل والمتطلع إلى حياة أفضل، وهو في الوقت نفسه تسلية للعامة ممن لم يفطنوا إلى الرمز.
أمّا عن الروايات الثلاث؛ فالرواية الأولى "فتاة قاروت" لأحمد عبدالله السقاف، التي صدرت أول مرة بإندونيسيا في العام 1927، وهي رواية -كما قال الكاتب- في قمة الجمال سردًا وتكنيكًا ووصفًا وشاعرية واسترجاعات ورموزًا، وكل ما له علاقة بالسرد المعاصر، وهي إن كتبت في المهجر الإندونيسي وعنه، فإنّ أبطالها هم من أسرته من حضرموت، بصرف النظر عن أنّ هناك اثنين أجانب ظهرا في أنساق السرد.
ذهب بطل الرواية إلى إندونيسيا بعد أن تُوفِّي والده غرقًا، وذلك للاطلاع على مخلفات والده وأملاكه، وهناك تعرّف على "فتاة قاروت" التي كانت تجيد العربية فأحبَّها، في حين كان من يدّعي أنّه والدها، يحول دون أن يتحول الحبّ إلى زواج، لأنّه كان قد وعد ثريًّا برتغاليًّا أن يزوّجه الفتاة، غير أنّ الحب هو الذي سينتصر في النهاية، حين يكتشف الجميع أنّ الفتاة ما هي إلا ابنة عمه المهاجر الحضرمي، وثمرة زواجه القصير من فتاة إندونيسية.
الرواية الثانية في كتاب تاريخ الرواية، هي رواية "سعيد" للكاتب والروائي محمد علي لقمان المحامي، والتي هي في رأي النقّاد والمؤرخين أولُ رواية يمنية تصدر في الداخل في العام 1939.
وتحكي عن المحروسة عدن، وناسها والتقاليد والأعراف فيها، ومخادر الأعراس، وحكاية غرام أحد أولاد الحاج سالم (سعيد) ببنت الجيران الفقيرة، واتخاذ أخيه طريق الخيانة والعربدة أسلوبَ حياة، يضاف إلى ذلك أيضًا قسوة زوجة الأب.
يغادر سعيد إلى تركيا، ويقاتل في صفوف قوات الخلافة لإيمانه القوي بها، وفي إحدى المعارك يصاب، وبعد شفائه ينتقل إلى ألمانيا للدراسة، وبعد إتمامها يعود إلى عدن، بعد أن تغرق الأسرة في مشاكل كبيرة، فيتسنى له فضح صديق أخيه الذي سرق وثائق والده، وورّطه في ديون وفي دخوله المحكمة، ثم يقوم بالدفاع عن والده وإخراجه من محنته، فيلتئم شمل العائلة من جديد.
أمّا الرواية الثالثة التي يتناولها فهي "مأساة واق الواق" للشاعر محمد محمود الزبيري، التي كتبها وهو منفي في القاهرة، أواسط الخمسينيات من القرن الماضي، واتخذ فيها من الجنة والنار والسماوات فضاءً روائيًّا تخيليًّا، وجعل من بنى السرد إسقاطات عديدة لمواقف المناضلين ضدّ الحكم الكهنوتي المتخلف وما نالهم من قتل وسجن وتشريد وسحل، ليحضروا جراء ذلك في الجنة، وبمقابله يحضر الطاغية وجلاوزته في النار.
الاشتباك القرائيّ مع فضاءات السرد وأمكنته وثيمات الهجرة والاغتراب، واحدٌ من عناوين الكتاب.