سلّطت استقالة المدرب المخضرم محمد البعداني، من قيادة المنتخب الوطني لكرة القدم "فئة الشباب"، الضوءَ على معاناة العديد من المدربين اليمنيين عند قيادتهم للمنتخبات الوطنية، والتحديات الكبيرة المرافقة لمشوارها الكروي، الذي اتضح مؤخرًا أنه مُحاط بالأشواك بدلًا من الورد تقديرًا للإنجازات المُحققة أسوةً بمنتخبات الدول الأخرى، الأمر الذي يعكس بوضوح، الأوجاع والمتاعب التي يواجهها مدربو منتخبات كرة القدم اليمنية في الداخل والخارج دون أي تدخل حكومي لإنصافهم وإعادة الاعتبار لهم.
وأحدثت استقالة المدرب البعداني غير المتوقعة، فور وصوله برفقة بعثة المنتخب الوطني إلى صنعاء، قادمين من العاصمة الأردنية عمّان، صدمةً كبيرة في الأوساط الرياضية على الساحة اليمنية، وأثارت ردود أفعال واسعة النطاق، خاصة أنها جاءت عقب الإنجاز الكبير الذي حقّقه البعداني في قيادته المنتخب الوطني للتأهل طرفًا ثانيًا إلى نهائيات كأس آسيا للشباب، التي ستُقام في الصين خلال العام القادم 2025، بمشاركة 15 منتخبًا، من بينهم ستة منتخبات عربية تحت سن 20 عامًا.
تأهل دون تقدير
قاد المدرب محمد البعداني المنتخبَ الوطني للشباب إلى نهائيات كأس آسيا في الصين 2025، بكل حكمة وثبات؛ لخبرته الطويلة في الجانب التدريبي الذي يمتد سنواتٍ طويلة، متحديًا ومتجاوزًا كل العقبات والصعوبات التي رافقته أثناء التدريب، فضلًا عن عدم حصوله على أي دعم أو اهتمام، وتجاهلٍ لكل مطالبه منذُ الوهلة الأولى للتصفيات، حتى تحقيق الإنجاز العظيم بتأهُّل المنتخب للبطولة بإمكانيات متواضعة مقارنةً بالمنتخبات الأخرى.
ما حصل مع المدرب البعداني لم يكن مُفاجئًا بالنسبة للشارع الرياضي والإعلامي والجمهور، فهذه المعاملة التي لا تمتّ للرياضة بأي صلة، لها تأثيرٌ كبير جدًّا على المشوار الكروي للمدربين اليمنيين، وتحديدًا على المنتخب الذي تأهل إلى النهائيات ويستعد لخوض منافسات مهمة في الصين 2025.
الظروف غير الملائمة لعمل المدرب البعداني دفعته -دون تأخير- إلى تقديم استقالته لدى وصوله وبعثة المنتخب إلى صنعاء، مُرجِعًا ذلك إلى ما وصفه بـ"الخذلان" من الاتحاد اليمني لكرة القدم، والضغوط الجماهيرية التي تعرض لها قبل وخلال المشاركة في تصفيات آسيا، إضافة إلى "التقليل من الإنجاز الذي تحقّق بالتأهل إلى نهائيات آسيا"؛ بحسب تعبيره.
أسباب عديدة تجعل الكرة اليمنية تعيش مأزقًا حقيقيًّا، أبرزها خسارة المدرب البعداني، أحد أهم ركائزها الأساسية في المرحلة الحالية، الأمر الذي سيفاقم هشاشتها وضعفها، ويكشف الستار عن حقيقة الطريق الوعرة التي واجهت المدربين اليمنيين عند محاولاتهم إعادة روح وكبرياء الرياضة اليمنية إلى مستوياتها المعهودة، وتحقيق الإنجازات على أكثر من صعيد محليًّا وآسيويًّا وعالميًّا.
وقوبلت طريقة تعامل قيادة الاتحاد اليمني لكرة القدم مع المدرب البعداني، بإدانات واستنكارات واسعة النطاق على منصات التواصل الاجتماعي، من شخصيات رياضية بارزة، بعد ظهوره في مقطع فيديو من صنعاء وهو يقول: "لم نستلم أي دعم مالي أو مرتبات، حتى العقود لم نستلمها، وتطور الأمر إلى عدم تواصل الأمين العام (حميد شيباني) معي بشكل مباشر، بل قام بإرسال وسيط بيننا. لا أعلم ما السبب وراء كل ذلك؟!".
حسرة وألم
بكلماتٍ قليلة تكسوها الحسرة والندم، عبّر لاعبو المنتخب الوطني للشباب عن ألمهم وحزنهم الشديدين بإعلان المدرب البعداني تقديمَ استقالته إزاء الخذلان والمعاناة التي واجهها، وذلك عقب ثلاث سنوات قضوها برفقته عند اختياره مدربًا لهم، فعلى الرغم من قلة المباريات والمنافسات المحلية فإنه تمكّن من تكوين منتخب وطني قوي، أظهر قدرته على منافسة المنتخبات الآسيوية، واستطاع تمثيل اليمن خير تمثيل، ورفع اسمها عاليًا بعد تأهله إلى نهائيات كأس آسيا 2025 في الصين.
ومن جهته، أكّد مستشار رئيس الاتحاد الآسيوي للصحافة الرياضية، بشير سنان، في تصريح لـ"خيوط"، أن "ما حصل مع المدرب البعداني لم يكن مُفاجئًا بالنسبة للشارع الرياضي والإعلامي والجمهور؛ فقد تعودنا على المعاملة السيئة لاتحاد كرة القدم مع المدربين والبعداني شخصيًّا. ليست المرةَ الأولى التي يواجه فيها مثل هذه الطريقة، لأنه رجل صادق ويقول كلمة الحق دون الخوف من أي أحد"؛ وفقًا لسنان.
ويضيف: "هذه المعاملة لا تمتّ للرياضة بأيّ صلة، ولها تأثير كبير جدًّا على المشوار الكروي للمدربين اليمنيين، وتحديدًا على المنتخب الذي تأهّل إلى النهائيات ويستعد لخوض منافسات مهمة في الصين 2025"، مُعبرًا عن إدانته واستنكاره بأشد العبارات لما وصفه بـ"التصرف المُسيء من اتحاد كرة القدم، ومن أمينه العام على وجه الخصوص، ومعاملته غير القانونية مع المدرب البعداني، وهذا أمر مرفوض جملةً وتفصيلًا".
بالنسبة لمعاناة المدرِّبين الطويلة مع الاتحاد، وفقًا لسنان، فإن الأمانة العامة للاتحاد اليمني لكرة القدم "مارست كل أصناف الذل والهوان مع المدربين، وغالبيتهم فضّلوا الصمت عن كل ما يحدث تجاههم خوفًا على مستقبلهم، باستثناء مدربَين اثنين من بينهم البعداني، الذي ضاق به الحال ليكشف الستار عن هذه المعضلة التي أرهقت المدربين، وضاعفت كثيرًا من معاناتهم".
علاقة القط والفأر
"علاقة المدرب الوطني باتحاد الكرة علاقة باردة في الغالب، علاقة أقرب إلى علاقة (سِي السيد) بزوجته أمينة في ثلاثية الروائي نجيب محفوظ؛ خضوع، خنوع، استسلام، هز رأس، لا نقاش، لا حقوق، وفي أحسن الأحوال علاقة بين قط وفأر"، هكذا وصف الكاتب والمحلل الرياضي محمد العولقي معاناة مدربي المنتخبات الوطنية مع الاتحاد اليمني لكرة القدم منذُ سنواتٍ طوال دون تحريك ساكن للحكومة تجاه ما يحدث.
ما يُعانيه المدرب الوطني من تقريع وخذلان ومعاملة غير قانونية وغير أخلاقية، ليست ناجمة عن ظروف الحاضر، بل لأنها في الواقع امتداد لماضٍ يرى فيه الاتحاد اليمني لكرة القدم أن المدرب الوطني كالبضاعة، تصلح للاستخدام فترة مُعينة، ومن ثم تتعرض للإتلاف في الوقت الذي يُراد إحراقها.
وتلخيصًا للمثل وتشبيهًا لما يحدث للمدربين، يؤكد العولقي لـ"خيوط"، أنّ "اتحاد كرة القدم هو القط الذي يتنمر على الفأر المسكين، وأن المدرب الوطني مثل السمك؛ مأكول من الاتحاد، ومذموم من جمهور الكرة"، مضيفًا بالقول: "من سار على نهج: أنا ساكت عن حقوقي إذن أنا موجود، يصبح قريبًا من عين وقلب اتحاد الكرة، ومن سار على نهج: أنا أفكر إذن أنا موجود، يصبح منفيًّا ولا يحق له أن يحلم بتدريب المنتخبات، ولو كان يحمل كل مؤهلات الحذق التدريبي".
وبات جليًّا أن علاقة المدرب الوطني مع اتحاد الكرة ستظل إلى الأبد عبارة عن علاقة مزاجية يشوبها التوتر، ولا تخضع لأي عقد ملزم في حال لم تكن هناك جهات رقابية حكومية تتابع أولًا بأول عمل إدارة الاتحاد ومحاسبة أي اختلالات جديدة قد تحدث.
بُحّت أصوات الجماهير اليمنية المطالِبة للحكومة بالنظر بعين الاعتبار والمسؤولية إلى المعاناة التي يتجرعها المدربون الوطنيون من قيادة الاتحاد اليمني لكرة القدم، ولكن للأسف دون فائدة، للبتّ في القضية أو إيلائها أي اهتمام، كونها في نظرها مشكلة تتعلق بالاتحاد نفسه، وكأنه ملكية خاصة وليست حكومية.
وصمة عار
ما يُعانيه المدرب الوطني من تقريع وخذلان ومعاملة غير قانونية وغير أخلاقية، ليست ناجمة عن ظروف الحاضر، بل هي في الواقع امتدادٌ لماضٍ يرى فيه الاتحاد اليمني لكرة القدم، أنّ المدرب الوطني كالبضاعة، تصلح للاستخدام فترة مُعينة، ومن ثم تتعرض للإتلاف في الوقت الذي يُراد إحراقها.
بقلبٍ مكلوم وعينٍ دامعة يقول يونس، نجل المدرب الوطني محمد البعداني، في تصريحٍ لـ"خيوط"، إنه بعد تأهُّل منتخب الشباب لكأس آسيا 2025، لم يحظَ والده وجهازه الفني والإداري ولاعبو المنتخب بأي تقدير من الاتحاد العام لكرة القدم، ويضيف: "حتى اتصال أو رسالة شكر لم يجدوه، وكان تقديم والدي للاستقالة واجبة، وللتاريخ".
ويتابع يونس: "منذُ تولي والدي وطاقمه تدريبَ منتخب الناشئين حتى توليهم تدريب منتخب الشباب، كان التدريب بالمجان، ولم يستلموا ريالًا واحدًا من الاتحاد، في زمن الوطنية للصوص فقط، ورغُم كل ذلك تعرض لحملات إعلامية وصلت للشتم بالعار والعرض، بدلًا من الإشادة والثناء على ما تحقَّق".
"كالسيول الجارفة المتدفقة من المرتفعات الجبلية"؛ هكذا وصف يونس الحملة الإعلامية الشرسة ضده والده البعداني، من الاتحاد العام لكرة القدم وبعض الصفحات على منصات التواصل الاجتماعي، متناسين النقلة النوعية التي أحدثها المدرب البعداني في تطوير منظومة منتخب الشباب، حتى تمكن من إيصاله إلى نهائيات كأس آسيا 2025 في الصين، دون أي مقابل مادي أو معنوي.