مناهج ركيكة ومدرِّسون جائعون

التعليم في اليمن وجنايات السياسة!
هائل الفقيه
September 14, 2023

مناهج ركيكة ومدرِّسون جائعون

التعليم في اليمن وجنايات السياسة!
هائل الفقيه
September 14, 2023
.

تتغير ظروف الحياة بوتيرة عالية، وتؤثر على جوانب متعددة في حياة الناس ومصائرهم، ومنها العملية التعليمية، وهذه الأخيرة تعاني تدهورًا مريعًا على مستويات شتى في اليمن. فمع بداية العام الدراسي الجديد، يأمل الآباء لأبنائهم عامًا دراسيًّا محملًا بالبشائر والأمنيات. 

اليمن يعاني من حروب ممتدة في الزمن، وكل حرب تلقي بظلالها على واقع الناس، وخصوصًا التعليم، الذي شهد انتكاسةً غير مسبوقة منذُ انقطاع رواتب المعلمين اليمنيين -قرابة ثماني سنوات- فتجرع من جرائها المعلمون مرارةَ العيش القاسي.

تعيش البلد تحت واقع سياستين تعليميتين، كل واحدةٍ أضعف من الأخرى؛ فالسياسة العامة التي تدير الحالة التعليمية في صنعاء تنتهج وسائل غريبة على المجتمع، وتخالف المعايير العالمية والعربية والمحلية، وسعت إلى إحداث تغييرات في مناهج الصفوف الأولى بما يناسب أيديولوجية الجماعة المسيطرة.

المشهد مأساوي ومؤلم، ولا حل يرتجى في الأفق؛ وما هو ساطع ليس أكثر من سياسة مرتجلة مدمرة للتعليم، وتقوم على تكريس التجهيل وتوسيع رقعته لصالح الأطراف المسيطرة.

سياسة تخنق المعلمين في قوت يومهم، فهي -أي الجماعة- إن صرفت فنصف راتب لا يكاد يسد رمق ولا يزيح همّ الديون التي أثقلت الكواهل، وغلاء المعيشة على أكثر من مستوى؛ فلا المعلِّم أمّن حاضره، ولا هو الذي قضى دينه السابق، ولا هو الذي يتراءى له مؤشر الانفراج القادم.

المشهد مأساوي ومؤلم ولا حل يرتجى في الأفق؛ وما هو ساطع وواضح ليس أكثر من سياسة مرتجلة مدمرة للتعليم، تقوم على تكريس التجهيل وتوسيع رقعته لصالح الأطراف المسيطرة.

في عدن، ما زالت الحكومة المعترف بها غير قادرة على بسط نفوذها على المحافظات المسيطرة عليها، وما زالت أطراف خارج إطارها تمسك بتلابيب الحكم كالمجلس الانتقالي؛ فالحكومة المعترف بها تصرف رواتب المعلمين بعملتها المنهارة التي لا قيمة لها في المعيشة، رواتب لا تفي بأبسط متطلبات المعلمين المغلوبين على أمرهم، وبالرغم من كل المناشدات لدعم المعلمين، وتحسين ظروفهم المعيشية في ظل الغلاء وانهيار العملة، فإن تلك المناشدات لم تجد آذانًا صاغيةً، وذهبت أدراج الرياح.

يأمل المعلمون في إعادة العملية التعليمية إلى سابق عهدها، لكنّهم يصطدمون بسلطات الأمر الواقع التي لا تُعير أي اهتمامات لحماس يظهر هنا أو هناك، وما يلبث أن يخفت مع توجهات سلطات ليس التعليم ضمن أولوياتها، وإن تغنّت به إعلاميًّا. تعمّدت السلطات القائمة إفقار المعلم ومحاصرته بقطع راتبه لسنوات، ثم منحته راتبًا لا يسد رمقه.

كتب الفيزياء والكيمياء والأحياء والرياضيات، هي الأخرى، تمضي في زمنها القديم في المواضيع البالية البعيدة عن الوقت الذي نعيشه.

ما زال التحصيل العلمي همًّا يؤرق أولياء أمور الطلبة ويصدّع رؤوسهم، ويتمنى الآباء لو أنّ تغييراتٍ بسيطة يمكن أن تحدثها السلطات الرسمية القائمة؛ بغرض الاهتمام بالمعلم الذي هو جوهر العملية التعليمية.

ولا يُمكن أن نتجاهل حقيقة مرة، وهي أن المناهج التعليمية هي الأخرى صارت تُشكِّل عبئًا في إضعاف مخرجات الحالة التعليمية اليوم، فهي الأخرى يتم تحديثها منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، وصارت قديمة ولا تلبّي واقع الحياة اليوم.

 مناهج ضعيفة لم تخضع للمراجعة المنهجية المواكبة لتطورات العصر وروحه الوثابة، فهي غارقة في ماضٍ سحيق ليس في المواد الإنسانية وحسب، بل حتى على مستوى المواد العلمية التي تعاني ركاكةً واضحة المعالم، يمكن ملاحظتها في كتاب العلوم للصفوف الإعدادية، التي لم تزل غارقة في تقليديتها. 

كتب الفيزياء والكيمياء والأحياء والرياضيات، هي الأخرى، تمضي في زمنها القديم في المواضيع البالية البعيدة عن الوقت الذي نعيشه.

الطلبة بدورهم يبصرون واقعًا مريرًا هشًّا أمامهم، ويضاعف من نفورهم من التعليم، الذي يستطيعون اكتسابه من الفضاء المفتوح بيسر وسهولة، أكثر من حضورهم إلى مدارس مهملة بلا معامل وأدوات، ويتلقّفونه من معلمين جائعين وغير مواكبين، ومناهج بالية أكل من أوراقها الدهر وشرب من حبرها المعتّق.

الوضع يستدعي تكاتفًا مجتمعيًّا بغرض الحفاظ على التعليم وتجويده وتحديثه، وانتشال الطلاب من واقعهم البائس والمنفر.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English