تشكل مخاطر العيش وشظف الحياة الصعبة، عاملًا جديدًا لمعاناة شريحة واسعة من الصحفيين المنضوين في مجال الصحافة والإعلام الرسمي، الذين يعتريهم الخوف والرقابة الذاتية، التي ولّدتها عمليات التحريض ونشر ثقافة الكراهية من جميع أطراف الصراع في اليمن، ضد الصحفيين.
هذا الرعب الداخلي والمعاناة، ولّد العديد من الأمراض المزمنة التي تصيب الصحفيين؛ كأمراض القلب، وتصلب الشرايين، والجلطات الدماغية، وضاعف من الشعور بالإحباط لديهم. على إثر ذلك لجأ الكثير ممن كانوا يعملون في "بلاط صاحبة الجلالة"، إلى أعمال ومهن جديدة في القرى والأرياف أو داخل المدن، لان مهنة الصحافة لم تعد تؤمّن مصدراً كافياً للعيش، وإن وفّرت ذلك، فمخاطرها العالية تصل إلى الاختفاء القسري وفقدان الحياة.
لذلك لجأ كثير من الصحفيين إلى رعي الأغنام، وفلاحة الأراضي الزراعية، والاشتغال في بيع نبتة القات، وفي مهن شاقة لم يعتادوا عليها، لكنهم أقبلوا عليها مجبرين بعد أن أغلقت جميع الأبواب في وجوههم. هذا الأمر أثر بشكل كبير على جميع فئات المجتمع، إلا أن الأوضاع التي تعيشها شريحة واسعة من الصحفيين أوصلتهم إلى العوز وقلة الحيلة.
يؤكد صحفي أن عمره الذي أفناه في العمل الصحفي ذهب أدراج الرياح، وإن لجوْءَه إلى العمل في الرعي هو لستر الحال من حالات العوز والفقر، وتوفير جزء من لقمة العيش لأطفاله وأسرته؛ كونه يعيل أكثر من ستة أطفال؛ بنين وبنات
القلق الدائم الذي يرافق المشتغلين في مهنة المتاعب، نابع من أحداث الحرب منذ أكثر من ست سنوات ، ولا شك أن الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه اليمنيون بدون استثناء، أثر بشكل كبير على جميع فئات المجتمع.
صحفي يمتهن الرعي
الصحفي (م.س)، عاد إلى قريته مع أسرته ، بعد أن انقطعت الرواتب بشكل نهائي في سبتمبر/ أيلول 2016، حيث لم يقدر على تحمّل تكاليف المعيشة ودفع إيجار المسكن في المدينة، فعاد إلى مسقط رأسه لكي يبدأ حياة جديدة شديدة القسوة.
يتحدث هذا الصحفي لـ"خيوط"، أنه تمكن من شراء عدد من الأغنام، وزراعة أرضه الصغيرة المعتمدة على مياه الأمطار الموسمية، وفضّل حياة الرعي على حالة العوز والفقر، ولتوفير جزء من لقمة العيش لأطفاله وأسرته كونه يعيل اكثر من ستة أطفال، بنين وبنات.
يضيف أن عمره الذي أفناه في العمل الصحفي ذهب أدراج الرياح، مؤكدًا أن لجوْءَه إلى العمل في الرعي هو لستر الحال من حالات العوز والفقر، وتوفير جزء من لقمة العيش لأطفاله وأسرته؛ كونه يعيل أكثر من ستة أطفال؛ بنين وبنات.
باع أرضيته وفتح بقالة
بعد اندلاع الحرب الدائرة في اليمن وتركيز أطرافها على التحكم بالصحافة والعمل الإعلامي ضمن أجندتها في الصراع، نالت مؤسسات الصحافة والإعلام الحكومي الرسمي نصيبًا كبيرًا من استحواذ أطراف النزاع عليها، وترك صحفييها وموظفيها بلا رواتب. ومن ذلك ما حدث في العاصمة صنعاء، بعد سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) عليها، لمؤسسة الثورة للصحافة، والمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون ووكالة سبأ الرسمية، إضافة إلى تحكم المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات على مؤسسة 14 أكتوبر للصحافة بعد سيطرته على مؤسسات الدولة في عدن في العام 2019، بينما تعرضت مؤسسة الجمهورية في تعز التي تخضع مدينتها لفصائل تابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا للتدمير ونهب مطبعتها وممتلكاتها.
ويقول الصحفي عبدالرحمن مطهر، من صحيفة الجمهورية الحكومية التي مقرها الرئيسي في محافظة تعز جنوب غربي اليمن، إنه عند انقطاع الرواتب على الموظفين الحكوميين، كان يمتلك قطعة ارض لبناء مسكن له ولاطفاله عليها، لكن انقطاع الراتب وشحة فرص العمل، دفعاه إلى بيع أرضيته وفتح دكان صغير "بقالة"، بهدف تسيير وضعه المعيشي، وتوفير جزء من الدخل لإعالة أسرته.
لم يعد يرغب عبدالرحمن في ممارسة أي عمل صحفي؛ لعدم توفر البيئة المناسبة للعمل الصحفي، علاوة على أن هذه المهنة، "أضحت مقلقة للغاية ولا تؤكّل عيش".
الصحفي (س. ع) صحفي لم يرغب بنشر اسمه هو الآخر، يقول إنه عاد إلى القرية حيث تسكن عائلته الكبيرة، وغرس نبتة القات في حقل بجانب منزله، ويعتمد في سقيها على مياه الامطار، فضلا عن شراء ثلاثة رؤوس من الماعز، وبذلك يعيش "حالة الكفاف" مع أسرته، قانعاً.
وبسبب الحرب وانقسام الحكومة اليمنية، استحدثت الحكومة المعترف بها دولياً في عدن، نسخاً أخرى من وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" والتلفزيون الحكومي، مما زاد الوضع تعقيداً بالنسبة لمنتسبي الإعلام الحكومي.
في السياق، يقول لـ"خيوط"، مسؤول في الحكومة المعترف بها دوليًّا، إن مؤسسات الصحافة والإعلام الرسمي الحكومي الواقعة في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، تمت السيطرة عليها من قبل الجماعة ونهب محتويات بعضها، إضافة إلى استخدام هذه المؤسسات في الدعاية الحربية لصالحها ونشر أفكارها، إذ انقطعت مرتبات العاملين فيها ضمن رواتب كل موظفي الدولة في مناطق سيطرة الجماعة.
ويضيف هذا المسؤول أن الحكومة المعترف بها دوليًّا، عملت على صرف رواتب الموظفين النازحين من مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، وأن رواتب المئات من النازحين المنتسبين لمؤسسات الاعلام الرسمي، تصرف بشكل منتظم. أما بالنسبة لموظفي وسائل الإعلام الرسمية في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، فيقول إنها "لم تنقطع اطلاقا ومستمرة بانتظام حتى اليوم".
ويقول موظفون في القطاع الحكومي وبينهم صحفيين، أن مرتبات الموظفين الذين يسكنون في مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، لم تصرف من قبل الحكومة المعترف بها دولياً، إلا بعد أن كان يذهب الموظف إلى عدن ويسجل اسمه ضمن النازحين إلى المدينة، وحينها يُقيّد اسمه في كشوفات المرتبات الحكومية.